هيل: “المرشد الروحي” لمدرّبة اليوغا في عوكر

مدة القراءة 6 د


وسط ظروف سياسية ومالية – اقتصادية صعبة ومعقّدة للغاية، وصلت السفيرة الأميركية الجديدة دوروثي شيا إلى بيروت لتسلّم مهمتها الجديدة على رأس بعثة بلادها المعتمدة في لبنان بانتظار تقديم أوراق اعتمادها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون.

أمام الدبلوماسية الجديدة مهمّة دقيقة جداً في ترجمة توجّهات إدارتها وقراراتها إزاء الملف اللبناني في ضوء “الحديّن” اللذين يعبّران عن الرؤية الأميركية تجاه الأزمة اللبنانية: ترك التركيبة الحاكمة تقلّع شوكها بيديها… والدفع باتجاه الفوضى الشاملة.

فهل سيكون للسفيرة الجديدة بصمات سريعة في مهامها؟ وما هي الآلية المعتمدة في الخارجية الأميركية لاختيار ممثّليها؟

يقول أحد السفراء السابقين إنّه شارك في لقاء مفتوح في وزارة الخارجية مع دايفيد هيل قبيل تعيينه سفيراً في لبنان (الأول من آب 2013). سأله يومها ما معناه إنّ أسلافه كانوا أشبه بنماذج متكرّرة عن جيفري فيلتمان، فهل سيكون النموذج الرابع؟ أجابه بوضوح: “سأكون دافيد الأوّل”.

إقرأ أيضاً: الخزانة الأميركية تفرض عقوبات… وتتراجع عنها

حينها كان المقصود من تلك المقاربة أنّ السفراء الأميركيين المتعاقبين في تلك المرحلة كانوا في حالة تبنٍّ كامل لقوى الرابع عشر من آذار مقابل خصومة شديدة مع الجنرال ميشال عون بسبب تفاهمه مع “حزب الله”. ولذا كان جواب السفير الجديد أنّه منفتح على النقاش مع كل القوى السياسية، ليس من باب الاستماع اليهم وإنما لفهم وجهات نظرهم واعتباراتهم.

لذا كان الانطباع الأوّل عن هيل فور وصوله إلى لبنان، من جانب قيادة “التيار الوطني الحر”، مختلفاً عن ذلك الذي كان يخلفه التعاطي مع السفراء السابقين. ووُصِف في حينه بأنه “دبلوماسي دبلوماسي” بمعنى حرصه على ترك تلك المسافة اللائقة في التعاطي السياسي بين موقف بلاده وسيادة الدولة المعتمد لديها.

من هنا، يمكن الانطلاق في الكلام عن الفرق الممكن أن يحدثه أيّ سفير خلال مسيرته الدبلوماسية. كان هيل خبيراً في الطبيعة الاجتماعية للبنان، كذلك في تركيبته الطائفية والسياسية، ومتحدثاً طلقاً باللغة العربية. سبق له أن عمل في هذا الميدان لأكثر من مرحلة (خدم مرتين ضمن طاقم السفارة قبل تعيينه سفيراً في لبنان) ما منحه تجربة وخبرة عاليتين في هذا الملف. بدا متمكّناً من دوره بشكل جعل من رأيه مؤثراً لدى إدارته في كثير من المحطات المفصلية التي لها علاقة بلبنان، خصوصاً أنّه في تلك الفترة كان الأكثر معرفة بالملف اللبناني في وزارة الخارجية، وكانت لديه القدرة على إقناع رؤسائه بوجهة نظره بسبب تعمّقه في دقائق المسألة.

ووفق القاعدة ذاتها، كان خلفه ريتشارد جونز مؤثراً في إدراته كونه أيضاً مطلعاً على الملف اللبناني عن كثب ويعرف خباياه وأبعاده. ولم يكن مجرّد دبلوماسي ينفّذ قرارات إدارته وينقل مواقفها، لا بل كان شريكاً في صياغة تلك القرارات. وهذه واحدة من المميّزات التي تطبع بعض السفراء وتساعدهم على ترك بصمات في مسيرتهم الدبلوماسية.

هيل الرقم 3

اليوم، يحتلّ دايفيد هيل في تراتبية وزارة الخارجية الرقم 3، كوكيل للوزارة. في الهرمية الأميركية، يكون لوزير الخارجية نائبان (مساعدان)، ودونهما خمسة وكلاء، أبرزهم وكيل الشؤون السياسية، وهو الموقع الذي يشغله هيل راهناً.

أضف إلى ذلك، هو الأكثر اطّلاعاً وخبرة في إدارته عن لبنان. يتجاوز في ذلك من يسبقونه رتبة. ولذا، فإنّ رأيه مسموع لدى رؤسائه وصولاً إلى وزير الخارجية مارك بومبيو، إلى درجة أنّ هناك من يقول إنّ كل تفاصيل زيارة بومبيو إلى بيروت كانت من تنظيم هيل وتدبيره.

حالياً، تصل السفيرة الجديدة بيروت وسط تسريبات عن نقاشات تشهدها الإدارة الأميركية حول كيفية التعاطي مع الملف اللبناني: هل ندع الهيكل يسقط كاملاً على رأس “حزب الله” والبقية؟ أم نلامس الخطوط الحمراء فنعود أدراجنا؟ هل من الممكن الفصل بين الضغط على “حزب الله” والحفاظ على الحدّ الأدنى من الاستقرار الداخلي؟

وفق سفير لبناني سابق، فإنّ هذه النقاشات هي عادة ما تكون بمثابة مطبخ القرار الذي تستعين به الإدارة لتحديد سياساتها من أي ملف، وتلجأ خلاله إلى سؤال الكثيرين من خارج الإدارة، ومنها مثلاً مراكز الضغط.

بتقديره إنّ الإدارة حسمت خياراتها في هذا الشأن وتتعامل مع لبنان على قاعدة الفصل بين الضغط على “حزب الله” وبين الحرص على عدم تدهور الوضع بشكل فوضوي، ليس حباً بلبنان، بل لأنّ عدم الاستقرار حالة لا تتناسب مع مصالح واشنطن. وقد تجلّى الأمر خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها هيل إلى بيروت حيث خلت كل لقاءاته من أي لهجة عدائية أو تهديدية على عكس اعتقاد البعض.

أما بشأن العقوبات على “حزب الله”، فهذه من ثوابت سياسات البيت الأبيض، أسوة بالكونغرس، على عكس ما كان يحصل خلال ولاية الإدارة السابقة، بسبب المفاوضات التي كانت تجريها مع إيران، خصوصاً وأنّ الادرة الحالية لا تعتبر أنّ هذه العقوبات تضرّ باللبنانيين بشكل عام، مع أنّ العكس صحيح. ولهذا حرص مساعد وزير الخزانة الأميركي مارشال بلينغسلي ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، على تبرئة ذمة إدارتهما من “دماء” الأزمة المستعصية التي تصيب اللبنانيين.

أحد المواكبين للملف الأميركي يجزم أنّ لهيل بصمات جلية في اختيار السفيرة الجديدة

بناءً عليه، يمكن التكهّن بمعالم مسيرة السفيرة الجديدة. أولاً هي ليست مضطرة لمواجهة استحقاق بارز كالاستحقاق الرئاسي. ثانياً، لا يزال دايفيد هيل من المسؤولين المباشرين على عملها وهو الأكثر تعمّقاً بهذا الملف. ثالثاً، هي ليست مطلعة بما يكفي على هذا الملف وقد تحتاج إلى وقت لكي تتعمّق به، إذ كانت تشغل منصب نائب رئيس بعثة سفارة الولايات المتحدة في القاهرة. وعملت سابقاً كنائب المسؤول الرئيسي في القنصلية الأميركية العامة في القدس ومديرة مكتب المساعدة لآسيا والشرق الأدنى في مكتب السكان واللاجئين والهجرة في وزارة الخارجية، وفي برنامج “بيرسون” ضمن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي.

ولهذا قد يكون من الصعب على “شيا” أن تكون نموذجاً متكرراً للسفيرة السابقة إليزابيت ريتشارد لتكمل دورها، ولو أنّ أحد المواكبين للملف الأميركي يجزم أنّ لهيل بصمات جلية في اختيار السفيرة الجديدة، التي كانت تتطوّع أثناء عملها في القاهرة لتدريب صف من المصريين على إحدى “طرق” اليوغا.

أما بالنسبة للآلية التقنية لاختيار السفراء، فعادة ما تعلن وزارة الخارجية عن شغور موقع دبلوماسي، فيتقدم الراغبون باحتلال هذا المنصب بطلباتهم، ويصار إلى تصفيتهم وفقاً للمعايير التي تضعها الإدارة ربطاً بالدولة التي سيُنتدب لديها وموقف الإدارة من هذه الدولة في هذا الظرف، على أن ترفع بعد ذلك أسماء عدد محدود من المرشحين إلى الوزير ليرفع بدوره الاسم إلى البيت الأبيض طالباً موافقته.

 

مواضيع ذات صلة

روايات ليلة سقوط الأسد… وخطّة الحزب “لإعادة التموضع”

في الحلقة الثانية من هذا التحقيق، تلاحق مراسلة “أساس” روايات العائلات النازحة في البقاع الشرقي وتحديداً منطقة الهرمل. وتسألهم عن ليلة السقوط الكبرى. كما تسأل…

لماذا يخاف شيعة البقاع من “بُعبُع” المعارضة السّوريّة؟

سقط بشّار الأسد وعاد عدد كبير من النازحين السوريين إلى بلدهم. لكن في المقابل شهدت مناطق البقاع، وتحديداً بعلبك الهرمل، نزوحاً معاكساً هذه المرّة للسوريين…

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…