بعد تولّيه وزارة الإتصالات، قام المهندس طلال حوّاط بزيارة نواب طرابلس، ومنهم النائب سمير الجسر الذي استقبله في دارته، حيث تم البحث في آخر المستجدات، وتمنّى الجسر التوفيق والنجاح للحوّاط في مهامه الجديدة، حسب البيان الصادر عن الجسر.
كما زار الوزير حوّاط النائب محمد كبارة ضمن جولاته، و”تناولا الوضع العام وآخر المستجدّات، وقد تمنّى الأخير للوزير ?حوّاط النجاح والتوفيق في مهامه الجديدة في وزارة الاتصالات شاكراً إياه زيارته”.
من الناحية الشكلية، قد يبدو طبيعياً أن تحصل مثل هذه الزيارات، فهي طبيعية بين “أبناء طرابلس”، ومن باب اللياقات والمجاملات الاجتماعية، ومن منطلق التعاون بين ممثلي المدينة نيابياً ووزارياً..
ربّما يصح هذا الإعتبار في الحالات الطبيعية للحكومات، لكنّ الواقع اليوم مختلف تماماً عمّا كان عليه الحال في المراحل السابقة.
فاليوم، ثمّة اعتباران يحولان دون حصول التواصل بين وزراء حكومة الرئيس حسّان دياب وبين نواب طرابلس.
ــ الإعتبار الأوّل: أنّ حكومة دياب تواجه إشكاليةً مشروعية من الثوّار في الشارع، وهي مطعون في نشأتها ومشبوهة في ولادتها، ومذمومة في نسبها السياسي، حتى كأنّها ولدت خليطة الإنتاج، بين الحمض النووي الباسيلي والمورّثات الصفراء، ومجموعة من الطفيليات الحزبية التي لا وظيفة لها سوى امتصاص المال العام.
ــ الإعتبار الثاني: أنّ نظرية التعاون بين النواب والوزراء من أجل طرابلس، بعيداً عن الإنتماء والتوّجه السياسي، سقطت سقوطاً مدوّياً، ولم يعد ممكناً طرحها كمبرّر لاقتراف الآثام السياسية وتمرير الصفقات والمنافع الخاصة والعائلية، باسم المدينة ومصالحها العامة.
ما يفعله النائب الجسر يفعله غالبية نواب المستقبل الذين اعتادوا التغذّي من موائد السلطة ليبقوا على كراسيهم
السؤال الذي يطرح نفسه في سياق مقاربة نائب تيار المستقبل سمير الجسر للعلاقة مع الوزير حوّاط: ما هو موقف الجسر من الحكومة التي ينتمي إليها وزير الإتصالات؟ وما هي المقاربة التي على أساسها سيبني هذا الموقف؟ وهل تيار المستقبل متعاون مع حكومةٍ أخرجت عملياً الرئيس سعد الحريري من السراي الحكومي؟ وهل يمكن لنائب ينتمي إلى كتلة سياسية أن يفتح على حسابه بدون تنسيق مع رئيس كتلته؟
وهل تعني ما أسماها أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري “فرصة الستين يوماً” أن تنفتح قنوات التعاون بينما يحاول التيار شدّ عصب شارعه على قاعدة تخوين كلّ من ساهم في إخراجه من “جنة السلطة”؟
بالتوازي مع هذه التساؤلات يحضر النقد الدائم المستمر لنواب ما عادوا يمثّلون في وجدان أهل طرابلس شيئاً، لأنّهم منفصلون تماماً عنهم وعاجزون عن حماية مصالحهم وغائبون عن متابعة شؤونهم، فضلاً عن أنّهم في التقييم العام نوابٌ لمدينةٍ هي الأفقر على ساحل البحر المتوسط بفضل تخاذلهم وفشلهم وإصرارهم على حشر أنفسهم في صناديق اقتراعٍ إعترفت زميلتهم المستجدة ديما جمالي أنّهم دفعوا ثمنها بضع عشراتٍ من الليرات لشراء ذمم مواطنين فقدوا القدرة على المقاومة بالكرامة، فأصبحوا راضين بما يحصّلونه من هؤلاء الشارين الموسميين لأصواتهم ذات موسمٍ إنتخابيّ غابر.
وهل الدافع لهذا التواصل مجاملاتٌ كلامية أم أن لها أبعاداً سياسية وخدماتية؟
ما يفعله النائب الجسر يفعله غالبية نواب المستقبل الذين اعتادوا التغذّي من موائد السلطة ليبقوا على كراسيهم، من دون أيّ اعتبار لشروط هذا البقاء بالنسبة لحسن التمثيل، والقيام بالواجبات التشريعية والتنموية. ولهذا نرى مجموعة المستفيدين من الدوائر العائلية والشخصية تتوسع عمودياً، ودائرة الفقر والحرمان والتهميش تتوسع أفقياً، حتى أنها تكاد تشمل معظم محاور المجتمع الذي يدفع ثمن تحالف أحزابٍ لا مشروع لها سوى امتصاص قدرات اللبنانيين وأموالهم لتغذي وجودها المانع لإقامة الدولة.
من المعروف أنّ النائب الجسر يقدّم خدمات، لكنها تبقى محصورة في دائرته العائلية والحزبية الضيقة، ولا شك أنّ وزارة الإتصالات منجم خدمات لا ينضب، رغم الكوارث التي تعصف بقطاعات الدولة. لكنّ الزبائنية تبقى هي الأقوى في عالم السياسيين الذين تمسحت ضمائرهم، وما زالوا يتصرّفون وكأن الدنيا بألف خير، وبينما الناس تمطرهم باللعنات.. يبتسمون قائلين: “السماء تمطر.. إنها تمطر!!!”.
مع خروج تيار المستقبل من السلطة، سنرى الكثير من مبرّرات “مدّ اليد” للحفاظ على ما زرعه التيار في دوائر الدولة، ولمحاولة الإستحصال على بعض المكتسبات للحفاظ على ماء الوجه في لحظات الإحراج السياسي، بعد الإخراج الحكومي. والواقع أنه ليس هناك عبارة تعكس هذا التوجه أفضل من “الزبائنية السياسية”.