كان وقع قرار المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم القاضي بمنع التصرّف بأصول المصارف وأصول رؤساء مجالس إدارتها، أشبه بالصاعقة التي سقطت على رؤوس هؤلاء. إذ لم يتخيّل وفد جمعية المصارف، الذي استدعاه القاضي ابراهيم منذ أيام للاستماع إليه، أنّ نهاية هذه “الشهادة” ستكون “كارثية” في تداعياتها. كاد الخبر يوازي بصدمته، خبر انتشار فيروس “الكورونا” بين اللبنايين من دون حسيب أو رقيب!
وسرعان ما عالجت الاتصالات السياسية الأزمة المستجدة التي استدعت عاصفة من المواقف المندّدة بهذا الإجراء والمحذّرة من الانقضاض على النظام الاقتصادي الذي يشكل القطاع المصرفي أحد أبرز أعمدته. وانتهى اللقاء المستعجل الذي أجراه وفد من المصارف مع مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، بتجميد قرار القاضي ابراهيم ومفاعيله، “عملاً بأحكام المادة ١٣ و٢١ من أصول المحاكمات الجزائية، لحين درس تأثيره على النقد والمعاملات المصرفية وعلى أموال المودعين والأمن الاقتصادي والمالي”.
إقرأ أيضاً: فجور موريس وأزمتنا الاقتصادية
أما الحجّة فكانت أنّ السلطات المالية الدولية تنوي وباشرت في إيقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية، وفرضت ضمانات للعمل معها، وبالتالي فإن الاستمرار بقرار إبراهيم كان من شأنه إدخال البلاد وقطاعاته النقدية والمالية والاقتصادية في الفوضى، ومن شأنه إرباك الجهات المعنية بدراسة سبل الحلول والسيناريوهات المالية التي هي قيد الاعداد لمواجهة الأزمة التي تمر بها البلاد”.
ولكن، على مقدار الهول الذي أثاره قرار المدعي العام المالي، لا يقلّ السؤال حول خلفياته، شأناً وأهمية. خطوة من هذا النوع لا يمكن أن تحصل من دون اعتبارات سياسية أملت حصولها خصوصاً في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ بها البلاد، وعشية اعلان رئيس الحكومة حسان دياب موقف الحكومة من استحقاق اليوروبوند.
بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ جلسة الاستماع التي جمعت المدعي العام المالي بوفد جمعية المصارف، تناولت وفق المتابعين أكثر من مسألة أساسية، منها التحويلات المالية التي جرت من المصارف إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019، ومنها أيضاً ما يتصل ببيع بعض المصارف حصصها من سندات اليوروبوند إلى جهات خارجية، ما وضع الدولة اللبنانية في موقف صعب مع الدائنين الذين صاروا في غالبيتهم أجانب، بعدما كانت الغلبة للجانب المحلي.
ولذا يقول بعض المطلعين إنّ البلبلة القانونية التي شهدتها المصارف خلال الساعات الأخيرة جرّاء قرار القاضي ابراهيم، قد تكون ناجمة عن الصراغ الخفيّ الحاصل حول مصير سندات اليوروبوند التي تسعى الحكومة الى اعلان رفض تسديدها، نظراً لأنّ احتياطي مصرف لبنان بالكاد يكفي لتغطية الحاجات الأساسية من قمح ودواء ونفط.
ويشير المطلعون إلى أنّ أكثر من جهة حاولت اقناع المصارف الخاصة بالعودة عن خطوة بيع حصصها من السندات من خلال إقناع الجهات الخارجية بشرائها من جديد من أموال أصحاب المصارف، بحيث تصير الأغلبية بيد جهات محلية وتصير امكانية التفاوض ممكنة وسهلة، على عكس الوضع الراهن حيث يرفض الدائنون الأجنبيون التفاوض مع الدولة اللبنانية عبر الشركة القانونية المكلفة من الحكومة اللبنانية.
ولذا يتردد أنّ قرار القاضي ابراهيم كان بمثابة هزّ عصا لدفع المصارف إلى هذا المكان بدليل ما تسرب عن توجّه إلى تسديد نصف قيمة سندات “اليوروبوند” المستحقة. إلا أنّ المدعي العام المالي ذهب بعيداً في اجرائه بشكل دفع المصارف الأجنبية المراسلة إلى التهديد باتخاذ اجراءات بحقّ المصارف اللبنانية المعنية، ما أدّى الى تدخل المدعي العام التمييزي لتجميد القرار.
وثمة رأي آخر يقول إنّ الخشية من إقدام المصارف على مزيد من الخطوات من نوع بيع السندات التي تحملها إلى جهات خارجية، هو الذي دفع القاضي ابراهيم إلى إصدار قرار يمنع خلاله هذه المصارف من التصرف بأصولها، خشية من خطوات مماثلة قد تزيد من الفوضى المالية.