بقلم متظاهرة
كان محمد غطّاس يحاول أن يتذكر درس التاريخ بصعوبة، فيما المعلّمة والتلامذة ينظرون إليه باستهزاء، عندما لمح من نافذ الثانوية البيروتية دخاناً بعيداً. “شكله إنفجار”، قال الفتى محاولاً النجاة من عقاب فشله في الفرض المدرسي.
لكن دعابة محمد سرعان ما تحولت إلى كابوس بالنسبة إليه، بعدما دخلت المديرة إلى الصف، طالبة من التلامذة “الإنصراف فوراً”. كانت الثانوية في تلك اللحظة، وفق ذاكرة محمد، تشهد هروباً جماعياً سريعاً من دون معرفة السبب، إذ لم تخبرهم الإدارة إلا عبارة واحدة: “خلص الدوام”.
في الحافلة، سمع الفتى الخبر: “قتلوا الرئيس رفيق الحريري”، قال السائق. لم يستوعب محمد الفكرة. “تخيلت حالي بعدني بعالم المزحة اللي قلتها وقت درس التاريخ، إنو فيه إنفجار، واللي صار بعدين هوي هلوسات مش أكتر”.
كان أبو محمد جالساً أمام التلفزيون بوجه متجهم، حين دخل الإبن وتأكد أنه ليس مهلوساً: “انكسار أبي أيقظني. لم يسبق أن رأيته مهزوماً وحزيناً كما حدث في 14 شباط”. خلف الأب مباشرة، كانت صورة الرئيس الراحل، مبتسماً، تحتل قسماً من الجدار.
الأم تحدّق في الصورة بعينين باكيتين، والأب ينظر إلى صاحب الصورة في التلفزيون وقد تحوّل إلى جثة متفحمة، بينما الإبن كان يراقبهما بخوف: “وقت حرب تموز ما شفت إمي وبييّ هيك. كأنه الرئيس الحريري كان أكتر من أب بالنسبة إلن”، يقول الشاب العشريني.
بالنسبة إليه، رفيق الحريري ليس رئيساً أو زعيماً لطائفة فحسب، وإنما “مُنقذ انتشل لبنان من الدمار إلى العلم والعالمية، من خلال مساهماته التربوية وعلاقاته الدولية وإعادة الإعمار التي تولاها كأنه رسّام”.
إنه، وفق محمد، رجل أعمال كان بإمكانه الاستمرار في مجال المقاولات بدلاً من خوض غمار السياسة، إلا أن “حبّه الصيداوي الحقيقي لبلده حتّم عليه المخاطرة في عالم السياسة، فدخلها وتعرّض لأبشع أنواع الابتزاز من أزلام الوصاية السورية”.
يتخيّل محمد الشهيد الحريري حيّاً في وقتنا الراهن: “شو ممكن يصير؟ هلأ بعزّ دين الأزمة اللي واقعين فيها. بتعرف شو كان عمل؟ بأقل من أسبوع كانت خلصت القصة، أو بالحد الأدنى حلّ الجزء الأكبر منها، من خلال معارفه بالرؤساء بكل العالم، ما ممكن ينرفض طلب منّو. ليه؟ لأن اسمه رفيق الحريري”.