مسيحيو لبنان ليسوا في خطر (1/2): خصوبة المسلمين انخفضت

مدة القراءة 5 د


يُعدّ الإحصاء السكاني في لبنان أمراً بالغ الحساسية بسبب الواقع الطائفي والضغوط التي تُمارس لمنع تنفيذ إحصاءات خوفاً من إظهار التحول الكبير في التركيبة السكانية في لبنان. ويشير آخر إحصاء رسمي أُجري في لبنان العام 1932، إلى أنّ عدد السكان كان في حينه 875 ألف نسمة، شكّل المسيحيون منهم نحو 53%.

إلاّ أنّ إحصاءات غير رسمية جرت بعد ذلك (إحصاء 1956على سبيل المثال) قدّرت عدد السكان بنحو مليون وأربعمئة ألف (1.411.416)، وشكّل المسيحيون فيها 54% فيما المسلمون شكلوا 44%. ووفق الإحصائيات الحديثة التي تنشرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على موقعها ضمن ما تسميه Fact book، فإن المسيحيين باتوا يشكلون في لبنان اليوم نحو 39% من عدد السكان، في حين يشكل المسلمون ما لا يزيد على 59.7% (أما عدد السكان الحالي فتقدّره الوكالة بنحو خمسة ملايين وخمسمئة ألف تقريباً نسمة بحسب تقديراتها حتى تموز 2020).

إقرأ أيضاً: 2020: الهجرة المسيحية الكبرى الثانية

التقرير أدناه، هو الفصل الخامس من كتاب “الديموغرافيا الدينية الدولية لعام 2018” (Yearbook of international religious demoghraphy 2018) الصادر في 2019، والذي يقدّم لمحة سنوية عن إحصاءات المجموعات الدينية في جميع أنحاء العالم، من خلال معلومات مستقاة من بيانات وإحصاءات ومسوحات واستطلاعات، بواسطة العلماء والجماعات الدينية ومصادر أخرى. وهي نشرة تصدر بشكل سنوي وكان للبنان دراسة لافتة داخلها السنة الماضية.

وقد إرتأى موقع “أساس” أن يترجم هذا الفصل ويعرض بياناته، لما فيه من أهمية، لناحية تسليط الضوء على التركيبة السكانية في لبنان وفقاً للإنتماءات الطائفية من وجهة نظر علمية تقدّم بيانات عن عدد المهاجرين داخل الطوائفة، ربطاً بمراحل تاريخية وأحداث عصفت بلبنان. وبالتالي، لدحض المفاهيم الخاطئة والأحكام المسبقة التي تسود في هذا الشأن.

أرقام المهاجرين الواردة في هذا الفصل من الكتاب، تمثّل العدد الفعلي للمهاجرين من دون احتساب أبنائهم. الأعداد تشير إلى تقديرات الهجرة الصافية التي تأخذ في الاعتبار عودة المسافرين من الخارج في عام معيّن مع إدراج جميع العوامل المحتملة، التي قد تكون مرتبطة بشكل مباشر بتحولات نمط الهجرة ضمن الطائفة الواحدة.

الدراسة تلقي الضوء أيضاً على بيانات معدلات الخصوبة داخل كل طائفة، فتظهر انخفاض معدّل الخصوبة لدى المسلمين، التي أثّرت وستؤثر إيجاباً في أعداد المسيحيين مستقبلاً، كما تشير إلى العوامل التي لعبت دوراً بارزاً في هذا الانخفاض.

(في الجداول أدناه نسب الهجرة لدى الطائفتين بحسب السنوات)

تعطي الدراسة أيضاً تقديراً لعدد السكان حسب الطوائف، مستخدمةً بيانات القوائم الانتخابية كنقطة انطلاق لحساباتها، مع إضافة أو حسم البيانات ذات الصلة والتي قد تتعلّق بطلاب المدارس والجامعات والمغتربين، محدّدة هامش خطأ في تقديراتها، بـ 2% ارتفاعاً أو نقصان توخياً للدقة في احتساب معدّل الوفيات والهجرة وغيرها.

تميّز لبنان، لأكثر من قرن ونصف، بتدفّق كبير للمهاجرين منه بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي. موقع لبنان الجغرافي وما رافقه من نزاعات داخلية وخارجية لعبت كلها، مجتمعةً، دوراً أساسياً في رسم هذا المصير. صحيح أنّ الهجرة تتسبّب غالباً بهجرة الأدمغة، لكنّها في أكثر من محطة، قدّمت إلى لبنان الكثير من نقاط القوة، وكانت المحرّك للعديد من المنعطفات المهمة في تاريخه.

لبنان وموجات الهجرة عبر التاريخ:

• قبل العام 1870 ، هاجر المئات من جبل لبنان (عدد السكان في ذلك الوقت كان نحو 200،000 نسمة).
• بين الأعوام 1870 و1900، هاجر قرابة 3000 شخص من لبنان سنوياً.
• من 1900 حتى 1914، هاجر ما يقارب 15000 شخص من لبنان سنوياً، وهذا يدل إلى زيادة حادة في الهجرة خلال تلك السنوات الـ14.
• بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام 1914، هاجر ثلث سكان جبال لبنان. موجة الهجرة هذه أعطت لبنان دفعة اقتصادية قوية مع الوقت. ويقدر أنّ ثلث السكان الذين غادروا لبنان خلال هذه الفترة عادوا إليه لاحقاً وكانوا نواة الطبقة الوسطى المسيحية التي وقفت خلف إنشاء لبنان الحديث.
•بين الأعوام 1914 و1945، لم يهاجر من لبنان الكثير من الناس، وذلك بسبب أزمة الكساد الاقتصادي الحادّة التي أصاب العالم في العام 1929.
• بين الأعوام 1945 و1950، استؤنفت الهجرة بمعدل 3000 شخص سنوياً.
• هاجر عدد قليل من اللبنانيين بين 1950 و1960 بسبب الازدهار الإقتصادي خلال تلك الفترة (معدل 3000 شخص سنويا).
• إزدادت الهجرة من 1960 إلى 1970 إلى نحو 9000 شخص في السنة بسبب الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967.
• من العام 1970 إلى العام 1975 زاد معدل الهجرة إلى نحو 10 آلاف شخص في السنة.

تظهر البيانات أدناه النسب المئوية للمهاجرين المسلمين والمسيحيين، كما تبيّن العوامل التي أثرت على مثل هذه التحولات، بالأرقام، وضمن فترة قد تمتد إلى 5 سنوات أو أقلّ أو أكثر. أمّا الأسباب، فهي: حرب السنتين بين “الحركة الوطنية اللبنانية” بمساندة الفلسطينيين من جهة ومسلّحي اليمين المسيحي من جهة أخرى (1975-1977)، إغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط (1977)، حرب المئة يوم في الأشرفية بين الجيش العربي السوري ومسلّحي حزب “الكتائب اللبنانية” (1978)، حرب زحلة بين مسلّحي حزب “القوات اللبنانية” وبين الجيش العربي السوري (1981)، اغتيال الرئيس بشير الجميل (1982 ثم تداعيات الاغتيال بين العامين 1983 و1984)، وأخيراً حرب الجبل بين المسيحيين وبين الدروز (1983).

 

أما العوامل المحتملة، فهي:

–  تأثير الغزو الإسرائيلي.
– الانتشار والفعالية الكبيرتين في صفوف المقاومة المسيحية اللبنانية.
– هجرة المسلمين إلى دول الخليج والقارة الإفريقية حيث التأشيرات متاحة بسهولة، النزاعات الداخلية الكبرى بين الأحزاب والقوى الإسلامية (حرب المخيمات، التوترات السنية – الشيعية).
– إغتيال الرئيس رفيق الحريري.
– غزو حزب الله لمدينة بيروت في السابع من أيار 2008.

غداً القسم الثاني والأخير من الدراسة.

 

مواضيع ذات صلة

روايات ليلة سقوط الأسد… وخطّة الحزب “لإعادة التموضع”

في الحلقة الثانية من هذا التحقيق، تلاحق مراسلة “أساس” روايات العائلات النازحة في البقاع الشرقي وتحديداً منطقة الهرمل. وتسألهم عن ليلة السقوط الكبرى. كما تسأل…

لماذا يخاف شيعة البقاع من “بُعبُع” المعارضة السّوريّة؟

سقط بشّار الأسد وعاد عدد كبير من النازحين السوريين إلى بلدهم. لكن في المقابل شهدت مناطق البقاع، وتحديداً بعلبك الهرمل، نزوحاً معاكساً هذه المرّة للسوريين…

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…