لا قرار مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بالطلب من مفوض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية القاضي غسان خوري تمييز قرار إطلاق العميل عامر الفاخوري، ولا قرار قاضي الأمور المُستعجلة في النبطية أحمد مزهر بمنعه من السفر جوّاّ وبحراً وبرّاً، غيّرا من مسار رحلة “جزّار الخيام”ّ.
مسؤول أمني كبير: “لا حقيقة مطلقة في هذا النوع من الملفات. جزء من الحقيقة يتوزّع أجزاءً عند أطراف معيّنين، وقلّة قليلة من تحظى بترف رؤية البازل الكامل أمامها”
بعد قبول المحكمة العسكرية، برئاسة العميد حسين عبدالله الدفوع الشكلية المقدّمة من وكلاء الدفاع عن الفاخوري، ارتسمت فوراً السيناريوهات المحتملة لخروجه من لبنان. فتمييز القرار، وفق قانون القضاء العسكري، لا يوقف تنفيذه. وملفّه العالق في القضاء المدني الجزائي أمام قاضي التحقيق في بيروت القاضي بلال حلاوي لا يقدّم ولا يؤخّر. أصلاً بدا الأمر مجرّد شكليات لا تؤثّر في الجوهر وسط ضغط أميركي واضح بدأ من لحظة توقيفه في أيلول الفائت حتى انتقال ملفّه إلى المحكمة العسكرية. ضغطٌ أحرَجَ رؤوساً كبيرة في الجمهورية.
من الجهة اللبنانية كان الأمر يحتاج فقط إلى الإذن القضائي الرسمي بإخلاء السبيل الذي تُرجم بقرار المحكمة العسكرية، أما باقي التفاصيل فتُحاط أميركياً بجدار من السرّية دفع مسؤولاً أمنياً كبيراً إلى القول: “لا حقيقة مطلقة في هذا النوع من الملفات. جزء من الحقيقة يتوزّع أجزاءً عند أطراف معيّنين، وقلّة قليلة من تحظى بترف رؤية البازل الكامل أمامها”.
سيناريوهات المغادرة ترافقت مع حفلة تخوين داخل بيت المقاومة. لم يكن تفصيلاً انقضاض جزء من بيئة المقاومة على “حزب الله”، لينضّم إلى منتظري الحزب على الكوع، وذلك بتهم تراوحت بين التفرّج أو التواطؤ أو عقد صفقة سرّية تحت الطاولة. منح حزب الله الغطاء لإخراج الفاخوري، تهمة تشارك فيها الأخصام والحلفاء وإن بمستويات ولهجات متفاوتة.
إقرأ أيضاً: حزب الله في ملفّ الفاخوري: باسيل أوّلاً
حَدَث ذلك، في ظلِ واقعٍ ملتبس. حديثٌ هامس في الكواليس الضيّقة عن “جهة” داخل الحزب تولّت مواكبة قضية الفاخوري ومنح التطمينات بأنّ أي قرار يصبّ في إطار إطلاق سراحه سيتمّ استيعابه. أما الهدف فهو ترييح الحزب من أثقال المزيد من العقوبات المحتملة في حال وفاة الفاخوري قبل صدور القرار أو في حال الإبقاء عليه موقوفاً، مع تهديد أميركي واضح سَمعه مسؤولون لبنانيون “لايف”، ومفاده توسيع دائرة الاتهام بكل من لعب دوراً في ملف الفاخوري.
وقد بدا لافتاً جداً حديث مسؤولين قريبين من “حزب الله” بأنّه “لم يكن أحد قادراً على الوقوف بوجه قرار الإفراج عن الفاخوري ومغادرته، وأولهم “حزب الله” خصوصاً أن الأخير لم يتصرّف طوال الفترة الفاصلة بين التوقيف وصدور قرار المحكمة العسكرية بما يوحي بإعلانه التعبئة العامة ضد مسار توقّع كثيرون حصوله”. فيما علّق آخرون: “أكبر فضيحة في لبنان بتنتهي بيومين”.
التشكيك من جانب شريحة من مؤيّدي المقاومة ترافق مع تسريبات عن مفاوضات سرّية تتيح إجراء عملية تبادل مع رجل الاعمال الموالي لحزب الله قاسم تاج الدين، مع العلم أنّ وزارة العدل الأميركية كانت أعلنت عن اتفاق بين الادّعاء العام ومحامي تاج الدين في كانون الأول 2018، قضى بأن يدفع الأخير مبلغ خمسين مليون دولار للحكومة الأميركية، وييقى في السجن خمس سنوات، ومع تأكيد معنيين أنّ تاج الدين يرفض منطق التبادل. تسريبات لا تتوافق مع واقع أنّ حزب الله ليس في موقع قوّة ليفاوض أصلاً في زمن العقوبات القاسية، وبأنّ البيان شديد اللهجة الذي أصدره لا يخفي واقع تحرّره من عبء الضغط الأميركي المرتبط بملف الفاخوري وعواقبه في حال الإبقاء على توقيفه. بدا السؤال الأكبر عن سرّ الاهتمام الأميركي بورقة “محروقة” كالفاخوري.
جهات أمنية رفيعة تواصلت مع مسؤول كبير في مطار بيروت ليل الثلاثاء ليكون الجواب: “لا طائرة خاصة آتية من أثينا”
تفيد المعطيات أنّه خلال الأسبوعين الماضيين السابقين لصدور قرار المحكمة، أصبح الفاخوري مجهول الإقامة بعدما حطّ في الأيام الأولى للتوقيف في وزارة الدفاع، ليتنقّل بعدها بين مستشفيات متعدّدة، آخرها مستشفى “سيّدة لبنان”، مع حراسة أمنية مشدّدة.
كبار المسؤولين الأمنيين جزموا بأنّ حالته الصحية “التعيسة” فعلاً، بناء على تقارير طبية رسمية وصلت بدورها إلى حزب الله. وفيما راجت خلال الساعات الماضية رواية وصول طائرة خاصة من أثينا لتحطّ في مطار رفيق الحريري مع فريق طبي مجهّز، تبيّن لاحقاً أنّ ذلك أتى ضمن إطار التمويه الأميركي لا غير. حتّى إن جهات أمنية رفيعة تواصلت مع مسؤول كبير في مطار بيروت ليل الثلاثاء ليكون الجواب: “لا طائرة خاصة آتية من أثينا”.
كان يصعب فعلاً تصديق أن من خطّط لإخراج الفاخوري من لبنان بحنكة أمنية عالية سيصطدم بقرار من قاضٍ في الجنوب يمنع السفر عن العميل الإسرائيلي”!
ووسط تضارب كبير في المعلومات حول مغادرة الفاخوري لبنان أو استمرار وجوده حتّى اللحظة في سفارة عوكر، فإنّ الجهوزية الأميركية لإتمام آخر مراحل عملية “الإجلاء” ترافقت مع سيناريوهات تداولتها مصادر رفيعة بالاشارة إلى ثلاثة احتمالات:
– المغادرة عبر مطار بيروت، وهو أمر مستبعد معتبرة أنّ لا ربط بين صدور قرار المحكمة والإقفال المؤقت لمطار رفيق الحريري ليل الأربعاء بحكم المعلومات المتوافرة.
– الإنتقال بطائرة هليكوبتر عسكرية خاصة بالسفارة الأميركية في عوكر إلى قبرص.
– أو استخدام مطار حامات لنقل الفاخوري، وفي هذه الحال تكون الوجهة ألمانيا حيث تؤمّن الرعاية الطبية اللازمة له قبل انتقاله إلى واشنطن.
وعلم “أساس” أنّ السفارة الأميركية طلبت ختم جواز سفر الفاخوري في مطار الرئيس رفيق الحريري، لكنّ إدارة الأمن العام أصرّت على أن يكون الفاخوري حاضراً لختم جواز السفر، بسبب وضعه الصحي الدقيق. فلا يمكن ختم الجواز في غيابه، وهو معرّض لاحتمال عدم الوصول إلى المطار بسبب وضعه الصحيّ الدقيق. إذ من الوارد تعرّضه لانتكاسة على الطريق، مثلاً.
يذكر في هذا السياق أنّ القرار الاتهامي الذي أصدرته قاضي التحقيق العسكرية نجاة ابو شقرا وأحالته إلى المحكمة العسكرية كشف أنّ الفاخوري لا يحمل الجنسية الإسرائيلية، بل الأميركية فقط.