مرّة جديدة، ترتكب المصارف “معصية” بحقّ المودعين. كان يكفي أن يتسرّب قرار جمعية المصارف القاضي بإقفال كامل القطاع، قبل الاطّلاع على مقرّرات جلسة مجلس الوزراء الاستئنائية التي عقدت يوم الأحد، للتأكد من أنّ الخطوة مشبوهة. بدا “فيروس الكورونا” أشبه بـ”شحمة على فطيرة”.
طبعاً، إنّ سلوك المصارف منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، بعدما وضعت أيديها على الودائع التي صارت ورقية، لا قيمة فعلية لها، أخذ يرفع من منسوب الشكوك حيال أيّ خطوة قد يقدم عليها القيّمون على هذا القطاع. ولهذا لم يهضم الناس انضمام المصارف إلى قافلة “المؤسسات المهجورة” بفعل قرار العزل، ولو أنّ القطاع يضمّ أكثر من 25 ألف موظف قد يعرّضون أنفسهم وعائلاتهم كما مراجعيهم وعائلاتهم، إلى خطر الاصابة بالوباء المتننقّل بين أجساد اللبنانيين.
إقرأ أيضاً: الصيارفة: لا حلّ من دوننا.. والدولار قد يتبخّر!
هكذا، اتهمت المصارف بأنّها تتحايل على مقرّرات جلسة مجلس الورزاء المفنّدة لموجبات إعلان التعبئة العامة، من خلال الإيحاء بأنّ السلطة التنفيذية لم تطلب فتح أبواب المصارف على مصراعيها، خصوصاً أنّ مقررات التعبئة العامة استثنت من الإقفال “مصرف لبنان وجميع المصارف وبالتنسيق مع جمعية مصارف لبنان، وشركات ومؤسسات تحويل وتوزيع الأموال ومؤسسات الصيرفة، وذلك بالحدّ الأدنى الواجب لتأمين مقتضيات تسيير العمل لديها يومياً”.
وفق أحد أعضاء مجالس إدارة أحد المصارف، هذا يفترض تسيير شؤون الناس بالحدّ الأدنى، لأنّ الإبقاء على الوتيرة ذاتها في هذه الظروف الاستثنائية فيه مخاطرة بأرواح الموظفين وصحّتهم كما بصحّة كل من يقصد المصارف من الزبائن.
ولفت إلى أنّ المصارف تحاول التماهي مع حالة العزل الشاملة التي يفرضها انتشار فيروس كورونا، من باب السعي لتأمين نجاحها من خلال التزام المصارف بكل طواقهما لسياسة العزل، لأنّه في حال حصلت الاختراقات خلال هذه الفترة، فستتعرّض الحملة الوقائية للضرب في صميمها.
ويؤكّد في حديث لـ”أساس” أنّ المصارف، وقبيل انعقاد اللقاء بين وزير المال والجمعية، كانت بصدد وضع جدول بالإجراءات التي تساهم في تسيير المرفق، سواء من خلال تزويد الـATM بالمبالغ اللازمة أو من خلال تحديد مواعيد مسبقة لأصحاب الإجراءات الطارئة والمستعجلة. ويشير إلى أنّ المصارف لم تكن تخطط أبداً لوقف كلّ الخدمات ولكنّها كانت بصدد تقنينها حفاظاً على السلامة العامة.
ورغم التبريرات التي تقدّمها المصارف، إلا أنّها متهمة بوضع أيديها على مدخرات اللبنانيين لا سيما تلك التي بالعملات الصعبة. ومن هنا سارع البعض إلى اعتبار خطوة إقفالها مقدمة لحجب الدولارات عن المودعين، خصوصاً وأنّ مشاريع قانون “الكابيتول كونترول” الذي يتمّ الإعداد له، يترك هذا البند مبهماً. ولذا لاقت خطوة المصارف استهجاناً، وبدت بمثابة مقدمة لامتناعها عن دفع الدولارات.
على هذه النقطة، يردّ أحد أعضاء مجالس الإدارة بأنّ فترة التعبئة العامة المحدّدة بحوالى عشرة أيام عمل، لم تكن لتغيّر من وجه الاقتصاد اللبناني، المشلول أصلاً، كاشفاً أنّ المصارف كانت بصدد التحضير للمرحلة المقبلة في حال طالت فترة التعبئة العامة من خلال إعادة تفعيل خدمة الدفع بالدولار في الصرّاف الآلي، أو وضع عوازل “بلاكسي” بين الموظفين والزبائن حماية لهم.
لكنّ هذه القراءة “الباردة الأعصاب” لا تتوافق مع وجهة نظر الرأي العام اللبناني المهجوس بمصير مدّخرات أعمار اللبنانيين، ولا مع القيّمين على المالية العامة، بدليل السجال الليلي الذي اندلع بين جمعية المصارف ووزير المال غازي وزني الذي اعتبر أنّ قرار الإقفال يستدعي تدخّل النيابة العامة التمييزية.
وفق المطّلعين على موقف وزير المال، فإنّ تحركه ينطلق من واقع أنه لا يمكن تسيير أمور الناس من خلال ماكينات السحب الآلي، لأنّها لا تغطّي كل الحاجيات، مشيرين إلى أنّ الخشية هو من “اختباء الجمعية وراء صحّة الموظفين لتمرير قرار وقف الدفع بالدولار”، ولهذا اعتبر وزير المال أنّ قراررات مجلس الوزراء هي بمثابة إخبار يستدعي تدخل النيابة المالية.
حماية أموال المودعين لا تخاض في الإعلام وعلى المنابر بل على طاولات النقاش الرسمي
ويكشف هؤلاء أنّ المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم اتصل بوزير المال لاستيضاحه، فأبلغه الأخير عن نيته الاجتماع بجمعية المصارف. فكان التفاهم على الإجراءات الجديدة. ويلفت المطّلعون على موقف وزير المال إلى أنّه لا يحاول أبداً الردّ على الحملة التي تخاض بوجهه، لأنّها في غير محلها، مؤكدين أنّ وزني لا يقود معركة الدفاع عن المصارف، لا بل العكس تماماً. فهو يخوض معركة المودعين، لكن بالتفاهم مع المصارف، لأنّه ليس المطلوب شنّ حرب بوجه القطاع المصرفي وتدميره وإفلاس المصارف، وإنّما الحفاظ عليها لحماية مدخرات اللبنانيين.
وبرأي القريبين من وزني، فإنّ “حماية أموال المودعين لا تخاض في الإعلام وعلى المنابر بل على طاولات النقاش الرسمي، وهذا ما يحاول الوزير القيام به، فيما هناك من يريده أن يخوض كباشاً علنياً لا طائل منه”.
ويؤكدون أنّ قانون “الكابيتول كونترول” هو شرّ لا بدّ منه للخروج من الأزمة التي نعيشها، لكنه بالنتيجة ليس قرار وزير وإنّما هو قانون “ستشارك في صناعته كل القوى السياسية سواء تلك الموجودة على طاولة الحكومة أو في مجلس النواب. ولذا من الظلم تحميل وزير المال تبعات القانون القابل للنقاش والتعديل”.
إشارة، إلى أنّ الاجتماع بين وزير المال وجمعية المصارف انتهى إلى الاتفاق “على فتح المصارف لبعض الفروع التابعة لها ابتداء من يوم الأربعاء 18 آذار، وتنظيم دوام العمل والقيام بالإجراءات المطلوبة لتسيير الخدمات المصرفية من إجل تلبية حاجات الناس في هذه الظروف الصعبة والدقيقة التي نعيشها، على أن يعلن كل مصرف لائحة الفروع المعنية بالقرار مع استمرار خدمة الـCall Center وتأمين السيولة عبر مكنات الـATM”.