تأمين كبار المسؤولين فى مصر من الوزراء والمحافظين، مهمة شاقة تتولاها وزارة الداخلية، وأنشأت لها إدارة خاصة للحراسات، تضم قيادات وضباطا وأفرادا على مستوى عال جدًا من الكفاءة والانضباط والإخلاص، وهم يعملون على مدار ساعات اليوم ودون انقطاع، يتساوى فى ذلك أن يكون المسؤول على رأس العمل، أو أن يكون قد خلد للراحة ساعات قليلة بعد جهد يقوم به على مدار ساعات اليوم، ولا شك أن أمر تأمين كبار المسؤولين، توليه الحكومات فى معظم الدول العناية الكافية والتى تتأثر بالتأكيد بالظروف الأمنية فى كل دولة.
هذه المقدمة، كانت ضرورية لسرد واقعة أراها مهمة فى فهم أوضاع لم أفهمها وقتها، ولكننى أدركتها الآن، والأمر لا يخص شأنا مصريا داخليا، ولكنه كاشف لأوضاع فى بلاد عربية، ثبت أن إيران مؤثرة فى تحرك أوضاعها الداخلية، مثلما يحدث فى كل من لبنان والعراق الآن.
قوات الحشد الشعبى وقوامها، فى الوقت الحالى، يقدر بحوالى 160 ألف مقاتل، لا ترتاح لنتائج الانتخابات وتشكك فى نزاهتها، وفى محاولة لإظهار حزبها السياسى بأكثر من قوته
عندما كنت وزيرًا للنقل فى حكومة الجنزورى (2011 – 2012)، وبحكم عضويتى فى الجمعية العمومية لشركة الجسر العربى، والتى تمتلك العبارات العاملة بين العقبة فى الأردن ونويبع المصرية، فقد حضرت اجتماعا للجمعية العمومية للشركة فى العاصمة الأردنية عمان، وكانت الجمعية العمومية تتكون من وزراء النقل فى مصر والأردن والعراق، وكانت الشركة قد تكونت على إثر اتفاق متميز بين الدول الثلاث فى 1985، وبعد نهاية يوم طويل من الاجتماعات دعانا وزير النقل الأردنى، أنا، ووزير النقل العراقى، إلى عشاء خاص يضمنا نحن الثلاثة.
وفى الطريق إلى مطعم راق صغير للأسماك، دار حديث بينى وبين الوزير العراقى تطرق إلى الأوضاع عندهم وعندنا، والأخطار التى تهدد حياة المسؤولين فى البلدين، فى ذلك الوقت، وسألته عن حجم قوة الحراسة التى يتم توفيرها له، وأفاجأ به يخبرنى أن القائمين على حراسته يتراوح عددهم ما بين 30 و40 شخصا مسلحا، توفر الحكومة البعض منهم، والباقى يوفرهم هو لنفسه، ويتولى تدبير مستلزماتهم المالية والمعيشية.
وأسقط فى يدى، طبعًا، وقتها، ولكننى مع مرور الوقت، منذ هذه الواقعة وحتى الآن، تكشفت لى، وعلى مراحل، كثير من الأمور لم يكن لى أن أستوعبها وقتها، لأن الأوضاع لم تكن بالوضوح التى هى عليه الآن.
كان هادي العامري، ومازال، قائدًا لأكبر ميليشيات شيعية فى العراق، مدعومة بشكل كامل من إيران، ومن الحرس الثورى الإيرانى، مثلما حزب الله فى لبنان
اكتشفت فيما بعد، أن الوزير هادى العامرى، كان، ومازال، هو القائد والمسؤول عن قوات الحشد الشعبى فى العراق، وهى قوات أنشئت على غرار قوات الحرس الثورى فى إيران، وهى ميليشيات شيعية موالية لإيران تمامًا، وكان لها دور كبير فى كل المواجهات القتالية التى جرت فى العراق فى مرحلة ما بعد صدام حسين، ومواجهات فصائل داعش (السنية) ولها الآن حزب سياسى (تحالف الفتح) ودخلت الانتخابات الماضية (2018)، وحصلت على 48 مقعدًا من أصل 329 مقعدًا، وانخفض هذا العدد فى الانتخابات الحالية إلى 16 مقعدًا فقط، منذرًا بتقلص نفوذها السياسى المدعوم من إيران، ولأن تيار الصدر، والشيعى أيضًا، قد حصل على عدد كبير من المقاعد (73 مقعدًا) مما يستدعى أن يكون هو المكلف بتشكيل الائتلاف الحكومى، خاصة أنه بدأ يظهر توجهات أكثر وطنية، ويبتعد قليلًا عن كونه مواليًا تمامًا لإيران، وهو بذلك يحاول أن يحظى بقبول أكبر لدى الشارع والأحزاب الأخرى ليتمكن من تشكيل الحكومة.
ولأن قوات الحشد الشعبى وقوامها، فى الوقت الحالى، يقدر بحوالى 160 ألف مقاتل، لا ترتاح لنتائج الانتخابات وتشكك فى نزاهتها، وفى محاولة لإظهار حزبها السياسى بأكثر من قوته، فإنها تقوم، مدعومة بإيران، باستعراض للقوة لفرض وضعية على الأرض، لا تعكس تمامًا نتائج الانتخابات، ويقود ذلك كله هادى العامرى وهو يحتاج، بالتأكيد، إلى جيش لحمايته وليس مجرد قوة حراسة متواضعة.
إقرأ أيضاً: الأرض تهتزّ تحت 4 عواصم عربية تحكمها إيران
والدرس المستفاد، بالنسبة لى، هو ألا أقفز إلى الاستنتاجات من ظواهر الأمور، فلم يكن هادى العامرى وزيرًا تقليديًا يمكننى القياس عليه فى ترتيبات تأمين الوزراء عندنا وعندهم، ولكنه كان، ومازال، قائدًا لأكبر ميليشيات شيعية فى العراق، مدعومة بشكل كامل من إيران، ومن الحرس الثورى الإيرانى، مثلما حزب الله فى لبنان، وكلاهما يربك الحياة السياسية فى البلدين، ولا يبدو فى الأفق أى مخرج من الأوضاع الحالية إلا بمواجهة الأوضاع الإيرانية فى كامل المنطقة، وما يحدث فى العراق ولبنان، ما هو إلا أعراض لخطر داهم يهدد جميع دول المنطقة.
* وزير مصري سابق
* نقلاً عن “المصري اليوم” المصرية