منصّة مصرف لبنان للدولار: هل عطّلها “حزب الله” بمازن حمدان؟

مدة القراءة 6 د


لا يزال الدولار يتأرجح صعوداً وهبوطاً بسبب الأخبار المتضاربة حول المنصة الإلكترونية التي وعد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بإطلاقها قبل أكثر من شهر، وذلك في تعميمه الوسيط رقم 149 الصادر في 4 شهر نيسان الفائت، والذي تأخّر تنفيذه.

ولادة المنصة تخضع لتأجيل كلما اقترب موعد إطلاقها، من خلال أخبار تنطلق من مواقع وتطبيقات مجهولة المصدر، وسط صمت مطبق يلفّ أوساط مصرف لبنان… وكأنّ ثمة من لا يريد لها أن تُبصر النور.

إقرأ أيضاً: هيكلة القطاع المصرفي: الحكومة تكرّس “المثالثة”

أغلب المواطنين يعوّلون على مساهمة هذه المنصة في خفض سعر صرف الدولار أو حتى في ضبطه بأضعف الإيمان، فيما يظنّ بعضهم الآخر أنّ المنصة ستكون قادرة على تلبية الطلب الكبير على الدولار، وتوزيع الدولارات على اللبنانيين. فالدور المرسوم لهذه المنصة كان التدخل في السوق شراء ومبيعاً، إلا أن الأحداث التي رافقت مسيرة التحضير لإطلاقها منذ ما يزيد على شهر، كانت تهيّء لأمور معاكسة على ما يبدو.

وقتها، أوقف القضاء نقيب الصرافين محمود مراد ولم يُطلق سراحه حتى اليوم، وهذا يوحي بأنّ ثمة تُهماً ثابتة ضده، وذلك بخلاف أغلب الصرافين الذين أوقفتهم القوى الأمنية لأيام بتهم غير واضحة، ثم أطلقهم القضاء بسندات كفالة. توقيف مراد المتهم بقربه من “حزب الله”، قابله بعد أيام حملة تحريض منظمة طالت مصرف لبنان وحاكمه، ثم توقيف مدير العمليات النقدية في المصرف مازن حمدان بتهمة التلاعب بسعر الصرف من خلال شراء الدولار وبيعه في السوق للصرافين، فيما التهمة المذكورة يُفترض أنها تدخل في صلب عمل مصرف لبنان بموجب التعميم المذكور.

ضغوط كثيرة مورست ضد المدعي العام المالي علي ابراهيم من أجل محاصرة سلامة. تغريدات سياسيي الممانعة ومقالات صحافييها ومقدّمات أخبار محطاتها، كلها صبّت التهم ضد الادّعاء المالي بالدفاع عن سلامة وبغضّ الطرف عنه… كلّ ذلك كان هدفه تعطيل “المنصّة”، لأنّ ثمة من يريد الحفاظ على Statu quo الفوضى في قطاع الصرافة.

معلومات خاصة لـ”أساس” تؤكد أنّ حمدان هو من كان خلف فكرة المنصة، ويبدو أنّ قرار توقيفه ثم تخليته بموجب سند إقامة، يتعلّق بمحاولة تعطيل المنصة أو نزع أسنانها وأظفارها. علماً أنّ سبب توقيف حمدان، الذي صُوّر على أنّه عمل مشين يخصّ مدّ الصرافين بالدولارات، هو تحديداً ما يتحدّث عنه التعميم 149 من التدخل في السوق مباشرة بيعاً وشراءً للدولار.

وقد تعهد مصرف لبنان في بيان أصدره أمس أنّه سيؤمن الدولارات لحاجات المواد الغذائية اعتباراً من 27 أيّار الجاري، أي بعد عطلة عيد الفطر، لكن تبقى العبرة في التنفيذ، وفي كيفية التنفيذ.

نهاية الأسبوع الفائت، سرت شائعات أنّ المنصة ستُطلق يوم الاثنين، فانخفض سعر الصرف إلى نحو 3750 ليرة، لكنّ سعر الشراء بقي محافظاً على أرقام تتخطّى الـ4000 ليرة. مطلع الأسبوع لم تُطلق المنصة وأجّلت إلى منتصف حزيران حسبما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، فدفع هذا الأمر بسعر الصرف إلى استئناف صعوده مجدداً، مسجلّاً رقم 4100 للمبيع و4400 ليرة للشراء، لكنّ الدولارات بقيت مفقودة لدى الصرافين.

مصدر داخل مصرف لبنان قال في اتصال مع “أساس” إنّ مهمة المنصة استعلامية (informative) فقط، هدفها ربط مصرف لبنان مع الصرافين الشرعيين، لإلزامهم بسعر تداول محدّد بغية الكشف عن المخالفين منهم ومعاقبتهم، وهذا تطوّر جديد ينافي ما يذكره التعميم، ويشي بأن ثمة تراجعاً عن الإمساك بزمام المبادرة في سعر الصرف.

حينما سألنا المصدر عن حقيقة التدخل في السوق، أكد أنّ المنصة “لن تكون قادرة على ضبط سعر الدولار إطلاقاً”، خصوصاً أنّ “الطلب اليوم يفوق العرض بنحو 4 أضعاف”، ويتركّز في حاجة المستوردين إليه، إضافة إلى ميول بعض المواطنين لتخزينه في المنازل. ربما هذا الكلام يبوح بتردّد بدأ يصيب مصرف لبنان ويدفعه صوب عدم الغرق في رمال الصرافين غير الشرعيين ومن خلفهم وما يملكونه من قدرات مالية.

إعادة فتح المطار وعودة قطاع الأعمال إلى طبيعته لن يخفّف من الطلب على الدولار أبداً، لأنّ العرض سيزيد استطراداً. هما مترابطان وكلّما ارتفع الأول ارتفع الثاني

بحسب المصدر، فإن حاجة لبنان إلى الدولارات، اليوم، تُرجّح أن تكون نحو 20 مليون دولار يومياً، ومصدرها الوحيد في ظلّ هذه الظروف هو حصراً تحويلات المغتربين، التي بات مصرف لبنان يجمعها من خلال إلزام شركات التحويل على دفع أموالها بالليرة اللبنانية. حجم الأموال المحوّلة قبل الأزمة كان “قرابة 10 مليون دولار يومياً، ثم انحدرت إلى نحو 5 ملايين، ومرجّح أن تنخفض إلى ما دون ذلك” على حدّ قول المصدر نفسه، وذلك بسبب تسعيرة الـ 3200 ليرة التي يفرضها مصرف لبنان.

المؤشرات الاقتصادية تكشف أنّ الواردات الاجمالية تراجعت خلال شهري كانون الثاني وشباط (بداية أزمة كورونا) نحو 700 مليون دولار مسجّلة رقم 2.1 مليار دولار بعد أن كانت في الفترة نفسها من العام الماضي 2.8 مليار دولار. هذا التراجع، في المنطق، يعني حكماً أنّ الطلب على الدولار سيتراجع أيضاً، لكنّ هذا الأمر لم يحصل لأن ثمة من يتهافت على طلب الدولار، ولا يبدو أنّه من المستوردين أو التجار أبداً.

يقول المصدر إنّ “إعادة فتح المطار وعودة قطاع الأعمال إلى طبيعته لن يخفّف من الطلب على الدولار أبداً، لأنّ العرض سيزيد استطراداً. هما مترابطان وكلّما ارتفع الأول ارتفع الثاني”. المصدر يعزو سبب ذلك إلى “تراجع ضخّ الدولار في الداخل اللبناني من خلال القطاع السياحي والتحويلات المالية”، خصوصاً الإيداعات في المصارف، وليس أموال التحويلات المخصصة للاستهلاك الشخصي، كما هو حاصل اليوم.

كما يؤكد في الختام أنّ أزمة الدولار الحالية هي “نتيجة وليست سبباً”، كاشفاً أنّ سعر صرف الدولار “لن يتراجع أبداً قبل عودة تدفّق الأموال إلى لبنان واستعادة القطاع السياحي عافيته”، فالاستقرار النقدي لا يتحقّق من خلال الضغوط السياسية والحروب الباردة، وهذا يعني أنّ المواجهة الأميركية – الايرانية الممثلّة بحزب الله في لبنان تتحكّم باللبنانيين في الأسباب وفي النتيجة… هذا قبل البدء بتطبيق قانون “قيصر” فكيف بعده؟ والى متى؟

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…