من يقنع الشارع أنّها حكومة الشارع؟

مدة القراءة 4 د


عشائر الطوائف اختارت “تكنوقراطها” وفق أحجامها. هذا كثيرٌ في زمن الثورة و”ما بيقطع”. دمج بعض الوزرات، وإن للتوفير على الخزينة، مضحك واستأهل جولات من “المسخرة” على مواقع التواصل الاجتماعي. يبشّرنا وزير المال الجديد باستحالة عودة سعر الليرة أمام الدولار إلى ما كان عليه سابقاً وصعوبة، ويتحدّث عن صعوبة منع الانهيار. ويتحفنا وزير الطاقة بأن لا وعود سيطلقها بعودة الكهرباء. ويتلّهى الخائفون على مصيرهم بفيديو لوزير الزراعة والثقافة يظهر أبناء عشيرته يطلقون النار ابتهاجاً بتوزيره… و”ثقافة”. وفيديو آخر لموكب لا ينتهي لرئيس الحكومة.

هذا لا يٌقارَن بشيء مع ما ينتظر حكومة تقف بين ضفتيّ “لا دولة”، وفوق سجّادة شعب هائج. حكومة يُفترض أن تنسّينا أقلّه نكتة الاختصاصيين البائسة، ومحاصصة اللون الواحد الفاقعة. حكومة تخرج بإنجازات أهم بكثير من مجلّد إنجازات دياب في وزارة التربية.

لا أحد ممن شاركوا في “صناعة” حكومة حسّان دياب، أو ممن رفضوها، حتّى قبل الولادة، قادر على تحديد مدّة صلاحيتها. تركيبة “ركيكة” في زمن الثورة قد تعمّر حتّى نهاية الولاية الرئاسية وقد تسقط بعد شهر أو شهرين… لن يستطيع الآتي من تجربة وزارية محدودة ونشاط أكاديمي عادي أن يُقنع بسهولة الشعب الثائر بفريق عمله “التكنوقراطي”. المحاصصة على المفضوح فضحت المستور. تكفي “صبحيات” بعض الوزراء عند “وليّ” تسميتهم.

لكن من غير المنصف حجب بعض الإنجازات. هي حكومة رمَت خارجًا ديناصورات ممثلّي السلطة: جبران باسيل وعلي حسن خليل وسليم جريصاتي وجمال الجرّاح ومحمد فنيش… وغيرهم. وقبل هؤلاء أحالت سعد الحريري إلى نادي التقاعد باكراً جداً ودفعته إلى الإعتراف المؤلم: “كرسي السلطة صارت خلفي”.

لم يبارك الحريري بعد لحكومة أرادها أن تنصرف إلى العمل وتطوي صفحة المراوحة في تصريف الأعمال. على الأرجح لن يفعلها. سيفضل مرور الجثّة الحكومية. عندها يقوم بالواجب.

هي الحكومة التي استغنت أيضاً عن وزراء “الحشو” لتنفيعات سياسية في وزارات الدّولة. ستتمكّن رئاسة الجمهورية من تدبير “شؤونها” من دون وزير القصر. ولن تندب ساحة النجمة بعد الاستغناء عن خدمات وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي. ولن تخرب الدولة “الخربانة” من دون وزارة الدولة لشؤون التمكين الاجتماعي والإقتصادي للشباب والمرأة. ويكفي أنّ اللبنانيين لن يتذكروا أنّ العهد القوي أتى لهم بوزارة للتكنولوجيا. طار الوزير والوزارة. ولا من “حسّ” ولا من دري.

لا وزراء حزبيين في الحكومة، لكنهّم يحملون بطاقات “انتساب” إلى المقرّات التي زكّتهم. حقيقة يدركها جيداً حسان دياب، مع ذلك يكبّر الفشخة ليتجاوز فضيحة التسميات، مراهنأ على الآتي من أفعال تنشل السفينة من القعر. يكفي ما حلّ بوزيره دميانوس قطار، صاحب الاختصاص في المجال الاقتصادي. كالطابة تقاذفه أصحاب القرار. من “مشروع وزير” للخارجية إلى وزير للاقتصاد إلى وزير للعمل، فوزير للبيئة في اللحظات الأخيرة قبل صدور مراسيم الحكومة.

أتعب دياب مفاوضيه كثيراً. دفع الأمر أحد القريبين من رئيس الجمهورية إلى المجاهرة علناً: “فخامته انغشّ فيه”. كاد جبران باسيل أن ينفض يده منه. واجتاح الندم في بعض المحطات الرئيس نبيه برّي رافعاً سماعة الهاتف ليطلب بيت الوسط: “شو عملت فينا يا سعد”. لكن في نهاية السباق ظفر بما لم يظفر به سعد الحريري. وربما سيكون جوكر السلطة التي ستستمدّ صمودها من صموده. معادلة بسيطة: إن سقط حسان دياب وحكومته بضربة الشارع، فما مصير رعاته الرسميين؟

تبدو السير الذاتية لمعظم الوزراء مشّجعة، وإن لم “تركب” في المكان المناسب. بأمثالهم لوّنت حكومات التعايش الوطني السابقة، لكنّ “دوز” السياسة والتبعية كان أقوى بكثير. مع ذلك، من يقنع الشارع أنّها حكومة الشارع؟

 

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…