“واشنطن لا تملك سياسة واضحة في لبنان، والعقوبات هي وسيلة، وظيفتها دعم المنطق السياسي والعمل على أنجاحه، لكنّها ليست سياسة بذاتها”. بهذه الجملة، اختصر السفير الأميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان، السلوك الأميركي في لبنان وتأثيره في مصير المبادرة الفرنسية التي استنزفها ثنائي “حزب الله” و”حركة أمل” في سعي باريس لتشكيل حكومة قادرة، على انتشال لبنان من أزمته الاقتصادية وإيصاله إلى بر الأمان.
إقرأ أيضاً: فيلتمان: لبنان الجنّة المفقودة
فيلتمان، وخلال الندوة الإلكترونية الأولى لـ “مؤسسة مي شدياق” خلال العام 2020 يوم الثلاثاء الفائت، قال: “إنّ التكاتف العالمي الذي قادته واشنطن وباريس عشية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري عام 2005 غير موجود اليوم. أعود في الذاكرة إلى مرحلة اغتيال الحريري. يومها مورست ضغوط داخلية وخارجية كبيرة لإخراج الجيش السوري من لبنان. كان هناك ضغط غربي وآخر داخلي، لكن اليوم الوضع مختلف. اليوم لا نجد دول الخليج مهتمة لأمر لبنان. المملكة العربية السعودية غير متحمّسة للتدخل أو لعرض المساعدة. أغلب دول العالم اليوم لها اهتمامات مختلفة تخصّ أزماتها الداخلية مع فيروس كورونا”.
وعن مقاصد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حيال لبنان، قال فيلتمان: “أنا أكيد أنّ نيات الرئيس الفرنسي صادقة. هو يقود دوراً بناءً، لكن الخلاف اليوم بينه بين واشنطن يُختصر في النظرة إلى حزب الله”.
أما عن الحراك اللبناني الداخلي وتأثيره في الأزمة الحكومية، فيقول: “حتى الحراك في الداخل لم يتّسم بالتكاتف. ربما بسبب أزمة كورونا أو انفجار المرفأ وما خلّفه من دمار. ربما بسبب الأزمة الاقتصادية وصعوبة تأمين لقمة العيش. كلها أمور لعبت دوراً في عدم إنتاج الضغوط الداخلية المطلوبة”.
المرشح الرئاسي الأميركي جو بايدن من الداعمين للإتفاق النووي مع إيران، وبناء على ذلك يميل فيلتمان للاعتقاد بأنّ إدارة بايدن في حال فوزه، قد تسعى إلى “بناء نوع من التعاون العالمي من أجل تغيير سلوك إيران”
ولدى سؤاله إن كان رحيل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من البيت الأبيض سيغيّر نظرة الولايات المتحدة إلى لبنان، قال: “بشكل عام، لا أرى أنّ الجوّ في الولايات المتحدة اليوم سيقود إلى صياغة سياسة واضحة وشاملة تخصّ الداخل اللبناني، لأنّ لبنان ببساطة ليس على الأجندة الأميركية، ولا ضمن معركة الانتخابات الرئاسية”، كاشفاً أنّ فوز المرشح الرئاسي جو بايدن في الانتخابات المقبلة، سيحول دون إنجاز سياسة خاصة بلبنان أيضاً، وإنما سيكون الملف اللبناني “جزءاً من سياسة سوريا، وجزءاً من سياسة إيران”.
ومن المعروف أنّ المرشح الرئاسي الأميركي جو بايدن من الداعمين للإتفاق النووي مع إيران، وبناء على ذلك يميل فيلتمان للاعتقاد بأنّ إدارة بايدن في حال فوزه، قد تسعى إلى “بناء نوع من التعاون العالمي من أجل تغيير سلوك إيران”. فيلتمان ينفي أن تكون واشنطن في صدد التخلّي عن حلفائها في الشرق الاوسط. بل على العكس، فقد تكون بحاجة إلى حلفائها في الخليج من أجل توحيد الجهود لدفع إيران بطريقة بناءة إلى تغيير هذا السلوك. لكنه يؤكد أنّ الخطوط العريضة لسياسة بايدن ستكون داخلية، فيما لن تكون السياسة الخارجية في أعلى سلّم أولوياته. بل إنّها ستعيد النظر في علاقات واشنطن مع سائر دول الشرق الأوسط، وإنما ليس كما حصل بين العامين 2015 و2016 خلال حقبة الرئيس باراك أوباما.
يومها، كانت العلاقة الأميركية مع دول الخليج سيئة جداً بسبب الاتفاق النووي الإيراني. أما اليوم، فمن المؤكد أنّ واشنطن “لن تدير ظهرها لحلفائها من أجل مغازلة إيران”.
وعن اتفاق التطبيع بين دولة الإمارات وإسرائيل، قال: “في ما يخصّ إسرائيل، أظن أنّ حسابات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بُنيت على المدى القصير. هو يريد السلام سريعاً ولا يهتمّ إلى المستقبل”، مستخلصاً أنّ “عدداً كبيراً من الفلسطينيين انتقلوا اليوم من الحديث عن الأرض مقابل السلام إلى الحديث عن الحقوق مقابل السلام، وهذا قد يشكّل أزمة لإسرائيل في المستقبل”.
يظنّ فيلتمان أنّ الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل جاء استباقاً لاحتمال فوز بايدن، الذي سيصبّ في هذا الاتجاه. ويرى أنّ الإمارات “تلقّفت المشهد المقبل باكراً، وتصوّرت شكل السياسة الأميركية المقبلة في حال فاز المرشح الديموقراطي”
يغوص فيلتمان بالتاريخ، فيستذكر كيف غيّرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية المزاج الإسرائيلي سلباً، وحرّضت الرأي العام ودفعت بالناخبين إلى انتخاب مرشحي أقصى اليمين، فيقول “ربما يمكن الاستفادة من اتفاقات التطبيع لتغيير السلوك الإسرائيلي من خلال انتخاب زعامات إسرائيلية أكثر وسطية وأكثر قبولاً للانفتاح على المنطقة”، مقارناً ظروف اتفاقي اليوم (إسرائيل مع كلّ من الإمارات والبحرين) بظروف اتفاقي “كامب دايفيد” و”وادي عربة” اللذين لم يتمكنا من استمالة الشعبين المصري والأردني تجاه الإسرائيليين.
وفي الحديث عن سياسة الرئيس باراك أوباما مصوّبة نحو بحر الصين وآسيا عموماً، وسياسة سلفه دونالد ترامب الذي بالغ في انحيازه تجاه إسرائيل، يميل فيلتمان للاعتقاد بأنّ المواطنين الأميركيين يتهمون الإدارات المتعاقبة بالاستثمار سياسياً في منطقة الشرق الأوسط، حتى الثمالة. ولذا، هم يريدون إيلاء اهتمام الإدارة إلى مصالح أميركا القومية.
وعليه، يظنّ فيلتمان أنّ الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل جاء استباقاً لاحتمال فوز بايدن، الذي سيصبّ في هذا الاتجاه. ويرى أنّ الإمارات “تلقّفت المشهد المقبل باكراً، وتصوّرت شكل السياسة الأميركية المقبلة في حال فاز المرشح الديموقراطي، خصوصاً أنّ سمعتها قد تضرّرت جراء حربي اليمن وليبيا، ونتيجة قربها من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان”.
إذاً، ملفات المنطقة كلها مجمّدة ومصير شعوبها متوقّف على مزاج الناخب الأميركي من الآن وحتى يوم الثلاثاء الأول من شهر تشرين الثاني المقبل!