بعد عقدٍ على اندلاع الحرب السورية، بدأ الانفتاح العربيّ يأخذ مساراً جديداً نحو دمشق، بدءاً من إعادة بعثات وفتح سفارات والتواصل الهاتفي بين الرئيس السوري والملك الأردني، وصولاً إلى زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان العاصمة السورية أخيراً، التي أثارت التساؤلات عن إمكانيّة عودة سوريا إلى الحضن العربيّ وإنهاء عزلتها.
ناقشت مديرة مكتب “واشنطن بوست” في بيروت ليز سلاي، والكاتبة سارة دعدوش، التطوّرات الأخيرة على الساحة السوريّة، في مقال لهما لفت إلى أنّ الرئيس بشار الأسد تلقّى دفعاً مهمّاً في الأسابيع الأخيرة، من خلال إعلان دول عربيّة جهوزيّتها لإعادة التواصل مع نظامه بعد نبذه لحوالي عقد، فزادت الآمال في دمشق بتدفّق استثمارات للمساعدة في إعادة بناء البنى التحتية وتعزيز الاقتصاد.
أوضح مسؤول أميركي بارز أنّ العديد من التحرّكات نحو التطبيع، ومن بينها إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وسوريا في العام 2018، بدأ في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، أي في مرحلة العقوبات القصوى على سوريا
ورأى مراقبون أنّه يمكن ترجمة الاتصالات الأخيرة بأنّها استعداد جديد للموافقة على بقاء الأسد، بين الدول العربية التي كانت قد قدّمت الدعم لمعارضيه، وصولاً إلى إبعاد سوريا عن مقعدها في جامعة الدول العربية.
وينقل المقال عن المحلّل السياسي في الإمارات العربية المتحدة عبد الخالق عبد الله قوله: “بعد ما يقارب 11 عاماً من المقاطعة، حان الوقت لقلب الصفحة واستئناف فصل جديد في تاريخ سوريا وإعادتها إلى الحضن العربيّ”، وتوقّع أن تتجاوز دول عربية أخرى تردّدها قريباً، وأن تحذو حذو الإمارات في إعادة التعامل مع الأسد، من غير استبعاد اتّخاذ خطوة مهمّة تتمثّل في إعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية.
وبينما أتت الخطوة الإماراتية، في ظلّ التفكير في مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، اعتبر المحلّل عبد الله أن لا أحد يرغب بالتواصل مع الأسد من الناحية الأخلاقيّة، لكنّ “ما يجري مبرّر سياسياً، وإذا ما سارت الأمور وفقاً لِما هو مخطّط حقّاً، فيعني ذلك القليل من نفوذ إيران والمزيد من التأثير العربي في سوريا”.
ماذا عن الدول العربيّة الأخرى؟
أشارت الكاتبتان إلى الموقف القطري الذي يمكن تلخيصه بأن لا تفكير في الدوحة في إعادة التعامل مع سوريا من دون إجراء عمليّة تهدف إلى الإصلاح والمساءلة. وقال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني للصحافيين: “تطبيع العلاقات مع نظام الأسد ليس خطوة نفكّر فيها أو نهتمّ بها الآن”.
وفي معرض ردّه على سؤال، خلال مقابلة مع قناة “CNBC” الأميركية، عن تفكير السعودية في التواصل مع الأسد أسوة بالعديد من الحكومات، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان: “السعوديّة لا تفكّر في ذلك حاليّاً”.
أمّا مصر التي قد تلعب دوراً رئيسياً في ضمان إعادة قبول سوريا بالكامل في العالم العربي، لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية تماماً مع دمشق، وأبقت التواصل مع مسؤولين سوريين، فيما كانت تضغط لإحراز تقدّم في المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة منذ سبع سنوات بشأن عملية الإصلاح السياسي في سوريا، لكن من دون نتائج.
رأى مراقبون أنّه يمكن ترجمة الاتصالات الأخيرة بأنّها استعداد جديد للموافقة على بقاء الأسد، بين الدول العربية التي كانت قد قدّمت الدعم لمعارضيه، وصولاً إلى إبعاد سوريا عن مقعدها في جامعة الدول العربية
موقف واشنطن
في العلن استنكرت واشنطن الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الإماراتي لدمشق والتقى خلالها الأسد، وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في مؤتمر صحافي: “نحن قلقون من التقارير التي ترد عن هذا الاجتماع، والإشارة التي يبعث بها”، مضيفاً: “هذه الإدارة لن تبدي أيّ دعم لجهود تُبذل من أجل تطبيع العلاقة مع بشار الأسد أو تعويمه”.
وقال عبد الله إنّ الولايات المتحدة أعلنت عدم تأييدها للنهج الإماراتي اتجاه الأسد، لكنّها لم تحاول معارضة أبو ظبي، وقدّمت ما يُسمّى “الضوء الأصفر” للدول العربية للمضيّ قُدُماً كما ترغب.
من جهته، أوضح مسؤول أميركي بارز أنّ العديد من التحرّكات نحو التطبيع، ومن بينها إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وسوريا في العام 2018، بدأ في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، أي في مرحلة العقوبات القصوى على سوريا. وأكّد المسؤول أنّ واشنطن لم تغيّر موقفها من العقوبات أو حتى سياستها.
عقبات مستمرّة
وبينما تستمرّ العقبات بعد سنوات من الحرب، مؤثّرةً على مناخ الاستثمار في سوريا، تعاني البلاد نقصاً حادّاً في الكهرباء والمحروقات وعدم وجود نظام مصرفيّ فعّال. وأدّت محاولة الحكومة السورية إجبار الشركات على دفع أموال يُفترض أنّها ضرائب مستحقّة، إلى مغادرة رجال أعمال سوريين بلدهم وتعميق الأزمة الاقتصاديّة.
إقرأ أيضاً:
في هذا السياق، توقّع الدبلوماسي السوري السابق المقيم في واشنطن بسام بربندي أن تستمرّ الاتصالات بين المسؤولين الأمنيين والدبلوماسيين والوفود التجارية على مستوى منخفض، وأن تساعد الأسد على تعزيز شرعيّته بين السوريين، وعلى بعث رسالة مفادها “لقد فزنا، ونحن أقوياء وسنعود”، لكنّها رسالة فارغة، على حدّ تعبير المسؤول السوريّ.