بيلوسي تمزّق خيبتها من إنجازات ترامب

مدة القراءة 4 د


لم تجد رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي ما تفعله مع الرئيس دونالد ترامب أمس، سوى تمزيق ورقة خطاب “حال الاتحاد” بعيد انتهائه من إلقائه. بيلوسي التي بدت متوتّرة على مدى ساعة وربع الساعة، كانت تسترق النظرات من بين صفحات الخطاب لتتهرّب من حرج عدم مجاراة المصفّقين خلال تعداد ترامب بشكل استعراضي مستفزّ لإنجازاته الدامغة.

قيل إنّ بيلوسي مزّقت أوراق الخطاب ردّاً على تجاهل ترامب ليدها الممدودة لمصافحتها، لكنّ هذا لم يشفع لرئيسة برلمان أقوى دولة في عالم. حركتها بدت حركة مبتدئين. هفوة amateur في برلمانات العالم العربي والعالم الثالث يتمرّس حديثاً على اللعبة الديموقراطية، لا زعيمة حزب ديموقراطي عريق عمره قرابة قرنين.

إستطاع ترامب أن يسحب بيلوسي إلى ملعبه. إلى الشعبوية الرثة والحركات الاستعراضية الرعناء، لينقضّ عليها بعد ذلك من خلال تغريدة مهذّبة مصدرها حساب البيت الأبيض على “تويتر”، تتهمها بهتك مكانة مواطنين أميركيين وجّه إليهم ترامب دعوات خاصّة لحضور الخطاب (بينهم محاربين قدامى وشقيق رجل قُتل على يد مهاجر غير شرعي). وكانت تغريدة البيت الأبيض “عاطفية” أكثر من سياسية، إذ اتّهمتها بأنّها “مزّقت” هؤلاء المدعويين، وختمت: “هذا هو تاريخها”. 

في خطاب ألقاه في غرفة شهدت على مساءلته وطلب عزله قبل نحو ثلاثة أشهر، والأرجح أن تشهد على تبرئته أيضاً، إلتزم ترامب بأن يفي بوعد قطعه للناخبين لـ”إعادة أميركا عظيمة مجدّداً”، عارضاً إنجازاته في المجالات التجارية والاقتصادية ومستويات البطالة، مقارناً بين أرقام 3 سنوات من عهده و”إخفاقات” 8 سنوات متواصلة من عهد سلفه الديموقراطي باراك أوباما.

تحدّث ترامب عن “نهاية استغلال اميركا واحتقارها”، وانتعاش الوظائف وتراجع البطالة في صفوف النساء الأميركيات بشكل لم تشهده أميركا من قبل، وذوي الأصول الأفريقية والآسيوية واللاتينية… إلى أدنى مستوى في نصف قرن (نسبة بطالة 3.5 في المائة).

تحدّث أيضاً عن التزامه بمحاربة “الإرهاب الإسلامي المتشدّد”، وقال: “قتلنا زعيم ومؤسّس تنظيم داعش (أبو بكر البغدادي) وقضينا على التنظيم بالكامل”. تحدّث عن اغتيال “جزّار النظام الإيراني” قاسم سليماني، غامزاً من قناة تساهل إدارة أوباما مع إيران وأذيالها من دون أن يذكر ذلك صراحة، مذكّراً بأنّ اقتصاد الجمهورية الإسلامية بات يعاني بشدّة “بسبب العقوبات التي فرضناها عليهم”. تطرّق إلى قوة الولايات المتحدة العسكرية وحجم الإنفاق العسكري، قائلاً: “حالة اتحادنا أقوى من أي وقت مضى”، كاشفاً عن إنشاء جهاز جديد اسمه: “قوات الفضاء”.

يقول البعض إنّ خطوة بيلوسي ذكية. ولأنّها لم تجد ما تقوله لترامب مزّقت خطابه، سائلين: ما الذي كان يُفترض أن تقوله حول خفض معدّلات البطالة؟ أو تعزيز مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية بين المنافسين مثل الصين والاتحاد الأوروبي؟ هل كان عليها معاتبته على قتل سليماني أو البغدادي؟ صحيح أنّ ترامب تخلّى عن كثير من الحلفاء، وعن أخلاقيات العالم الديموقراطي المدافع عن الحريات وحقوق الإنسان، لكنّه استطاع أن يزاحم الديموقراطيين على الإنجازات الاقتصادية في الداخل الأميركي، بعد تكريس عُرف اهتمام الجمهوريين بالسياسة الخارجية فحسب.

ربما نقلت بيلوسي النقاش في ذلك، من المضمون الجدّي إلى قشور العواطف الجياشة والعصب الحزبي، وهذا ما يبرّر هجمة الشارع الأميركي ضدّها بسبب السابقة التي أرستها في تمزيق الخطاب.  كان واضحاً أن بيلوسي فضّلت أن تتصدّر مهانتها وسوم التواصل الاجتماعي (#pelosiTantrum و #NancyTheRipper) على أن تعترف بهذه الحقائق القاسية، خصوصاً بعد فشل مساعيها إلى عزل ترامب.

 

ربما غاب عن البعض أنّ ممارساتٍ كهذه لا تعمّر أكثر من يومين، لكنّ الإنجازات والأرقام باقية. غابت عنهم أيضاً مرونة المواطن الأميركي وبراغماتيته التي دمّرت هيلاري كلينتون قبل 3 سنوات. براغماتية تفضّل رئيساً “من خارج الصندوق” ثرثاراً مِهذاراً ومُنجزاً على مهذّبٍ صادقٍ Inactive.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…