تعهّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إجراء الانتخابات قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي في 21 أيار المقبل، مؤكّداً أن “لا أحد يستطيع منع إجرائها، وسنصدر دعوة الهيئات الناخبة في 27 آذار 2021، وإذا حدث أيّ تعديل في الموعد، فالانتخابات ستجري حكماً قبل 21 أيار”.
لا تتناسب “وعود” ميقاتي مع واقع أنّ حكومته برمّتها تقع في منطقة الخطر، وأنّ موعد الانتخابات النيابية المفترض لا يزال “نظريّاً”.
لا يتوقّف الأمر عند الأزمات العاصفة التي تهدّد حكومته بالترنّح باكراً، فالواقع أنّ الانتخابات نفسها عرضة للتأجيل لأكثر من سبب، وأنّ الهزّات التي تضرب الجسم القضائي سيصل “عصفها” قريباً إلى المجلس الدستوري الذي سيقدّم نواب التيار الوطني الحر أمامه الطعن بقانون الانتخابات قبل 20 الجاري، تاريخ انتهاء المهلة القانونية لتقديمه.
وفق المعلومات، يبدي سفراء دول بارزة مرونةً حيال موعد الانتخابات، لكنّ الأهمّ، برأيهم، أن تحصل قبل موعد انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي، ومع تعديلات في القانون الحالي أو من دونه
إحدى أبرز موادّ الطعن في قانون الانتخابات، التي ستخلق إشكاليّة سياسيّة تضاف إلى جبل الخلافات بين رئاستيْ الجمهورية ومجلس النواب، هي نصاب الغالبية النيابية بعدما أخذ رئيس مجلس النواب بنصاب الـ 59 صوتاً على أساس العدد الفعليّ لمجلس النواب من دون احتساب المستقيلين والمتوفّين، وعددهم 11 نائباً، وذلك في التصويت الذي أسقط بند اقتراع المغتربين للمقاعد الستّة في “دائرة الاغتراب”، الذي نال 61 صوتاً، فيما اعتبر النائب جبران باسيل أنّ أكثرية النصف زائداً واحداً هي 65 صوتاً استناداً إلى الدستور نفسه الذي يأخذ بالأكثرية على أساس العدد القانوني لمجلس النواب، أي الـ 128 نائباً، وهي أكثرية ثابتة لا تتغيّر.
وهذه المادّة تُضاف إلى بنود أخرى سيطولها الطعن: موعد إجراء الانتخابات في 27 آذار 2022، واقتراع المغتربين لستّة نواب في الاغتراب، والبطاقة المُمغنطة، ومراكز “ميغاسنتر”.
ولذا سيكون المجلس الدستوري معنيّاً بتفسير الدستور ونصاب الغالبية المطلقة، في وقت عكست تجارب المجلس الدستوري في الكثير من الأحيان مصالح القوى السياسية ونفوذها، خصوصاً من خلال عمليّات التعطيل المُمنهَج منعاً لصدور قرارات لا تتلاءم مع توجّهات “المعطّلين”.
وآخر النماذج تطيير نصاب المجلس الدستوري عام 2013 حين كان يدرس الطعن في قانون التمديد لمجلس النواب المقدّم من التيار الوطني الحرّ والرئيس ميشال سليمان.
وفي جلسة المذاكرة حول التقرير الذي أعدّه رئيس المجلس آنذاك الدكتور عصام سليمان، غاب العضوان الشيعيّان والعضو الدرزي، فطار نصاب الحضور المحدّد بثمانية أعضاء من أصل عشرة. وقد تغيّب آنذاك عن جلسة المذاكرة القاضيان محمد بسام مرتضى وأحمد تقي الدين (شيعيان) والقاضي الدرزي سهيل عبد الصمد.
تبدي مصادر في التيار الوطني الحرّ اليوم مخاوفها “من تكرار السيناريو إمّا من خلال تعطيل نصاب الحضور أو الخلاف في الداخل والتصويت ضدّ الطعن الذي يحتاج إلى أصوات سبعة من أعضاء المجلس، مع العلم أنّ هناك مخالفة دستورية واضحة في ما يتعلّق بالتصويت على مادّة اقتراع المغتربين”.
ووفق المصادر نفسها، “إذا قُبِل الطعن، جزئيّاً أو كلّيّاً، يصبح من الصعب جدّاً إجراء الانتخابات في آذار، لكن تبقى فرص إجراء الانتخابات قائمة قبل 21 أيار”.
يقول مصدر سياسي: عدم إجراء الانتخابات سيعرّضنا لضغط كبير جدّاً من المجتمع الدولي قد يفتح الباب أمام نوع “متجدّد” من الوصاية المباشرة
يُذكر أنّ المجلس الدستوري مؤلّف من خمسة أعضاء منتخبين من مجلس النواب، ومن بينهم رئيسهم، وخمسة أعضاء معيّنين.
وفي جلسة انتخاب الخمسة عام 2019، كشف النائب جميل السيّد “بالصدفة عرفنا البارحة أسماء الخمسة الذين جرت التسوية عليهم من وسائل الإعلام، ولم نحصل على المستندات من مجلس النواب في شأن السير الذاتية للمرشّحين”.
هو انتخاب أقرب إلى التعيين بفعل المحاصصة. وقد اُستُكملت معالمه في أيار الفائت مع انتخاب البرلمان القاضي ميشال طرزي عضواً في المجلس الدستوري بديلاً عن القاضي المتوفّى أنطوان بريدي الذي فقد معه المجلس الدستوري نصابه، بعدما كان توفّي العضوان القاضي إلياس بوعيد والقاضي عبد الله الشامي. وفي 31 تشرين الأول الماضي، وقّع رئيس الجمهورية مرسوم تعيين القاضي ألبير سرحان والمحامية ميراي إميل نجم مكانهما.
عمليّاً، وبالتوازي مع تقديم الطعن وبمعزل عن نتائجه، ثمّة أمران أساسيّان يتحكّمان بإجراء الانتخابات التي قد تكون الأصعب على كلّ القوى السياسية منذ التسعينيّات:
– حصول حدث أمنيّ كبير أو مرتبط بسلسلة الأزمات المتناسلة التي تعطّل الحكومة وتُكربج الوضع الداخلي إلى حدّ الاختناق. وهنا يُقال كلام صريح في الغرف المغلقة: “الأقدر على خلق الفوضى، بحكم موازين القوى، هو حزب الله. فهل هو صاحب مصلحة بذلك، خصوصاً أنّه يأتي في أسفل لائحة المتضرّرين من إجراء الانتخابات في هذه الظروف”.
– عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة من قبل رئيس الجمهورية. لكن هل يفعلها الرئيس ميشال عون؟ يجيب قريبون منه: “بيعمل بيّها كمان”. والسؤال: هل يدفع رَفض توقيع المرسوم وزير الداخلية إلى “دَفش” الموعد حتى أيار المقبل، وعندئذٍ يوقّع عون على المرسوم؟
لكن هل احتمال تطيير الانتخابات قائم؟ وما هي تداعياته؟
وفق المعلومات، يبدي سفراء دول بارزة وموفدون يمثّلون هذه الدول مرونةً حيال موعد الانتخابات، لكنّ الأهمّ، برأيهم، أن تحصل قبل موعد انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي، ومع تعديلات في القانون الحالي أو من دونه.
بالمقابل، يبدو الوضع الداخلي بالغ الهشاشة والضعف لمواجهة استحقاق قد يكتسب طابع تكسير الرؤوس، وسيزداد فيه مستوى الشحن الطائفي والمذهبي، ويتطلّب ملايين الدولارات الطازجة، فيما جميع القوى السياسية من دون استثناء تسلّم مسبقاً بإمكانية خسارتها لبعض المقاعد مع تفاوت في نسب الخسارة بينها.
إقرأ أيضاً: بكركي تعبّد الطرق الانتخابية لحاملي عناوينها..
يقول مصدر سياسي في هذا السياق: “عدم إجراء الانتخابات سيعرّضنا لضغط كبير جدّاً من المجتمع الدولي قد يفتح الباب أمام نوع “متجدّد” من الوصاية المباشرة. وفي مطلق الأحوال، يتمّ تطيير الانتخابات إمّا بالتوافق، وهو أمر مستبعد، فلا أحد من الزعامات السياسية يغطّي التمديد لأنّه سيكون انتحاراً، وإمّا بالفوضى الشاملة. وهنا تصبح الانتخابات بحدّ ذاتها مجرّد تفصيل صغير”.