تستمرّ فصول المعركة المسيحية داخل البيت الماروني. الهجوم العنيف الذي شنّه سليمان فرنجية على التيار الوطني الحرّ، ورئيس الجمهورية وجبران باسيل، يبدو أنّه مستمر. ويطال في شظاياه كلّ الحلفاء. الموقف المضمر غير المعلن في كلام فرنجية، كان تصويباً على حزب الله، وهو بذلك يتلاقى مع وجهات نظر لدى قوى متعدّدة، يمثّلها سعد الحريري، ونبيه بري، ووليد جنبلاط، إذ يحمّلون حزب الله مسؤولية دلال عون وباسيل وتحقيقهما كلّ ما يريدانه بالاستناد إلى دعم الحزب. بحسب الهمس الدائر في الأوساط السياسية، تفيد المعلومات بأن حزب الله منزعج إلى حدّ بعيد من رئيس تيار المردة الذي شنّ هجوماً مباشراً على رئيس الجمهورية.
وجاءت إطلالة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على قناة “أو تي في otv”، متماشية مع مضمون رسائل متناقلة تكشف عتب حزب الله على فرنجية، وتمنح المزيد من الدعم والغطاء لعون وباسيل. يعرف رئيس التيار الوطني الحرّ مكانته لدى حزب الله فيتدلّل. ليست المرّة الأولى التي يُخذل فيها الحزب حلفاءً له كرمى لعيون عون وجبران باسيل.
إقرأ أيضاً: الصيّاد سليمان فرنجية الطامح ليصير “أسد الغابة”
وعلى الرغم من محاولة حزب الله تحييد نفسه عن سجالات حلفائه، وسط رجاحة الكفة بوضوح لصالح باسيل، إلا أن الأخير لم يكتفِ ولم يرتوِ، بل مرّر في مؤتمره الصحافي الطويل، “لطشة” للحزب بأنّه لا يدعمه حتّى النهاية في معركته ضدّ الفاسدين، ويتركه وحيداً في هذه المواجهة. وهذه محاولة جديدة من قبل رئيس التيار الوطني الحر لابتزاز حزب الله أكثر واستمالته الى جانبه، مقدّماً ورقة اعتماد جديدة، وهي “السوق المشرقية” من سوريا إلى العراق والأردن وفلسطين ومصر، وسط الإصرار على استثناء دول الخليج.
للتذكير، فإنّ لقمة الرئاسة سحبت من فم سليمان فرنجية، لأنّ عون هو مشروع حزب الله وحصانه الرابح بما يمثّله من رقعة مسيحية تطال كلّ الجغرافيا اللبنانية. بينما سليمان بك لديه تمثيل محصور في زغرتا. تلقّى نبيه بري صفعات كثيرة من التيار الوطني الحرّ وعون وباسيل بالأخص، وبعد أن ضرب باسيل بيديه على طاولة الحوار في عين التينة معلناً إنهاءها ومقاطعته لها، حصل اشتباك مع برّي الذي استاء من تصرّف باسيل. لكن بعدها بأسبوعين جرى انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وهذه من كبائر السياسة بالنسبة إلى برّي. استمرت الصفعات إلى حدّ وصف باسيل لبري بـ”البلطجي”، لكن بعد عاد بري واضطرّ إلى استقبال باسيل باعتذار شكلي.
فرنجية لا يجرؤ على مغادرة مركب حزب الله، وكذلك بالنسبة إلى برّي. للحريري حسابات قوية مع الحزب، ويراهن على العلاقة معه للعودة إلى السراي
كلّ هذه مؤشرات تفيد بأن باسيل هو مشروع حزب الله، وإن لم يلتزم الحزب بأيّ موقف علني حيال دعم رئيس التيار الوطني الحر لرئاسة الجمهورية على غرار ما حصل مع عون. إطلالة نعيم قاسم على قناة “أو تي في otv” إشارة داعمة لباسيل بوجه فرنجية، وهي لا تنفي توجّهاً سرى في بعض أوساط حزب الله قبل فترة، يخلص إلى أن فرنجية كسول ولا يبذل جهداً لتعزيز حضوره على الساحة المسيحية، بخلاف باسيل الذكي والمبتكر والذي يستمرّ بحركة دائمة لتعزيز حضوره ووجوده وقوته وفعاليته. وهذه بالذات هي المقوّمات التي يريدها حزب الله للاستمرار في توفير الغطاء المسيحي لنشاطه، بعد نجاحه مع التيار الوطني الحرّ في إضعاف السنّة كقوة مركزية مؤثّرة في المعادلة السياسية.
طبعاً، إن ارتباط مشروع حزب الله بمشروع عون وباسيل، هو أبعد من مجرّد تفاهمات ظرفية أو مصلحية. هناك تلاقٍ استراتيجي بين الطرفين، لا يخرج عن سياق حاجة دولية لمثل هذه التكتلات التي تحيي منطق العصبيات وتشدّدها، بما يشكّل مقابلاً للتهويد الإسرائيلي لفلسطين وعلى مشارف صفقة القرن. وهذا ما يرتبط بشكل مباشر بجملة أساسية قالها باسيل حول انعدام وجود خلاف أيديولوجي مع اسرائيل وأن لها الحق بأن تعيش بسلام، من قناة “الميادين” القريبة من إيران وحزب الله.
في مقابل هذا التحالف القوي والمتين، لا يبرز وجود أيّ مقوّمات لقيام تحالف معارض. فرنجية لا يجرؤ على مغادرة مركب حزب الله، وكذلك بالنسبة إلى برّي. للحريري حسابات قوية مع الحزب، ويراهن على العلاقة معه للعودة إلى السراي. وليد جنبلاط غير قادر على المواجهة. ولذلك فكلّ الكلام عن تشكيل جبهة معارضة، لا يعدو كونه غير واقعي. القوام الأساسي لجبهة كهذه يفترض أن تكون رافعته وعماده أكثرية شعبية لا تتوفّر إلا عند الطائفة السنية، والتي تغرق قياداتها بسبات عميق، يتلّهون في صراعاتهم الجانبية، أو في التنازل عن ثوابتهم في سبيل الوصول إلى موقع رئاسة الحكومة.