لن يَنعَم رئيس الحكومة حسّان دياب على الأرجح بإقامة هادئة وهانئة في السراي الحكومي. ثمّة مهلة سماح واقعية أعطاها الشارع بشكل غير مباشر لحكومة مواجهة الانهيار تتفاوت صلاحيتها بحسب كلّ “جناح” في هذا الشارع.
لكنّ هذا الأمر لا يلغي واقع أنّ الإنطلاقة الحكومية ترافقت مع أكثر من تحرّك احتجاجي بلغ ذروته في يوم صدور مراسيم الحكومة، ولامس “حيطان” السراي ليل السبت الفائت، فيما المعطيات تفيد أنّ محيط ساحة النجمة والسراي الحكومي سيشهدان بشكل متقطع احتجاجات، خصوصًا بالتزامن مع جلسات مناقشة الموازنة والبيان الوزاري للحكومة ومنحها الثقة.
قبل ولادة حكومة حسّان دياب إتُّخذ القرار من جانب رئيس الحكومة بالإقامة في السراي إلى جانب زوجته وابنته، مع العلم أنّ نجليه يدرسان الطب في الولايات المتحدة الأميركية. وفرض دخول دياب إلى السراي تحويل محيط مقرّ الحكومة إلى جزيرة أمنية ومنطقة شبه عسكرية وارتفاع بلوكات الباطون وعزل منطقة ساحة النجمة وإقفال مداخلها كافة. وهي إجراءات، وفق مطلعين، قد تواكب كامل ولاية دياب في السراي وتفرض “بروتوكولات” أمنية غير مسبوقة.
قرار الانتقال إلى السرايا، وفق قريبين منه، والذي شكّل مادة تهكّم على مواقع التواصل التواصل الاجتماعي، أملته أسباب عدّة على رأسها المعطى الأمني، بسبب الاحتجاجات المتكرّرة أمام منزله. وشقته في تلّة الخياط لا تتوافر فيها المقومات “اللوجستية” والعملانية التي تتناسب مع الموقع الذي بات يشغله كرئيس للحكومة، فضلاً عن إصرار دياب على عدم تحويل منزله إلى منطقة أمنية قد تزعج محيطه، فيما من سبقه من رؤساء حكومات، من سعد الحريري إلى نجيب ميقاتي أو فؤاد السنيورة، كانوا يملكون قصوراً وشققاً كبيرة جداً.
يؤكد مطّلعون أنّ دياب يراهن على جولة يقوم بها إلى الخليج قريباً. فقبل تأليف الحكومة أرسل من ينوب عنه ليلتقي مسؤولين سعوديين وقطريين وإماراتيين في مهمّة استطلاعية حول سقف المساعدات الممكن أن تقدمها هذه الدول
ولا يبدو حسّان دياب ممّن يتوجّسون من تكبير دائرة الاعتراض الشعبي وصولاً الى إزاحته تحت ضغط الشارع. يعترف القريبون منه: “خلال عملية تشكيل الحكومة تعرّض لضغوط هائلة. سمع مثلاً تكراراً جبران باسيل يقول: له “لا تأتيني بأسماء تستفزني أو مش نافعة” تضيّع كل ما قمنا به”. وتحمّل لأسابيع عدةّ ضغوطاً لم تتوقف، بما في ذلك من قبل رئيس الجمهورية، لرفع العدد إلى 24 وزيراً، وأنهكته لعبة الأسماء والفيتوات والحقائب، لكنّ الاعتذار لم يراوده للحظة. واليوم يفترض دياب أنّ حكومته ستبقى حتى نهاية الولاية الرئاسية، ولن تتأخر أول دفعة من التطمينات التي يأمل رئيس الحكومة أن تعيد جزءاً من الثقة المفقودة بالسلطة ككل وليس فقط الحكومة.
التقارير الأمنية والمعطيات التي تقاطعت على طاولة رئيس الحكومة تشي بانحسار رقعة الاحتجاجات، خصوصاً في بيروت، إلى مئات المتظاهرين، ومن ضمنهم عشرات فقط تخصّصوا في الشغب. وبات رئيس الحكومة مطمئناً إلى الكشف الأمني لـ “مفاتيح” بعض المتظاهرين من فئة “المخرّبين والمشاغبين”، ما يتيح تفكيك خطتهم المرسومة لإبقاء التوترات والاحتجاجات قائمة بوجه الحكومة، مع تأكيد قريبين من دياب أن “لا مشكل لديه إطلاقاً مع التظاهر السلمي وأنّه يرى في الشارع، منذ اليوم الأوّل للتحركات، ورقة ضغط لتنفيذ التعهدات الإصلاحية في أسرع وقت”. كما توّلت جهة أمنية، وفق المعلومات، التأكيد لدياب أن لا أجهزة مخابرات خارجية تحرّك بعض المندّسين في الشارع.
ويؤكد مطّلعون أنّ دياب يراهن على جولة يقوم بها إلى الخليج قريباً. فقبل تأليف الحكومة أرسل من ينوب عنه ليلتقي مسؤولين سعوديين وقطريين وإماراتيين في مهمّة استطلاعية حول سقف المساعدات الممكن أن تقدمها هذه الدول. ودياب المرتاح للإحتضان الدولي والغربي لحكومته، من خلال تصريحات عدّة صدرت في هذا السياق، بما في ذلك المواقف الأميركية المتبنّية لحكومة تضع الإصلاح أولوية لها، يبدو أنّه سيخوض، بعد نيل حكومته الثقة، معركة أكثر حساسية من معركة تشكيل فريق عمله، تسمح له بالعمل بعدّة شغله لا بعدّة شغل من أوصله إلى رئاسة الحكومة.