بعد ثلاثة أسابيع من إرسال رئيس الجمهورية ميشال عون ملاحظاته على التشكيلات القضائية إلى رئاسة الحكومة، ساد صمت مطبق على كافة “الجبهات” المعنية بالمناقلات القضائية العالقة. لكن وفق معلومات “أساس” لا يوجد توجّه لدى رئاسة الحكومة للردّ على كتاب الملاحظات، “والأرجح اعتباره كأنّه لم يصل حيث لا مفاعيل قانونية وعملية له”.
أما على خطّ مجلس القضاء الأعلى فـ”تطنيش” كامل كون الملاحظات أصلاً غير موجّهة إليه. لكنّ دائرة الاستياء من التصرّف الرئاسي وتوجيهات مستشاري بعبدا تكبر أكثر، فيما استقالة رئيسه القاضي سهيل عبود غير واردة الآن لكنّها ورقة موضوعة على الطاولة، وفق تأكيدات المطلعين.
إقرأ أيضاً: عون يقبل استقالة جرمانوس… و”يَنسف” التشكيلات!
ويجزم مواكبون لمسار التشكيلات أنّ “تخريجة التمويه على عدم توقيع رئيس الجمهورية على التشكيلات أتت سيئة جداً، ومشغولة بروحية فيها الكثير من الفوقية والتدخل بعمل السلطة القضائية”.
في التاسع من حزيران، وفي كتاب وجّهه المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير إلى رئيس الحكومة حسان دياب بواسطة الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، فنّدت رئاسة الجمهورية ملاحظاتها على مرسوم التشكيلات القضائية العالق منذ شباط الماضي.
لكن بغضّ النظر عن مضمون هذه الملاحظات اعترت “المُراسلة” الرئاسية مخالفات فاضحة في الشكل دفعت “المُرسَل لهم” الى إعتبارها غير ذات قيمة قانونية يصعب الالتزام بها وتنفيذها أو الردّ عليها!
المخالفة الثانية، وفق المصادر، فهي الطلب من رئيس الحكومة إبلاغ هذه الملاحظات إلى الوزراء المعنيين “على سبيل الاطلاع والاعتبار”
وتشير مصادر قضائية رفيعة لـ”أساس” إلى “مخالفتين في الشكل: الأولى من خلال مخاطبة رئاسة الحكومة أعلى سلطة تنفيذية عبر مدير عام رئاسة الجمهورية التابع إدارياً لرئيس الحكومة يبلّغه فيها ملاحظات عون على مشروع المناقلات القضائيّة، مع العلم أنّ الرئيس دياب وقّع فوراً المرسوم دون النظر الى مضمونه”.
وكان لافتاً في هذا السياق تفنيد النائب السابق نقولا فتوش في مطالعة مسهبة التشكيلات القضائية معتبرة إيّاها “صحيحة وقانونية ونافذة”، ومؤكّداً أنّ “التوجيهات توجّه من الرئيس التسلسلي إلى الموظفين، ورئيس الحكومة والوزراء ليسوا بموظفين فقد أصبحوا بعد تعديل الدستور عام 1990 تناط بهم وبمجلس الوزراء السلطة التنفيذية ، أي أصبحوا همّ الحكم وليسوا بأمناء سر. ورئيس الحكومة هو رئيس السلطة التنفيذية ولا يخاطبه مدير عام بكتاب يتضمّن تقريعاً وإنتقاداً وتوجّهات متجاوزاً الأعراف الدستورية والقانونية”.
أما المخالفة الثانية، وفق المصادر، فهي الطلب من رئيس الحكومة إبلاغ هذه الملاحظات إلى الوزراء المعنيين “على سبيل الاطلاع والاعتبار”. وهي عبارة تختزن الكثير من الفوقية الخارجة عن لياقات التخاطب بين الرئاسات، وكأنّ هناك من يريد أن يلقّن الوزراء درساً ويؤدّبهم لـ “يعتَبروا” بسبب وضع تواقيعهم على المرسوم.
وتضيف المصادر: “إذا افترضنا تمّ التطنيش عن هذه المخالفات في الشكل، فكيف يمكن تنفيذ هذا “التبليغ”؟ الوزراء المعنيون همّ وزير المال الذي لا علاقة له بالتشكيلات وتوقيعه عليها يأتي ربطاً بجانبها المالي المتعلّق بالرواتب، أما وزيرة الدفاع فوقّعت المرسوم بعد طلب شطب الفائض الذي استجاب له مجلس القضاء الأعلى ولم تدخل أصلاً في لعبة الأسماء والمعايير. أما وزيرة العدل المعنية الأساسية بالمرسوم فسبق لها أن أعطت ملاحظاتها على التشكيلات وأرسلتها إلى مجلس القضاء الأعلى الذي ردّها بالإجماع. فماذا يفترض بها أن تفعل أكثر من ذلك؟ هل ترسل ملاحظاتها مرّة جديدة على ضوء ملاحظات رئيس الجمهورية؟ ووفق أي موجب قانوني؟”.
بتأكيد المطلعين فإنّه “ليس وارداً في قاموس أيّ رئيس حكومة في هذه الحال أن يكرّس هذه السابقة في الالتزام بملاحظات رئاسية خارجة عن سياق أي معطى قانوني مُلزم وتتضمّن تعالياً غير مألوف. فكتاب الردّ معجون بمخالفات حتّى في سياق سلوكيات التعاطي بين الرئاسات، ويشبه بالون الهواء الذي لا هدف منه سوى التعمية على تمنّع رئيس الجمهورية عن توقيع المرسوم”.
وفيما كان لافتاً نشر موقع رئاسة الجمهورية في 9 حزيران خبر ردّ الرئيس عون مرسوم التشكيلات القضائية ثم حذفه ليصحّح بالقول إنّ “الرئيس عون ردّ التشكيلات القضائية مع ملاحظاته عليها”، فإنّ المعلومات تفيد، وبعكس ما تردّد، أنّ مرسوم التشكيلات لم يردّ الى رئاسة الحكومة، بل هناك فقط ملاحظات يجزم أهل القضاء أن “لا قيمة دستورية وقانونية لها”، ويذهب بعضهم الى حدّ السخرية قائلاً: “لنفترض أن رئيس الحكومة كَبَسَ زرّ العودة إلى ما قبل “الطائف” وقَبِل أن يكون باش كاتب، فهل يرسل رئيس الجمهورية الملاحظات إلى الوزراء المعنيين بالتشكيلات ويقول لهم “اعتَبِروا وتعلّموا”!! وهل يجوز لوزيرة العدل أن تخاطب مجدداً مجلس القضاء الأعلى؟ وبأيّ حق؟”.
مرسوم التشكيلات هو مرسوم عادي لا تنطبق عليه المادة 65 من الدستور، وبالتالي يستطيع رئيس الجمهورية أن يوقّعه أو يتمنّع عن التوقيع
يُذكر أنّ الملاحظات الرئاسية تضمّنت إشارة إلى أنّ “إعادة النظر في هذه المناقلات أمر متاح في كل حين ومناسبة، ومتروك لتقدير مجلس القضاء الأعلى”. فيما الأخير مارس الصلاحيات الممنوحة له قانوناً بحيث أصرّ على التشكيلات بالإجماع. فهل المطلوب منه، وفق مصادر قضائية، “أن ينكسر بما يؤشّر لإمعان متمادٍ في التدخّل بشؤون السلطة القضائية؟”.
وبالتالي لن يبادر مجلس القضاء الأعلى إلى أي ردّة فعل أو إلى الردّ على ملاحظات لم تصله أصلاً.
وتؤكّد المعلومات في هذا السياق أنّه “بعد صدور التشكيلات أبدى القاضي عبود رغبة بالاجتماع مع رئيس الجمهورية بهدف توضيح مسار هذه التشكيلات والتأكيد له أنّه لم يتصرّف إلا ضمن الروحية التي قال له إنّه سيعمل من خلالها حين تمّ تعيينه بعيداً عن أيّ ضغوط سياسية، لكنّ مستشار الرئيس سليم جريصاتي ضَغط بهدف عدم حصول هذا اللقاء متذرّعاً بأنّ اللقاء قد يفاقم الامور سوءاً”.
في سياق موازٍ، يقول قانونيون إنّ “مرسوم التشكيلات هو مرسوم عادي لا تنطبق عليه المادة 65 من الدستور، وبالتالي يستطيع رئيس الجمهورية أن يوقّعه أو يتمنّع عن التوقيع، لكن يجب الأخذ بالإعتبار أنّ رئيس الجمهورية يُحاسَب عند خرقه الدستور والخيانة العظمى، وإذا كان عدم التوقيع بهذا الشكل يشكّل خرقاً للدستور بأمر أساسي يمسّ السلطة القضائية، كما يقول العديد من الخبراء الدستوريين، ويمكن أن يصنّف ضمن هاتين الحالتين فيتعرّض للمحاسبة الدستورية، وهو أمرٌ يصعب جداً أن يحصل، لكن بالتأكيد ما حصل هو موضع مساءلة أمام الرأي العام”.