الحريري يلتقط أنفاسه: ويحفر الأفخاخ لدياب

مدة القراءة 4 د


يجزم كثيرون أنّه لحظة سقوط اسم سمير الخطيب من “دار الفتوى” ليلتقط الرئيس سعد الحريري مجدداً حبل تأليف الحكومة، كان “المرشّح” حسّان دياب يتحضّر لتكليف من خارج السياق والزمان، بعدما أبلغ عبر قنوات موثوقة أنّ سعد الحريري يواجه “فيتو” الشارع وآخر من المقلب المسيحي… وثالث من وراء البحار.

في تلك المرحلة إستقبل الحريري دياب في منزله في بيت الوسط على أساس أن يكون أحد الوزراء ضمن تركيبته الحكومية. لكن سريعاً تهاوت أسهم رئيس حكومة تصريف الأعمال بعدما تلّقى طعنة قواتية سبقها غياب الحدّ الادنى من معايير التوافق على شكل الحكومة بين الحريري والقوى المعنية بتأليف الحكومة، وتيقّن نجل رفيق الحريري أنّ لا مظلّة عربية وغربية تؤمّن له خطاً عسكرياً إلى السراي الحكومي.

بالتأكيد لم يسمع حسّان دياب من الرئيس الحريري التطمينات التي وفّرّها الأخير لسمير الخطيب. رَسَم مسافة فاصلة تماماً مع “خلفه” ولم يبدِ رأيه بأيّ وزير سنّي حاول دياب أو من ينوب عنه أخذ رضى بيت الوسط عليه، خصوصاً في حقيبة الداخلية. أكثر من “مرشّح” للتوزير دقّ باب الحريري ليسمع جواباً واحداً: “أنا غير معني بأيّ اسم سنّي في هذه الحكومة. والله يوفقهم”. ولو قدّر لحيطان بيت الوسط أن تنطق لتبيّن رأي الحريري الصريح بدياب نفسه ومن زكّاه وبأسلوب تشكيل الحكومة.

بعدما حجبت كتلة “تيار المستقبل” أصوات نوابها عن تكليف الحريري، إنتقلت الكتلة الزرقاء إلى الخطة “ب”: عدم مقاطعة أيّ استحقاق دستوري، عدم تجييش الشارع، والمعارضة بالتدرّج. ثمّة من يردّد في محيط الحريري عن مهلة سماح قد تكون أقصر من تلك التي أعلن عنها رئيس المجلس النواب وسقفها ثلاثة إلى أربعة اشهر.

قرار مشاركة نواب “المستقبل” في جلسات إقرار البيان الوزاري سيكون مرهوناً بوضع الشارع ومستوى الحشد

جلسة مناقشة الموازنة السوريالية، التي أمّن “المستقبل” نصابها مع تسليمه بعدم دستوريتها ثم صوّت ضدها، لم تكن سوى دفعة من حساب طويل بين الحريريين وحكومة دياب. هكذا قطع رئيس الحكومة السابق الطريق على خَلَفه وسَحَب منه ذريعة العمل بعدّة شغل غيره، لتبرير أيّ فشل مقبل، خصوصاً أنّ الحريري يرصد باهتمام الهوّة التي لا تزال تفصل بين السلطة والشارع.

أكثر من ذلك، يرى الحريريون أنّ دياب، باستخدامه منطق أنّ حكومته تصرّف الأعمال ولا يجوز لها استرداد الموازنة، لم يكن موفّقاً. فالموازنة كانت جاهزة واسم وزير المال معلن من أسابيع والحكومة الجديدة تقول إنّها حكومة “مواجهة الانهيار”، فأقلّه كان يفترض بالرئيس دياب عرض ملاحظاته الأساسية على الموازنة، وحتّى طرح بعض التعديلات من دون استردادها بالضرورة، فالموازنة هي المدماك الأوّل لأيّ حكومة. 

ويبدو، وفق المعطيات، أنّ قرار مشاركة نواب “المستقبل” في جلسات إقرار البيان الوزاري سيكون مرهوناً بوضع الشارع ومستوى الحشد في حال اُتّخذ القرار بقطع الطريق على النواب لمنع وصولهم إلى البرلمان، إضافة إلى ما سيتوافر من معطيات حول بنود البيان. ويجزم مستقبليون أنّ هذا القرار سيترك حتّى اللحظة الأخيرة، تماماً كما في حصل في جلسة الموازنة.

والحريري، المتواجد حالياً في باريس، والذي سيعود قريباً لإحياء ذكرى 14 شباط، يتوقع أن يطلق جملة مواقف تعكس سياسة حزبه خلال المرحلة المقبلة. وستبقى خطوطه مفتوحة مع بيروت. ويجزم قريبون منه أنّه “مهتمّ ويتابع بالتفاصيل”. وينقل هؤلاء عنه اقتناعه بضرورة رصد عمل الحكومة وعدم إطلاق الأحكام المسبقة مع التشديد على الحاجة لالتقاط الأنفاس، وهو ما طبّقه الحريري على نفسه أولاً.

يسلّم الحريري بأنّ إمتحانين أساسيين ينتظران حكومة حسان دياب: الشارع والدعم المالي الخارجي بناء على الخطّة الإصلاحية. وفي كلا الامتحانين لا يبدو أنّ الحريري في وارد منح دياب ذريعة لإلصاق فشله بموقف الحريري حياله. في المطبّ الأوّل رمى الموازنة بوجهه بعدما انتزع اعترافاً منه بتبنّي أرقامها. وفي المطبّ المقبل لا يبدو أنّ “المستقبل” في وارد منح الثقة لحكومة حسّان دياب.

ومن رئيس الحكومة الذي قرّر فصل ساعة كهرباء منزله في السراي الحكومي عن المحوّل العام ليتولى دفع الفاتورة من جيبه الخاص، إلى الوزير الذي يحضر بتاكسي إلى جلسة الحكومة، وآخر ينشغل بكتابة رسالة إلى طفلة، وزميل له يقف في الصفّ داخل أحد المصارف، ورابع يحرّم الهدايا في وزارته…  جميعها رسائل “تواضع وتقشّف” جيدة، برأي الحريريين، “لكنّها لا تطعم خبزاً ولا تنعش اقتصاداً. فليخرجوا من الاستعراض إلى العمل”.

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…