مع مضيّ أسابيع عدّة على فرض الإجراءات المشدّدة لتقييد الحركة في المجتمعات، ومنع الاختلاط في الأماكن العامة، بدأ مسار معاكس في التخفيف التدريجي من هذه القيود، في محاولة للمواءمة بين مكافحة انتشار العدوى وتجنيب الناس كارثة اقتصادية مؤكدة عنوانها الفقر والجوع. لكن ما هي المعايير المعتمدة؟ وهل هي وفق استراتيجيات معيّنة؟ وهل ثمة تبادل معلومات بين الدول بما فيه الكفاية من أجل الإفادة من التجارب المختلفة؟
السؤالان المركزيان اللذان يتردّدان في كلّ بلد في أرجاء العالم اليوم، سواء كانت القيود شاملة أو جزئية، فهما: متى تُرفع قيود العزل والحظر؟ وكيف تُرفع هذه القيود؟
إقرأ أيضاً: دراسة حديثة عن كورونا: نحتاج لقاحات عديدة لبيئات متنوّعة
إنّ إجراءات العزل المنزلي وحظر التجوّل والاختلاط، ضرورية لكبح جماح الفيروس. لكنّ العودة إلى العمل من أجل كسب المعيشة هي ملحّة أيضاً. بل إنّ منظمة العمل الدولية (ILO) وهي إحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة، حذّرت من أنّ إلزام الناس بالبقاء في المنازل يعرّض للخطر ما لا يقلً عن 1.6 مليار شخص. ومعظم هؤلاء هم عمّال لا يملكون مورداً ولا ضماناً صحياً. ومن يعمل منهم فعلاً، لا يمكنه القيام بعمله في المنزل.
ولا عمل يعني أنّه لا طعام، ولا مال لدفع الإيجار.
صحيح أنّ الحكومات قدّمت دعماً مالياً لمواطنيها بأشكال متنوّعة، لكن ذلك راكم عليها الديون. وإذا ما توقّف هذا الدعم، فإنّ أحوال المرضى ستزداد سوءاً بسبب فقر الحال.
“برنامج الغذاء العالمي” حذّر من أنّ 265 مليون شخص سيعانون من الجوع في نهاية 2020، أي ضعف العدد المرصود ممن كانوا يواجهون أزمة الغذاء قبل جائحة كورونا.
كلّ هذا يدفع الدول إلى اتخاذ قرارات معاكسة للإجراءات الصارمة نحو استئناف الحياة الاقتصادية والاجتماعية، في وقت ما زال الفيروس يسلك مساره التصاعدي، إصاباتٍ ووفيات. فإذا ما رُفعت القيود قبل الأوان، فسيؤدي ذلك إلى إطالة أمد الأزمة.
ومع ذلك لا يوجد نموذج واحد لتخفيف القيود في كلّ البلدان. في حين أنّ “منظمة الصحة العالمية” كانت قدّمت إرشادات إلى البلدان التي تنوي رفع قيود العزل، فحواها ضرورة التحكّم بمسار العدوى، وإلا سيعود مجدّداً في غياب اللقاح.
تستند المنظمة إلى دراسات وتهتدي بتجربة عقود من مكافحة الأمراض المُعدية. والعدوى في كثير من البلدان، تبدو خارج السيطرة، وينبغي تقليص نسبة انتشار الوباء بين الناس بحيث لا تظهر الإصابات إلا على نحوٍ متفرّق، أو في مناطق محدّدة. وهذا بدوره يحتاج إلى نظام صحي للتفتيش والفحص والعزل، ومعالجة حالات الإصابة، كما تعقّب الأفراد المخالطين للمُصابين، وهذا يعني توافر فرق كبيرة من المتعقّبين.
يقول الدليل الإرشادي لمنظمة الصحة العالمية، إن الدول التي تحتاج إلى تقليل نسبة العدوى في البؤر الساخنة للوباء، مثل دور العناية بالعجزة أو التجمّعات العامة، مثل المدارس وأماكن العمل، ينبغي أن تزوّد بالتجهيزات المناسبة حتّى يصبح ممكناً تطبيق التباعد الاجتماعي.
“منظمة الصحة العالمية” و”منظمة العمل الدولية” دعتا الحكومات إلى “الاستمرار في توفير الدعم المالي وأشكال أخرى من الدعم إلى المجموعات السكانية الأكثر حاجة”.
تبيّن للباحثين أنّ 50 بلداً على الأقل تفتقر إلى السياسات الملائمة في مجالات الفحص وتعقّب المخالطين للمصابين، وعزل المصابين
ويقول باحثون في معهد “بلافاتنيك” للحكم في جامعة أوكسفورد ببريطانيا، إنّه بحلول الأول من أيار، لم ينفّذ أيّ بلد حتّى أربعة من المعايير التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية. وذلك التقييم تمّ في اجتماع لفريق مؤلف من 150 مشاركاً في الجامعة. فقط ترينيداد وتوباغو وكرواتيا وكوريا الجنوبية من الدول التي اقتربت من هذه المعايير.
وهذا سببه على نطاق واسع، أنّ معظم البلدان (أكثر من 150 بلداً) لم تستطع تنفيذ الشرط الأول بشأن كوفيد-19، وهو تقليص العدوى به إلى مجرّد حالات متفرّقة، أو مجموعة إصابات في مناطق محدّدة.
أكثر من ذلك، تبيّن للباحثين أنّ 50 بلداً على الأقل تفتقر إلى السياسات الملائمة في مجالات الفحص وتعقّب المخالطين للمصابين، وعزل المصابين.
مثل هذه الإجراءات، فضلاً عن التباعد المادي، كانت أساسية في الصين لجعل مستوى الإصابات تحت السيطرة منذ رفع القيود على السفر في شباط الماضي.
وكان معهد “بلافاتنيك” قد جمع المعلومات من المصادر العامة المتاحة عن كيفية استجابة الحكومات للوباء، وانكبّ على النظر في تطابق إجراءاتها مع معايير “منظمة الصحة العالمية”. وتولّى ذلك فريق بحثي تحت اسم “فريق أوسكفورد لدراسة الاستجابة الحكومية للوباء كوفيد-19 (OxCGRT)”. وتكوّن الفريق من أكثر من 100 طالب في الجامعة، وآخرين من كافة أرجاء العالم.
وفي 4 أيار الحالي، قام المجتمع الدولي بقيادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة بجمع مبلغ 8 مليارات دولار لأغراض البحث والتطوير في موضوع الوباء كوفيد-19. وتعهدت هذه الدول بالتعاون مع “منظمة الصحة العالمية” من أجل تسريع الجهود الهادفة لتصنيع اللقاحات والعلاجات.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا