حزب الله في ملفّ الفاخوري: باسيل أوّلاً

مدة القراءة 7 د


رسالة شفهية بسيطة نقلتها سفيرة الولايات المتحدة الأميركية الجديدة لدى لبنان دوروثي شيا، خلال تقديمها أوراق اعتمادها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون باسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً. فهم ساكن القصر أن التسويف واستمرار توقيف عامر فاخوري، اللبناني الأصل الذي يحمل الجنسية الأميركية، بتهمة التعامل مع إسرائيل في أثناء احتلالها جنوب لبنان، وإشراف فاخوري على تعذيب المعتقلين اللبنانيين في معتقل الخيام، سيشكّل خيبة أمل في البيت الأبيض وليس خارجه، وأنّه ليس بوسع لبنان تحمّل نتائج ذلك. بسرعة تحركت الاتصالات المفتوحة منذ فترة ليست بسيطة، والتي تولتها على مدى أشهر مجموعة من المسؤولين الأميركيين تضم كلاً من السفيرة الأميركية السابقة في بيروت اليزابيت ريتشارد ومدير محطة “السي أي إيه” في السفارة الأميركية في بيروت، ومساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية ديفيد هيل، ومساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى السفير ديفيد شنكر، مع بعبدا وقيادة الجيش ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والرئيس نبيه بري وعدد آخر من المسؤولين السياسيين والأمنيين.

إقرأ أيضاً: الفاخوري قد لا يغادر الأراضي اللبنانية

رسالة شيا الشفهية للرئيس عون كانت تأكيداً على أنّ ملف فاخوري يتابع من البيت الأبيض عبر مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب روبرت أوبراين، وتلعب فيه الخارجية الأميركية دوراً مكملاً. ولا عجب في ذلك خلال سنة انتخابية مهمة لترامب، يعنيه أن يقدّم الفاخوري في خلالها كعنوان نجاح سياسي لإدارته في مواجهة الإرهاب وسياسة “خطف الرهائن” التي تنتهجها طهران بشكل مباشر عبر احتجاز مزدوجي الجنسية من الإيرانيين أو بشكل غير مباشر عبر وكلائها في المنطقة كقضية الفاخوري وحزب الله، الذي تعتبره واشنطن ممسكاً بالكثير من مفاصل الأجهزة الأمنية والقضائية في لبنان وقادراً على تحريكها لصالحه.
وتُلفت مصادر “أساس” في واشنطن، الى أنّ قضية الفاخوري اكتسبت في الظاهر تلاقياً حزبياً جمهورياً وديموقراطياً، لا سيما بعد أن تقدمت جين شاهين، السيناتورة الديموقراطية عن ولاية نيو هامشير الأميركية، التي يقطنها الفاخوري ويمتلك فيها مطعماً في مدينة دوفر، بمشروع قانون عقوبات إلى مجلس الشيوخ، يطال أي مسؤول لبناني يتحمل مسؤولية احتجاز الفاخوري من دون أحكام ويعرض حياته للخطر، بيد أن حقيقة الأمور في مكان آخر.

فقد وضعت الأقدار قضية الفاخوري في صلب معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وألهبت حماسة الحزبين لقطف ثمارها، إذ إنّ ولاية نيوهامشير من الولايات المتأرجحة، التي كاد أن ينتزعها ترامب من الديموقراطيين قبل ثلاث سنوات، ويتطلع لانتزاعها فعلاً في الأشهر القليلة المقبلة، فيما يتطلع اليها المرشح الديموقراطي جو بايدن، وإلى السيناتورة شاهين بالتحديد، من بين أسماء أخرى، لتكون شريكته في تذكرة الترشح إلى البيت الأبيض لو تسنّى له انتزاع ترشيح الحزب الديموقراطي له.
هكذا تحوّل ملف الفاخوري إلى ثمرة سياسية واطئة يتسابق كلٌّ من ترامب وبايدن على قطفها وتسييل نتائجها في السابق الى البيت الأبيض في واحدة من الولايات الحساسة بالنسبة للفريقين.

عن احتمال حصول الوزير باسيل على ضمانات بشأن عدم إدراج اسمه أو أيٍّ من أسماء قادة التيار، كالوزيرين السابقين إلياس بو صعب وسليم جريصاتي أو حتى الوزير باسيل نفسه، يستبعد مصدر “واشنطوني” صحة هذه الرواية

وعن السيناريوهات التي تطرح في بيروت حول صفقة ما جرى التوصل اليها بين حزب الله، الذي يملك القرار السياسي للمحكمة العسكرية، وبين التيار الوطني الحر الذي يملك القرار الرئاسي، بغية إنهاء ملف الفاخوري، يستبعد مصدر واسع الاطلاع مثل هذا الأمر. ويوضح أنّ مثل هذا السلوك المفترض لا يشبه سلوك الإدارة الحالية: “فالرئيس ترامب الذي لم يتردد في تمزيق الاتفاق النووي مع إيران، لن يعقد اتفاقات من هذا النوع مع الوزير باسيل أو غيره”، كما أنّ وقائع الأسابيع والأشهر القليلة الماضية وطبيعة الرسائل التي سمعها من يلزم أن يسمعها في لبنان، بحسب المصدر “لا تترك مجالاً للشك في أنّ بيد الأميركيين أوراق قوة هائلة ليسوا مضطرين في ظلّ توافرها إلى تقديم أي تنازلات للحصول على ما يريدون”. في التفاصيل أنّ المسؤولين الأميركيين ذهبوا بعيداً في التهديدات المبطنة والعلنية لمحاوريهم اللبنانيين، والتي تراوحت بين العقوبات المباشرة على مسؤولين محدّدين، وصولاً إلى إلغاء معونة قيد الانتظار للجيش اللبناني بقيمة 175 مليون دولار!
وعن احتمال حصول الوزير باسيل على ضمانات بشأن عدم إدراج اسمه أو أيٍّ من أسماء قادة التيار، كالوزيرين السابقين إلياس بو صعب وسليم جريصاتي أو حتى الوزير باسيل نفسه، يستبعد مصدر “واشنطوني” صحة هذه الرواية، لأنها لو صحت فيكون الرئيس الأميركي كمن “يبيع اللبنانيين من كيسهم من دون وجود أي ضمانات تطمئن المعنيين إلى استمرار التزام واشنطن بعد إتمام الصفقة، ولا إلى ثبات الظروف السياسية الحاضنة لها، ما بعد الانتخابات أياً كانت نتيجتها”. ويوضح المصدر أنّ “مسألة العقوبات على الوزير باسيل ليست مطروحة أساساً بهده البساطة، إذ أنها جزء من خلاف كبير داخل الادارة”، بين وجهتي نظر لم يُحسم الموقف بينهما، يعبّر عنهما “الديفدين”، ديفيد شنكر المتشدد تُجاه باسيل وديفيد هيل الذي يعتبر أن حرق اسم باسيل، بصفته مرشحاً رئاسياً محتملاً، بأي عقوبات وفي وقت مبكر وغير واضح المعالم السياسية، غير مفيد لواشنطن، وأن لا شيء يُفعل الآن سيكون متعذراً فعله في وقت لاحق.
وينصح المصدر بعدم استسهال مقدار الضغط الأميركي الذي مورس على اللبنانيين في كل الاتجاهات، وطال حتى الأقربين الى واشنطن، وبينهم شخصية غير سياسية لعبت دوراً في حماية عودة الفاخوري إلى لبنان، بعد الاطمئنان الى سلامة ملفه قانونياً.

يلفت مصدر مسؤول الى أنّ حزب الله عدّل في استراتيجية التعامل مع الحلقات الأخيرة من مسلسل الفاخوري، عبر مناورة قرار قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر بمنع العميل الفاخوري من السفر جواً وبحراً وبراً لمدة شهرين

وفي تفسيره لموقف حزب الله، الذي غطّى عملياً القرار بإخلاء سبيل الفاخوري، فيعتبر المصدر أنّ حسابات حزب الله استراتيجية، في ملف حماية جبران باسيل. فبإزاء شعور حزب الله بجدية الأميركيين في مسألة العقوبات على المسؤولين اللبنانيين، لا سيما إذا توفي الفاخوري في السجن بسبب دقّة وضعه الصحي، قرّر الحزب عدم المغامرة بتعريض المصير السياسي لجبران باسيل إلى مخاطر غير ضرورية. فلا شيء مهم بالمقارنة مع المكاسب التي يجنيها حزب الله من الغطاء السياسي الذي توفره له قيادة مسيحية شابة صاحبة مشروعية شعبية لا يستهان بها، وهي المرة الأولى منذ اتفاق الطائف، وقبله، التي يحظى بها هذا الفريق، أكان حزب الله أو سوريا، بشريك مسيحي بهذا المستوى من المشروعية الشعبية. ويرى المصدر أنّ مناخات “الكورونا” وهيمنتها كأولوية على وعي المتابعين في لبنان، تسمح بتمرير قضية الفاخوري بالحد الأدنى من الضجة، التي يمكن امتصاصها والتعامل معها.
وفي هذا السياق يلفت مصدر مسؤول الى أنّ حزب الله عدّل في استراتيجية التعامل مع الحلقات الأخيرة من مسلسل الفاخوري، عبر مناورة قرار قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر بمنع العميل الفاخوري من السفر جواً وبحراً وبراً لمدة شهرين، خلافاً للاتفاق مع الأميركيين. أما غرض الحزب من ذلك، فهو إجبار السفارة على استخدام إحدى مروحياتها لنقله إلى قبرص بحيث لا يحمل خروجه من لبنان المواصفات الطبيعية لمسافر عادي كبقية المسافرين، ولتظهير حجم الاندفاعة الأميركية في التعامل مع ملفه والتقليل تالياً من وطأة موافقة حزب الله الضمنية على تسوية قاسية تطال أحد أبرز أسماء السوء في ذاكرة الجنوبيين.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…