لم يتردّد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في الجزم باكراً، بُعيد أيام قليلة من تكليف حسّان دياب، أنّ الحكومة المقبلة ستكون حكومة جبران باسيل. على الأرجح لم يغيّر “الشيخ سعد” رأيه. لم تكن هذه قناعة رئيس الجمهورية الذي جاهر بالعكس تماماً “لن تكون حكومة جبران باسيل”، هو الذي طالب منذ بداية السباق الحكومي بحكومة تكنوسياسية.
ولد فريق عمل حسّان دياب و”جبران” خارجه. من واكب عملية التفاوض الشاق حول الأسماء يجزم بأنّ “ملائكة” باسيل داخلها. ستّة من الوزراء المسيحيين تعود براءة الإختراع في توزيرهم وتزكيتهم إلى رئيس التيار الوطني الحر… لكنّ “معاليه” لم يعد يتدخّل بعد صدور مراسيم الحكومة. يجزم وزراء كثر بهذه الواقعة. الرجل منشغل بجدول أعمال المرحلة الجديدة لمواكبة إجراءات الحكومة في مواجهة “الطوفان”. من يعرفه جيداً يرسم له مساراً متوقعاً بأن يكون فريق الظلّ لحكومة سيصعب أن تكرّس مشروعيتها في الشارع خصوصاً إذا تبنّت بعض سياسات المرحلة السابقة في معالجة مديونية الدولة غير المسبوقة في تاريخه الحديث.
بين دافوس وبكركي بدأ الرجل بصناعة صورة مغايرة له. سيكون السباق التحضيري لاستحقاق داهم، إن كان عمره الافتراضي أقلّ من ثلاث سنوات. بحسابات بسيطة أدرك باسيل أنّ انسلاخه عن الحكومة، ولو شكلياً، هو خيار “أسلم” بمواجهة شارع لم يعد يعرف “كبيراً”ً. بالتأكيد بات واحداً ممّن يعيشون “رهاب” المطاعم، لكنّ الثكنة المتنقلة المحيطة به قد تقيه “شرّ” المتطفلين. طاولة “تكتل الاقوياء” زمّت بعدما غادرها وزراء العهد، والوزراء الجدد ممّن زكّاهم باسيل لا يعرفون مقرّ “التيار” في ميرنا شالوحي. صار الذي لا ينام وزيراً سابقاً. أمور كثيرة تغيّرت. أصعبها عليه الغياب عن المنابر و”التويتر” الذي لا يهدأ والرحلات الخارجية القياسية. بنفسه اعترف بـ148 مدينة وعاصمة زارها خلال تولّيه حقيبة الخارجية، واعتذر من الذين لم يتمكّن من الوصول إليهم.
لكن لكلّ مرحلة عدّتها. الدعائية المُفرطة ستكون صديقة دائمة لجبران، حتّى مع غيابه عن الشاشة. هي القاسم المشترك بين ما قبل وما بعد. من تابع التسريبات عن لقاء بكركي يظنّ أنّ زائر الصرح هو بابا الفاتيكان ربطاً بعمق الملفات التي تمّ طرحها وأسلوب التسويق لها. لن يحيد عن إدمان صنع الصورة حتّى وإن لم يكن من صلب المشهد السياسي. من روّج لمعادلة “رأسي مقابل رأس سعد الحريري في الحكومة”، ومن خطّط لإزاحة نجل رفيق الحريري وإيهام الرأي العام بالإنتقال إلى صفوف المعارضة، يستحيل أن ينزل عن منصّة العرض بسهولة ولو بعروض صامتة.
يردّد الذي سيتسنّى له النوم بعدما خرج من الحكومة أنّه سيجعل من مجلس النواب الملعب الواسع لمحاصرة الفاسدين عبر ورشة إقرار القوانين ذات الصلة
ماذا سيحلّ إذاً بالحزب الحاكم في ظلّ حكومة رئيسها لا “يُؤكل” رأسه بسهولة، وبوديعة وزارية مُدرجة مبدئياً ضمن حصة العهد و”التيار”، لكنّها تشبه ودائع اللبنانيين في المصارف: “حقّنا ومش حقّنا”.
الشغل للرئاسة تحصيل حاصل. البعض من أهل البيت يعترف علناً: لحظة جلس ميشال عون على كرسيّ الرئاسة بدأ سباق مراكمة النقاط في رصيد… جبران باسيل.
حكومياً، قد يكون الأداء شبيهاً بما فعله نواب التيار الوطني الحر وتكتل “لبنان القوي” في موازنة حكومة الحريري المجيّرة لحسّان دياب: غطاء سياسي من خلال الحضور، وتوزيع وحجب، أصوات كافية لإنقاذ الموازنة من براثن السقوط في امتحان التصويت. لن يكون باسيل جوكر الحكومة بالتأكيد. معارضة وموالاة على القطعة. يردّد الذي سيتسنّى له النوم بعدما خرج من الحكومة أنّه سيجعل من مجلس النواب الملعب الواسع لمحاصرة الفاسدين عبر ورشة إقرار القوانين ذات الصلة، وبأنّه لن يكون الغطاء لأيّ إجراء يمثل امتداداً للسياسات الحريرية … والأهم كما قال أمام كثيرين: “سأتدخل عند اللزوم لأمنع ذلك”.