أحمد ناجي فارس: .. الرجل الذي يحبه الجميع

مدة القراءة 5 د


كتبت الصحافية الفلسطينية حنان باكير في افتتاحية صحيفة “الحياة الجديدة” الفلسطينية مقالاً ضمن زاوية “تغريدة الصباح” وتحت عنوان “أريد حلاً”، جاء فيه: “الرحلة إلى مدينة بور سعيد.. تعني لي الكثير.. لكنّ أصدقائي تعني لهم مطاعم المأكولات البحرية والأسماك، كلّ واحد طلب السمك الذي يحب.. ما عداي.. لم أجد صحن بصارة أو فولاً أو حتى حبات زيتون! طلبت صحن سلطة.. جاءني بصحن فيه بضع قطع من الخيار والبندورة فقط! الطاولة التي إلى جانبنا ضمّت ثلاثة رجال.. أحدهم قد تقدّم به العمر. قال: واضح أنّك فلسطينية، وأنت في زيارة لبور سعيد: نعم فلسطينية من لبنان.. عرفت أن ذلك الرجل هو أحمد ناجي فارس، صاحب أشهر محلات الأدوات المنزلية. فقال: لما أنت ما بتاكلي سمك وبحريات، شو جاي تعملي ببور سعيد؟ نحنا جينا من بيروت لهون بس تناكل سمك”.

هي النتيجة الوحيدة لأيّ عملية بحث عن تصريح أو خطاب لأحمد ناجي فارس، على “غوغل”. لن تجد عنه شيئاً آخر. وهذه تُحسب له، لا عليه.

هو تصريح نقلته عنه الإعلامية الفلسطينية ولم يكن مباشراً منه. نادراً، إن لم يكن مستحيلاً، أن تجد تصريحاً أو كلمة خطابية لأحمد ناجي فارس. لكن في شوارع بيروت، اسمه لا يغيب عن أكثرية مجالس الأمناء، من مساجد أو جمعيات، من مسجد عثمان بن عفان في رأس النبع وصولاً إلى مسجد محمد الأمين بوسط بيروت.

إقرأ أيضاً: الشيخ أحمد العجوز: العالم البيروتي باني مساجد القرى

الرجل المقلّ بالكلام إلى حدود الصمت مكثر بالعمل إلى أقصى حدود. فأينما وجد الخير تجده، ولا غرابة. عند سؤال أهل بيروت عنه تكون الصفة الأولى التي يتحدّثون بها إنّه “رجل الخير”.

من الحجاز قدمت عائلته التي يعود نسبها إلى عشائر فارس الحجازية، تلك التي تفتخر أنّها من فروع “سيف الله المسلول” الصحابي الجليل خالد بن الوليد.

فالعائلة عندما قدمت إلى بيروت ظلّت لسنوات طويلة يطلق عليها في الطريق الجديدة اسم “الطرابلسي”. والده ناجي فارس (1886 – 1964) كان من كبار وجهاء المينا في طرابلس ومن ثَمّ في بيروت. وإن كان ناجي الوالد “فارس طرابلس”، فإن الابن أحمد كان “فارس بيروت”. ويصفه الدكتور فوزي زيدان، الرئيس الأسبق لاتحاد العائلات البيروتية بأنّه “رجل الخير وميزته الرئيسية أنه إذا أحب انساناً أخلص له، وكان صادقاً معه حتى النهاية، حبّه لعمل الخير حبّب الناس به، وهو رجل ليس لديه أعداء”.

لإذاعة القرآن الكريم منزلة خاصة عند أحمد ناجي فارس، وعندما تسأله عن حبّه للإذاعة ينتفض مستغرباً قائلاً: “أنا أدعم إذاعة القرآن الكريم لكي يبقى القرآن صادحاً بين الناس. هل تقبلون أن يسقط كلام الله على الأرض؟ لقد خصّصت وقفاً لمدة 10 سنوات لإذاعة القرآن الكريم يؤمّن لها 100 ألف دولار سنوياً، وبذلك نؤمّن استمرارية عمل هذه الاذاعة. وعندما أعلنت هذا الوقف قال لي المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان: “انتبه كلامك مسجّل ومصوّر”. فقلت له: “أنا أحمد ناجي فارس أتكلم من فمي، من حيث تخرج الروح”.

كنت ألتقي الرئيس رفيق الحريري بعد الساعة 12 ليلاً عند مسجد محمد الأمين حيث كان يشرف على كلّ التفاصيل في عملية إعمار المسجد

حكاية أحمد ناجي فارس مع التجارة جاءت مصادفة، ويقول عنها لـ”أساس”: “لقد طُردت من المدرسة في صف الخامس الابتدائي لأنّني كنت مشاغباً ولم أكن مجتهداً بمادة الرياضيات، فعملت لدى أحد الأقارب وقبضت منه راتباً أسبوعياً 3 ليرات. ثم تركت العمل لديه وانتقلت إلى أسواق بيروت، فأعطاني شخص يدعى جوزيف الهراوي بضاعة كي أبيعها وفي يوم واحد جمعت 3 ليرات. وهنا قرّرت أن أسير في عالم التجارة وما زلت فيها حتّى الآن. والدي لم يكن تاجراً بل كان “ريّس” البحرية كما يطلقون عليه حيث كان لديه مراكب تنقل ركاب السفن إلى رصيف المرفأ”.

تعرّف إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين زاره مع صديق يدعى يحيى الحريري، وبعد زيارات عديدة كان على مأدبة عشاء في منزل أحد الأصدقاء المشتركين: “كنا أربعين شخصاً من بينهم صاحب مستشفى نجار، غازي النجار، وخلال الحديث قال الرئيس الحريري: لم يطلبني أحد في النهار إلا وأعدت الاتصال به مساء. فوقف صاحب المستشفى صارخاً: لا. غير صحيح. هنا وقفت صارخاً به: دولة الرئيس عميحكي خراس. وهنا ضحك الرئيس الحريري. وبعد قليل تقدّمت من غازي فذكّرني بأنّه كان زميلي في مدرسة الفاروق. ومن بعدها تقرّبت كثيراً من الرئيس الحريري”.

ويضيف: “كنت ألتقي الرئيس رفيق الحريري بعد الساعة 12 ليلاً عند مسجد محمد الأمين حيث كان يشرف على كلّ التفاصيل في عملية إعمار المسجد. وفي أحد الليالي كنتُ مارّاً أنا وزوجتي في السيارة أمام المسجد، فرأيت سيارة الرئيس الحريري هناك، فنزلت إلى المسجد. سألني: ماذا تفعل؟ قلت له: تماماً كما تفعل أنت”.

يضيف بحسرة: “لقد خسرنا رفيق الحريري. لقد خسرنا الرجل الذي لا يهدأ ولا يتوقف عن العطاء”.

للسياسيين قصّة أخرى مع أحمد ناجي فارس: “المفتي الشهيد حسن خالد كان صديقاً عزيزاً. لقد قال لي مرة: لا تهتم بالسياسيين فلا فائدة من ذلك. وقد احترمتُ نصيحته. لكن من أهل السياسة ثلاثة أشخاص لهم مكانة خاصة عندي، وهم الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، وابنه الرئيس سعد، والوزير الصديق نهاد المشنوق. ثلاثة لا يقولون لا لطالب حاجة، وهنا سرّ رجولتهم”.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…