بعد فترة قصيرة على توجيه الرئيس الأميركي جو بايدن انتقادات إلى نظيره الصيني شي جين بينغ بسبب غيابه عن قمّة المناخ التي عُقِدت في غلاسكو، اجتمعا في قمّة افتراضيّة عبر الإنترنت، لثلاث ساعات، لمّحا خلالها إلى نيّتهما ضبط الخلافات بين الدولتين، والتهدئة بدل التصعيد.
الكاتب في “واشنطن بوست” ديفيد إغناتيوس اعتبر أنّ بايدن يُجري مناورات بهدف تفادي وقوع أيّ صراع عن غير قصد مع الصين، ويُظهر نهجاً واقعيّاً في السياسة الخارجيّة، وأنّ اللقاء الأخير بين الرئيسين كان بمنزلة حجر الأساس لِما هو مهمّ في العلاقات الثنائيّة، وبداية لمرحلة تقلّ فيها مخاطر حدوث كارثة عالمية.
وعلى الرغم من عدم وضع الرئيسين خطة لمتابعة النقاشات المرتبطة بالاستقرار الاستراتيجي، إلا أنّ اللقاء بحدّ ذاته يشير إلى مرحلة جديدة من العلاقات، ويحدّ من احتمال حدوث أزمة عسكرية بين البلدين بشأن تايوان أو قضايا أخرى
وكشف الكاتب أنّ بايدن أبلغ الرئيس الصيني خشيته من اندلاع صراع غير مقصود بين البلدين، فيما تقوم الصين بتعزيز وتوسيع ترسانتها النووية بوتيرة سريعة. فردّ شي مؤكّداً دعمه إجراء محادثات في هذه المسألة الحسّاسة في المستقبل.
ولفت إغناتيوس إلى أنّ ترسانة الصين النووية ليست بحجم الترسانتين الأميركية والروسية، لكنّها تتطوّر بشكل سريع، حتى إنّ تقريراً حديثاً للبنتاغون قدّر احتمال امتلاك الصين ألف رأس نوويّ بحلول العام 2030.
وعلى الرغم من عدم وضع الرئيسين خطة لمتابعة النقاشات المرتبطة بالاستقرار الاستراتيجي، إلا أنّ اللقاء بحدّ ذاته يشير إلى مرحلة جديدة من العلاقات، ويحدّ من احتمال حدوث أزمة عسكرية بين البلدين بشأن تايوان أو قضايا أخرى.
والجدير ذكره أنّ بايدن كان قد شدّد على أهميّة تجنّب وقوع أزمات، حتّى قبل المحادثة مع نظيره الصيني. ففي قمّة المناخ، ذكّر بما كان والده يقوله له من أنّ “الصراع الوحيد الأسوأ من الصراع المقصود هو الصراع غير المقصود”. وأوضح مساعدو بايدن قبل اللقاء أنّ سيّد البيت الأبيض يأمل إيجاد “حواجز حماية منطقية” وطرق جديدة لتجنّب حدوث سوء تفاهم.
وبحسب إغناتيوس، فقد تتضمّن الخطوات التي يمكن أن يناقشها الطرفان لاحقاً، أبرز ما يُمكن أن يزعزع الاستقرار، وما يتعلّق بالأمن السيبراني والأسلحة النووية، والحاجة إلى بروتوكولات موثوقة لإجراء الاتصالات في أوقات الأزمات. وأوضح مسؤولون أميركيون أنّ الحوار الرسمي للحدّ من التسلّح، مثل النقاش الطويل الأمد بين واشنطن وموسكو، لن يكون واقعيّاً، خصوصاً أنّ بكين لن توافق على فرض قيود على ترسانتها النووية، إن لم تكُن قوّتها متكافئة مع الولايات المتحدة وروسيا.
أشار مطّلعون إلى أنّ الرئيس الصيني قد يكون بصدد لعب دور بايدن، عبر التركيز على قضايا الاستقرار الاستراتيجي من أجل صرف انتباه واشنطن عن التعامل مع انتهاكات الصين لحقوق الإنسان
حرف الأنظار عن “انتهاكات” الصين
وأشار مطّلعون إلى أنّ الرئيس الصيني قد يكون بصدد لعب دور بايدن، عبر التركيز على قضايا الاستقرار الاستراتيجي من أجل صرف انتباه واشنطن عن التعامل مع انتهاكات الصين لحقوق الإنسان. ويمكن اعتبار التفهّم، الذي أبداه شي، وسيلةً لدفع فريق بايدن نحو جولة جديدة من المحادثات المسدودة الأفق، تكراراً لسيناريوهات حدثت من قبل.
وعلى الرغم من التحليلات، تلقّف مساعدو بايدن استجابة شي بإيجابية، ولا سيّما أنّ الرجلين كانا قد التقيا في كاليفورنيا عام 2013، عندما كان بايدن نائباً للرئيس باراك أوباما، وقد أثار الرئيس الصيني حينذاك إمكانيّة اتّخاذ إجراءات جديدة لمنع وقوع الأزمات بين البلدين.
وأوضح إغناتيوس أنّ واشنطن حاولت غير مرّة أن تُشرك الصين في خطط إدارة الأزمات، مثل الاتفاقية المتعلّقة بالسلامة البحرية عام 1998، واتفاقية أخرى عام 2007، وصولاً إلى العام 2014 وتوقيع اتفاق بشأن الإخطار المتبادل بالتحرّكات والتدريبات العسكرية. لكنّ الصين لم تكن مندفعة في استخدام هذه القنوات العسكرية، وقد يكون السبب أنّ الحزب الصيني الحاكم لا يريد إعطاء السلطة للقادة العسكريين.
وقد أدركت الإدارة الأميركية أهميّة العلاقة مع شي نفسه، بعدما أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي قراراً في 2018 يمنح الرئيس فترة حكم دائمة مدى الحياة، ووضعته في مصاف القائديْن المؤسّسيْن للصين ماو تسي تونغ ودنغ شياو بينغ. ما يعني أنّ شي بات يملك سلطة مطلقة.
إقرأ أيضاً: أغناتيوس: محاولة اغتيال الكاظمي.. ضمنت ولايته الثانية
وذكّر إغناتيوس بذوبان الجليد بين الصين والولايات المتحدة، مع زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون للصين في عام 1972. حينذاك اعتقدت واشنطن أنّ الصين يمكن أن تتغيّر من خلال التعاطي مع الرأسمالية الغربية، وكان يُقال إنّ “الأسواق الحرّة ستجعل الصينيّين أحراراً”، لكنّ هذه الفكرة المثالية تلاشت الآن، وظهر ذلك في كلامٍ قاله مسؤول بارز في الإدارة الأميركية قبل القمّة، ومفاده أنّ “إدارة بايدن لا تسعى إلى تغيير الصين، بل ترغب بحماية مصالح الولايات المتحدة وحلفائها”.
إذاً يبدو أنّ بايدن يطبّق سياسة أكثر واقعيّة، ولا سيّما إذا ما قرأنا ما بين سطور العبرة التي قالها له والده.