تحلّ سنة 2020 بسوادها الأعظم على حزب الله. إنّها سنة تصدّع روايته والغرق في مستنقع مواجهة بيئته الحاضنة بكل الاستحقاقات، من رغيف الخبز إلى الدماء المهدورة. سياسياً يعجز الحزب عن اصطفاء نفسه وتمييزها عن القوى السياسية الأخرى. كيفما أدار وجهة موقفه، يجد الحرج يحاصره، هو الشريك الثابت والمقرّر الدائم في المعادلة، ويعجز في رضاه على هذه الحكومة. أزمة معيشية واقتصادية خانقة تطوّق حزب الله حتّى العنق. تليها أزمة انتشار وباء كورونا التي تكرّس حَجْراً مذهبياً وطائفياً وصولاً إلى سؤال الوجود والبقاء الذي ألزم نفسه به منذ دخوله إلى سحق الثورة السورية.
على مدار سنوات طويلة، نجح حزب الله بالتغلب على أزمات بيئته وحاضنته الاجتماعية، بإدّعاء الأدوار الكبرى المؤثرة والمغيّرة في المعادلات الإقليمية. لقيت هذه الحملات الإعلامية أصداءها في مجتمعه، مدعّمة باستنفار العصب المذهبي والطائفي لتبرير صراعاته السياسية بمسوغات ومغلفات عقائدية، بدأت في دعاية حماية اللبنانيين والمراقد الشيعية في سوريا، وانتقلت إلى حماية خطّ الإمداد والسلاح، وصولاً إلى الإعتراف بالمتأخر بأن التدخل كان يهدف إلى حماية النظام من السقوط.
إقرأ أيضاً: حزب الله يقرر والدولة تأكل السندويش
السؤال الملحّ اليوم الذي تطرحه بيئة حزب الله يتمحور حول أهداف القتال في أقصى الشمال السوري، وتحديداً في إدلب، حيث أدّى الصراع على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية، إلى سقوط قتلى من الحزب، الذي وقف عاجزاً عن الرد أو حتّى على توجيه أي اتهام علني ومباشر لتركيا. بل جهد في اختلاق مبررات لصمته على هذه الضربة التي كلفت شباناً لبنانيين، ومن الطائفة الشيعية، دفع حياتهم كثمن على مذبح الصراعات الدولية. هذه الضربة، على محدوديتها وقساوتها، قدّمت حزب الله في مظهر مغاير ومختلف كلياً عن كل الادعاءات التي عمل على تسويقها طوال السنوات الفائتة عن أنه قوة إقليمية يتخطى دوره لبنان، ويخوض معارك في سوريا، العراق واليمن. ليتبين أن عمله الوحيد هو دفع ضريبة الدم دفاعاً عن النفوذ الإيراني في سوريا، فيصبح أحد الاطباق الرئيسية على طاولة مفاوضات النار لترسيم مناطق النفوذ، وليس أحد المتحلقين حول الطاولة.
تلقى الحزب ضربة معنوية بعد الاستثمار في العلاقة مع الأتراك ومحاولات التنسيق مع “الإخوان المسلمين” تحت العنوان الإسلامي الجامع، لتتلقّى هذه المعادلة ضربة قاصمة، تضعه في حالة عداء مع مجتمعات ودول متعددة. فهو معادٍ للمجتمع الدولي، ولدول الخليج والدول العربية، وحلّت الخصومة مجدداً مع الأتراك على الرغم من أن تركيا تُعتبر الملجأ والملاذ والسوق لهروب الحزب والإيرانيين من العقوبات.
يضع حزب الله مجدداً لبنان على حافة هاوية إحياء الانقسام المذهبي والطائفي، والإصطفاف السني الشيعي، من خلال مشاركته في معارك الشمال السوري
الضربة التركية للحزب وعناصره لا تزعج الروس حتماً، وطبعاً تلقى ترحيباً من دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى. وليس مصادفة أنه يتلقى الضربات في الشمال بالتزامن مع تلقيه المزيد من الضربات في الجنوب من قبل الإسرائيليين أيضاً على طريق تحجيم نفوذه في سوريا. الخط البياني لهذا الصراع، يندرج تحت سقف عدم السماح للحزب ومن خلفه الإيراني بتعبئة الفراغ الأميركي، وقد حاولت إيران العمل على عقد اجتماع مع الأتراك والروس في مسعى منها للدخول على خط المفاوضات، لحفظ دورها وتأثيرها، بينما هناك إصرار دولي على عدم إعطاء أيّ دور لإيران في تلك المنطقة، مع الإصرار على إخراج حزب الله من سوريا، وهو ما سيبدأ العمل عليه بشكل مكثف في المرحلة المقبلة، إذا ما حصل التفاهم بين أردوغان وبوتين.
يضع حزب الله مجدداً لبنان على حافة هاوية إحياء الانقسام المذهبي والطائفي، والإصطفاف السني الشيعي، من خلال مشاركته في معارك الشمال السوري. هذا سينعكس توتراً مذهبياً في الداخل اللبناني مجدداً، بما يشبه الوضع الذي نتج عن بداية دخوله إلى المستنقع السوري.
يصرّ حزب الله حتى الآن على الاستمرار في خوض معاركه هناك، دفاعاً عن إيران ونفوذها. وهذا يحتاج إلى تغذية الصراع المذهبي ليتمكن من تعطيل الهم المالي والمعيشي لدى أبناء طائفته، وتخديرهم في صراعات الدم والحقد، على طريق جلجلة، نهايتها الوصول إلى تفاهم سياسي بين الكبار يكون الصغار قد دفعوا ثمنه بلا أي مقابل.