ماذا يخبِّئ التقارب التركيّ – الإماراتيّ للمنطقة؟

مدة القراءة 5 د

يبدو أنّ الإمارات تريد أن تستهلّ العام الجديد بصفر خصومات، وبدا ذلك جليّاً في الربع الأخير من 2021، من خلال المبادرات التي قامت بها لإحلال السلام وتهدئة التصعيد، من سوريا إلى تركيا، وقبلها قطر، ومع ترقّبٍ لزيارة مستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد لطهران هذا الأسبوع. لكنّ زيارة وليّ عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد لأنقرة، ولقاءه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، كان لهما طابع خاصّ، ولا سيّما أنّهما الأوّلان بهذا المستوى بين البلدين منذ عقد.

وقد اتّفق الجانبان على جملة من الاتفاقيّات ومذكّرات التعاون في مجالات التجارة والطاقة والبيئة وتغيّر المناخ، مع إعلان الإمارات إنشاء صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في قطاعات متعدّدة بالاقتصاد التركي. وانعكست أجواء زيارة بن زايد بشكل إيجابي على الليرة التركية التي كانت قد انخفضت إلى مستوى قياسيّ.

أوضح المحلّل التركي يوسف إريم أنّ “إردوغان بقي في السلطة بسبب الاقتصاد، لذلك لا يرغب بأن يضعف الاقتصاد قبل الانتخابات المزمع إجراؤها عام 2023. وفي المقابل يملك الإماراتيون المال الذي يمكِّنهم من الدفع بالاقتصاد التركي”

إذاً أتى الشيخ بن زايد إلى العاصمة التركيّة في إطار حملة دبلوماسية لإنهاء الخلافات الإقليمية التي طبعت منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من عشر سنوات، بحسب تقرير نشرته شبكة “سي إن إن” التي ثمّنت اللقاء بين وليّ العهد وإردوغان، مذكّرةً بالتنافس الإقليمي بين البلدين وتأثيره على المنطقة، واعتبرت أنّ هذه الانفراجة في العلاقة قد تؤسّس لمرحلة جديدة في المستقبل.

وتطرّق المقال أيضاً إلى دعم بن زايد للجيش المصري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، وتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر. وفي ليبيا، دعم بن زايد الجنرال خليفة حفتر في محاولته لانتزاع السلطة من الحكومة التي تحظى باعتراف الأمم المتحدة، وترتبط بجماعة “الإخوان المسلمين”، ويدعمها إردوغان.

أوضح المحلّل التركي يوسف إريم أنّ “إردوغان بقي في السلطة بسبب الاقتصاد، لذلك لا يرغب بأن يضعف الاقتصاد قبل الانتخابات المزمع إجراؤها عام 2023. وفي المقابل يملك الإماراتيون المال الذي يمكِّنهم من الدفع بالاقتصاد التركي”. لكن ما ستقدّمه أبو ظبي لن يكون بدون مقابل في المنطقة، وعلى سبيل المثال في ليبيا، ولذلك ستكون له تداعيات على قواعد اللعبة.

إضافةً إلى الاقتصاد وحلّ الخلافات، يعزو بعض المراقبين التقارب إلى عدم الثقة بالتزام الولايات المتحدة اتّجاه قضايا الشرق الأوسط، وتركيز الرؤساء الأميركيين على آسيا، الأمر الذي يدفع القادة بالمنطقة إلى التفكير في تنظيم أمورهم، ويبدو أنّ الإمارات عازمة على جعل المنطقة أكثر أماناً، وتهدف إلى أن يُنظر إليها على أنّها “صانع السلام الرئيسي في المنطقة”. في هذا السياق، يقول عبد الخالق عبدالله، الأستاذ الإماراتي المتخصّص بالعلوم السياسية: “تحاول الإمارات تعزيز نفوذها الإقليمي، وتحاول إظهار نفسها صانعة سلام. لقد سئمنا من عدم الاستقرار والصراعات وتنازع المصالح التي لم تقدّم الربح لأيّ طرف”.

قال منسّق مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، إنّ الردّ لم يكن معلناً، مضيفاً أنّ هذه المسائل “لا نتحدّث عنها دائماً، وما يُقال عن أنّنا لم نفعل شيئاً هو كلام غير دقيق”

ويبدو أنّ الزيارة الإماراتية لتركيا وسوريا هي حلقة ضمن مجموعة أوسع من التغيّرات الإقليمية. فالعراق، على سبيل المثال، برز صلة وصل وتقارب في المنطقة، ولا سيّما من خلال التوسّط في المحادثات بين المملكة العربية السعودية وإيران، على الرغم من عدم وضوح نطاق المحادثات، إذ لا تزال بعض المسائل المتعلّقة بالجماعات المسلّحة التابعة لإيران في لبنان والعراق واليمن محور جدل.

وقد ظهرت أصوات مغايرة عن السابق بما خصّ الاتفاق النووي مع إيران. فالأجواء التي تبثّها واشنطن لا تلقى آذاناً صاغية، وبدا ذلك في خلال مشاركة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في الجلسة الافتتاحية لمنتدى الأمن الإقليمي “حوار المنامة” في البحرين، التي انعقدت بحضور دولي واسع. إذ أشار المسؤول الأميركي إلى أنّه لمسَ قلقاً لدى الحلفاء “من أنّ بلاده غير ملتزمة بالمنطقة”، قائلاً: “نحن ملتزمون بهذه المنطقة. نتمتّع بقدرة كبيرة، فلا يزال لدينا عشرات الآلاف من القوات هنا، وأؤكّد أنّنا لن نتخلّى عن هذه المصالح التي دافعنا عنها لسنوات”. وردّاً على تطميناته، سأله أحد المشاركين عن سبب عدم الردّ على الهجوم الذي تعرّضت له قاعدة أميركية في التنف في سوريا الشهر الماضي.

من جهته، قال منسّق مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، إنّ الردّ لم يكن معلناً، مضيفاً أنّ هذه المسائل “لا نتحدّث عنها دائماً، وما يُقال عن أنّنا لم نفعل شيئاً هو كلام غير دقيق”.

إقرأ أيضاً: الإمارات بعد 50 عاماً… نقطة مضيئة في الظلام العربي

في الختام، يبدو أنّ الزمن يتغيّر، وتعيد الدول صياغة سياساتها، وتستعدّ لتقليل الولايات المتحدة انخراطها في المنطقة، وتدرك أهميّة أن تلعب أدواراً جديدة. وهذه الموجة من التقارب بين هذه الدول ستظلّ قائمة، بغضّ النظر عمّن سيكون سيّد البيت الأبيض في الدورة الرئاسية المقبلة.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…