بات من الضروري أن يستقيل وزير الصحّة حمد حسن. فهو يتحمّل المسؤولية الكاملة عن سوء إدارة كارثة الكورونا. وها هم وزراء الصحّة السابقون يمهّدون لهذه الدعوة لاستقالته، كلّ من ناحيته، وبعضهم من أهل بيته الحزبي، جميل جبق، ومن أهل بيته السياسي، محمد جواد خليفة، وثالثهم غسان حاصباني.
هذا في حين تتّجه الحكومة، متأخّرة لاحتمال إعلان حال الطوارئ، كما كانت تأخّرت بوقف الرحلات الواصلة من البلاد الموبوءة بفيروس الكورونا، وكما تأخّرت في صرف الاعتمادات اللازمة لتجهيز المستشفيات بما يرتقي مع استثنائية الوضع وحساسيته، وسط أداء متعثّر من وزارة الصحّة، باعتراف أهل البيت أنفسهم.
إقرأ أيضاً: كيف نكمل حياتنا بلا دلع… يا وزير الصحّة؟
في مراجعة بسيطة لتصريحات الوزراء الثلاثة الذين تعاقبوا على حقيبة الصحّة في لبنان خلال الأسبوع الفائت، يبدو واضحاً عدم رضاهم عن الوزير الحالي، وتصويبهم غير المباشر على استراتيجية وزارة الصحّة في التعاطي مع وباء كورونا، من لحظة انتشاره، وقبلها، حتّى اليوم، ونرى أنّهم أجمعوا على أنّ التدابير وتواقيتها لم تكن على قدر خطورة الوضع.
الوزير السابق جميل جبق، المحسوب على حزب الله، مثل الوزير الحالي، وزميله، أكّد أن “اتّخاذ الإجراءت كان واجباً منذ بداية الأزمة، لأن تأخّرها يعني تفريغها من فائدتها مع انتشار الوباء”، وأشار في حديثٍ صحافي إلى أنّه لو كان على رأس وزارته في ظروف مشابه لكان اعتمد خطة مؤلّفة من قسمين: “الأول تجهيز مكان مخصّص لحجر المصابين وتجهيزه بكل ما يلزم، والثاني فرض حظر اختلاط عام نهائي”.
ولم يتردّد جبق في الإشارة إلى ما أسماه “أخطاء” وقعت في أداء وزارة الصحة بالتعامل مع فيروس كورونا، ومنها حصر إجراء الفحوصات في مستشفى رفيق الحريري بالبداية، وإن حاول بلطف إزاحة الذنب عن الوزير الحالي حمد حسن وتحميلها لـ”عدم اعتماد معيار الاختصاص في حكومة بحجم وزارة الصحة”، على اعتبار أن حسن ليس بطبيب، وأنّ إمكانات الوزارة الضئيلة.
أمّا وزير الصحّة الأسبق غسان حاصباني فسلّط الضوء بدوره على “الأخطاء التقنية” التي حصلت، ومنها “عدم الإقفال الشامل حتّى اللحظة، واعتماد الإقفالات المتفرّقة وغير المتناغمة التي لا تكفي لمنع انتشار كورونا، وعدم إيقاف الطيران من البلدان الأكثر تأثراً بفيروس كورونا، بالإضافة إلى عدم فتح مراكز فحص وحجر صحي للمصابين في المناطق…”.
وكذلك هو الحال بالنسبة إلى الوزير الأسبق محمد جواد خليفة، الذي أشار في حديث تلفزيوني يوم السبت إلى أنّ المشكلة الحقيقية لم تكن في الإجراءات بل في التوقيت، لأنّه في ظرف مماثل “يجب أن نكون نحن من يسبق الأزمة وليس العكس. فتحديد وقت التدخّل أساسي هنا، والذي يريد إصلاح بيته يقوم بتصليحه بالصَحو ولا ينتظر هطول المطر ليباشر بالتصليح لأنّه لا يعود نافعاً في ذلك الظرف”.
اليوم، بعد شهادات موثّقة، باتهامات بـ”التقصير”، من أهل الاختصاص، ومن أهل بيت حمد حسن السياسي، ومن خارجه، باتت مطالبة وزير الصحة محمد حسن بالاستقالة مشروعة
وأضاء خليفة على الأخطاء التقنية نفسها سابقة الذكر، مع التركيز على ضرورة أن نكون في حركة استباقية مع انتشار الوباء، من إيقاف الطيران، إلىتخصيص مركز خاصّ، واستقدام خبرات طبية إليه، وتوافر فحص الكورونا في كلّ المحافظات، بالإضافة إلى اختيار عدد من المدارس وتحويلها إلى أماكن عزل. واعتبر الوزير السابق أنّ “ثلث الجسم الطبي يجب أن يكون مرتاحاً في المنزل، لأنّ العاملين حالياً قد يصابون أو يتعبون.
وكان خليفة قد أكّد في حديث سابق لـ”أساس”، مع تسجيل أوّل إصابة كورونا في لبنان، أن “لا خطّة واضحة من وزراة الصحة، بل يشتغلون على الفعل وردّ الفعل أكثر”، معلناً استعداده للمساعدة وتقديم خبراته بهذا المجال يومها، كونه كان وزير الصحّة حين انتشر فيروس H1N1. لكن حتّى الساعة لا يبدو أنّ وزارة الصحّة تريد الاعتماد على أهل الاختصاص بقدر ما حاولت تنفيذ قرارات سياسية أوصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم.
كل آراء وزراء الصحّة السابقين تصبّ في المنطق نفسه الذي تحدث به الطبيب “المعزول”، الذي سحب منه وزير الصحّة إذن مزاولة المهنة، في إجراء انتقاميّ، الدكتور محمد هادي مراد.
واليوم، بعد شهادات موثّقة، باتهامات بـ”التقصير”، من أهل الاختصاص، ومن أهل بيت حمد حسن السياسي، ومن خارجه، وبعد إغراق لبنان واللبنانيين بأخطار الكورونا، والتمهيد للآتي الأعظم، وحرمان شابٍ من مستقبله المهني لأسبابٍ انتقامية، باتت مطالبة وزير الصحة محمد حسن بالاستقالة مشروعة، لحفظ ما تبقّى من ماء وجهه، وماء وجه حكومة لم تلتزم معيار الاستقلالية في التوزير، خلافاً لمطالب الشعب اللبناني الذي هتف في الساحات لأجل حكومة اختصاصيين مستقلّين، وكانت النتيجة وزراء حزبيين سقط بعضهم في أوّل امتحاناته.