بورتريه للكورونا في مستشفى رفيق الحريري

2020-03-02

بورتريه للكورونا في مستشفى رفيق الحريري


كل ما في المشهد هنا يوحي بأنّك دخلت المربع الصحي الأخطر في لبنان. المارّة متوجّسون، سكّان الجوار خائفون، والزوّار مغلوبٌ على أمرهم. ففي الداخل لهم أحباب وأصدقاء أصابتهم  عوارض الموت الآتي من خلف الحدود، ومن حينٍ إلى آخر يرى العابر في محيط مستشفى رفيق الحريري الحكومي، سيارات الصليب الأحمر تنقل مصابين أو مشتبه بإصابتهم، أو ربما مرضى عاديين. لكنّ فكرة “الكورونا” لا تغيب من البال. خصوصاً حين ترى متطوّعي الصليب الأحمر مجهّزين بكامل مستلزمات الوقاية من “الكورونا”، وكأنّهم مخلوقات فضائية سقطت من الكوكب الآسيوي المجاور.

لكن ماذا يجري داخل كوكب المستشفى المخيف؟

بعد إعلان وزراة الصحّة عن حالات جديدة بشكل متواتر، الأخطر أنّ المصابين الجديد “كانوا قد اختلطوا بمصابين سابقين، ممن كانوا في الحجر الصحي”. الخبر في شقّه الأخير غير دقيق. مثله أخبار كثيرة غير دقيقة تخرج من داخل أسوار المستشفى، أو تدّعي خروجها منه.

إقرأ أيضاً: النرجيلة انتصرت على “الكورونا” في لبنان

ان خوفي أكبر من شجاعتي. لم أستطِع الوصول إلى شجاعة راشيل كرم. بقيت في الخارج. في لبنان لا ثقة بأيّ شيء “حكوميّ”، فكيف إذا كان مستشفىً يجمع مرضى “الكورونا” من أنحاء لبنان؟

أعداد الإصابات المؤكّدة أكبر بكثير من المعلن عنها، أما أسرّة العزل المخصّصة للإصابات فلا تتعدّى الـ15 سريراً

لم أدخل. وفي رأس كلّ ما نعرفه عن المستشفى، ذائع الصيت في الإهمال والفساد. خوفي كان منبعه ترهّل القطاع الصحّي في لبنان. وهنا بيت القصيد. في الدول القويّة، يهرب المواطن الخائف إلى المستشفى. في لبنان، نهرب منها. لذا فإنّ المعلومات أدناه استحصلنا عليها لكن من خلال “حجر صحيّ ذاتيّ”، من خارج أسوار المستشفى الغامض.

مصدر طبي من الداخل كشف لـ”أساس” حقيقة الوضع في الداخل: “خطير جداً”، قال، وأضاف أنّ “أعداد الإصابات المؤكّدة أكبر بكثير من المعلن عنها”. أما أسرّة العزل المخصّصة للإصابات “فلا تتعدّى الـ15 سريراً”. ما يعني أنّ هناك مصابين موجودين في “غرف “عادية”، ومن بينهم الرجل الإيراني الثمانيني الذي يُتوقع تدهور حالته بين وقت وآخر، لأسباب متعلّقة بمشاكل صحيّة عديدة سابقة على الإصابة الكورونية. ومن هم خارج غرف العزل بينهم “حالة اكتشفت في وقت مبكّر يوم السبت”.

يومياً يستقبل المستشفى ما بين 15 إلى 40 حالة لإجراء الفحوص اللازمة. وإن كانت معظم نتائج الفحوص سلبية، إلا أنّ عدداً لا بأس به يتبيّن أنّ نتائج فحوصهم إيجابية (يرفض هنا المصدر ذكر العدد) ويحتاجون للعزل في غرف مخصّصة، باتت مكتملة العدد (كومبليه). ما يحتّم إدخالهم إلى غرف عادية هي بالفعل غير مجهّزة، ويمرّ فيها الزوّار والكادر الطبي دون إجراءات وقاية. وهذه الأعداد تتكتّم الجهات الرسمية المعنية عن الإعلان عنها حتى الساعة. علماً أن عدداً كبيراً من الحالات التي تحتاج إلى حجر صحي يكتفي الكادر الطبي بإسداء إرشادات ونصائح ضرورية لها، ويطلب منها ممارسة طقوس الحجر المنزلي، على ضمانتها، ومتروكة لضميرها “وزيّ ما تيجي تيجي”، كما يقول المصريون.

 أزمة المستلزمات الطبية الوقائية ضربت المستشفى الوحيد الذي يستقبل حالات كورونا في لبنان، وهي على وشك النفاذ

يشبّه المصدر السياسة الصحية المتّبعة في لبنان تجاه وباء كورونا بـ”السياسة الايرانية التي أصرّت على إخفاء حقيقة الإصابات وصولاً إلى تفشيها بشكل ما عاد بالإمكان السيطرة عليه”.

ليس ذلك وحسب، فقد علم موقع “أساس” أنّ أزمة المستلزمات الطبية الوقائية (من ملاءات وأقنعة وكمامات وقفازات وأوكسجين) ضربت المستشفى الوحيد الذي يستقبل حالات كورونا في لبنان، وهي على وشك النفاذ، ما يهدّد صحة زوّار المستشفى وصحّة الكادر الطبي. ومن المتوقع تخصيص قطاعات كاملة، وربما المستشفى بكامله، لاستقبال حالات على الأرجح سترتفع أعدادها خلال الأيام المقبلة. لا سيما وأنّ الصرخة بدأت ترتفع في مستشفيات أخرى. فبعضها يرفض استقبال حتّى مرضى الأنفلونزا العادية، منها “المقاصد”، بحسب مصدر طبيّ لـ”أساس”. وبعضها تفيد المعلومات أنّها استقبلت حالات مشتبه بها في قسم الطوارئ، وتم نقلها للعلاج في غرف خاصة، منها مستشفى “الرسول الأعظم” في ضاحية بيروت الجنوبية، بحسب نزلاء طلب منهم المغادرة للوقاية من “الكورونا”. وهو مستشفى يشهد حالة هرج ومرج منذ يومين، ويتم تفريغه من المرضى العاديين الأكثر عرضةً للإصابة بالفيروس.

التعاون بين الجميع مطلوب لتقطيع هذه المرحلة الحساسة لأن الوقاية هي السبيل الوحيد لمكافحة الفيروس

في العودة إلى مستشفى رفيق الحريري، وتحديداً إلى القسم المستحدث لاستقبال المصابين بالكورونا، تقول المعلومات إنّ هناك نقصاً في الأطباء المتطوعين، إلى جانب الكادر الطبّي في المستشفى. نقص عوّضه طلاب الطبّ العام في الجامعة اللبنانية، الذين لم يكملوا اختصاصاتهم الجامعية بعد. وتشير المعلومات إلى أنّ المهام الموكلة إلى هؤلاء هي مهمات ثانوية، حفاظاً على صحتهم وصحّة المرضى. إلا انهم يلعبون دوراً أساسياً في المساعدة، لا سيما لجهة التوعية والارشادات اللازمة.

تتحدث الطالبة أماني الخطيب عن تجربتها مع وحدة مكافحة الكورونا في مستشفى رفيق الحريري. وتؤكد أنّ الوحدة المؤلفة من 15 طالباً “تساعد بكل ما يلزم من لحظة وصول المصاب أو المشتبه بإصابته، إلى المطار أو إلى المستشفى، وتتّخذ التدابير اللازمة تبعاً لكل حالة”. وعن التحديات تقول الخطيب: “حتّى الساعة لا نزال قادرين على تنفيذ المهام الملقاة على عاتقنا، نسبةً إلى أعداد الحالات”، وتمنّت أن “يبقى الوضع تحت السيطرة حين نصير أمام أعداد جديدة من الحالات المشتبه بها”.

وعلى الصعيد الشخصي تصف الخطيب التجربة بأنّها “مبادرة فردية من كل طالب ومن دون أيّ ضغوط من الجامعة، التي تفاجأت بخبر التطوع كغيرها”. وتلفت إلى أنّ “الخوف ضروري لنتّخذ التدابير اللازمة لحماية أنفسنا وحماية من حولنا. والتعاون بين الجميع مطلوب لتقطيع هذه المرحلة الحساسة لأن الوقاية هي السبيل الوحيد لمكافحة الفيروس”.

أما فحص الكورونا للأشخاص المشتبه بإصابتهم، والذي كثرت التحليلات حوله، فتكلفته خارج المستشفى تُقدّر بـ350 ألف ليرة لبنانية، أما داخل المستشفى فهو مجاني وعلى حساب وزراة الصحّة.

تقرأون غداً:
راشيل كرم عن كورونا: هكذا فحصوني عن بعد مترين

مواضيع ذات صلة

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…