دائرة “الشمال” هي “دائرة الرؤساء”. لأنّها الدائرة التي تضمّ أعداداً من الطامحين لرئاسة الجمهورية هذه الأيام، هم سمير جعجع وجبران باسيل وسليمان فرنجية، ويُضاف إليهم ميشال معوّض وبطرس حرب وربما غيرهم.
شاءت الأقدار أن يجتمع هذا الكمّ من موارنة الصف الأول في دائرة واحدة هي من أكثر الدوائر تداخلاً من الناحيتين السياسية والطائفية، وفي ظرف ربّما هو الأدقّ في تاريخ لبنان الحديث، وهو ما سيجعل كلّاً منهم على الأرجح مضطرّاً إلى رفع شعار “الغاية تبرّر الوسيلة” لتبرير أيّ تحالف انتخابي محرِج قد تفرض حسابات الربح والخسارة القبولَ به.
دائرة “الشمال” هي “دائرة الرؤساء”. لأنّها الدائرة التي تضمّ أعداداً من الطامحين لرئاسة الجمهورية هذه الأيام، هم سمير جعجع وجبران باسيل وسليمان فرنجية، ويُضاف إليهم ميشال معوّض وبطرس حرب وربما غيرهم
وفيما تنشغل القوى التقليدية بالاستعداد لانتخاباتها، تبدو استطلاعات الرأي ناشطة في الدائرة، لكنّها تحمل معها مفاجأة هذه المرّة. ففي معلومات لـ”أساس”، تبلّغت القوى التقليدية أنّ تقدّماً ملحوظاً يرافق بعض الأسماء المرشّحة في هذه الدائرة، وتحديداً اسم الصحافية الزميلة ليال بو موسى، المفترض أن تترشّح عن قضاء البترون.
بو موسى هي واحدة من كثيرين. فها قد شكّل الدكتور ميشال الدويهي والإعلامي رياض طوق وجهاد فرح وسيمون بشاواتي وآخرون ائتلاف “شمالنا” الذي يضمّ ناشطين وناشطات سبق أن انضمّ بعضهم إلى ماكينات حزبية، وبعضهم الآخر انضمّ إلى مجموعات الانتفاضة، وبعضهم الثالث بدأ مسيرة الانخراط في الشأن العامّ انطلاقاً من هذا الائتلاف. يقول ناشطون في “شمالنا” إنّه تحدّى كلّ شيء ليعلن عن نشأته من كفرحزير بالكورة يوم الأحد الماضي. تحدّى الائتلاف كلّ الكلام عن عدم توحُّد المجموعات تحت غطاء واحد، فأعلن خوضه معركة الشمال في لائحة واحدة ذات مشروع سياسي واضح.
وعلى عكس الخلافات التي خرقت المجموعات الأخرى وضبابيّة عناوينها، خصوصاً في ما يتّصل بالعلاقة مع حزب الله، تبدو عناوين ائتلاف الشمال واضحة، إذ تطرح سياديّة الدولة ووحدة السلاح فيها تحت عباءة الجيش اللبناني، وعدم المسّ بالصيغة والدستور في ظلّ تمسّك حزب الله بسلاحه لأنّ أيّ حوار حول أيّ صيغة يُفترض أن يكون بعد حصر السلاح بيد الدولة والجيش اللبناني. هذه أبرز العناوين التي أعلنها ائتلاف الشمال، بالإضافة إلى العناوين الإصلاحية وعناوين بناء الدولة بمؤسّساتها السياسية والقضائية.
لم تكن محطة انطلاق الائتلاف يوم الأحد من الكورة عابرة لدى القوى التقليدية التي تنظر إلى نجاح الناشطين في التوحُّد في لائحة واحدة تهديداً جدّيّاً لها في صناديق الاقتراع. وعليه، وفي معلومات حصلت عليها “أساس”، عمّم أحد الأحزاب في البترون ضرورة عدم مهاجمة بعض أعضاء هذه اللائحة لعدم المساهمة في شدّ عصبها خوفاً من ردود فعل عكسية لمصلحة الائتلاف. فهل تحقّق هذه المجموعات مفاجأة الموسم الانتخابي بخرق دائرة الرؤساء بمقعد نيابي في البترون. فلننتظر ونرَ.
العيون ستكون حتماً شاخصةً إلى “دائرة الرؤساء” ومَن سينجح في تكريس نفسه زعيماً مارونيّاً في معركة 2022 التي توصف بأنّها ستكون أشرس المعارك على الإطلاق
تاريخ التحالفات خارج السياسة
على الرغم من تشابك مصالحهم وتنافس القوى التقليدية وزعاماتها التاريخية المستمرّ، إلا أنّ الدائرة هذه قد سبق أن شهدت تحالفات انتخابية تناقض الخيارات السياسية لكلّ مكوّنات الساحة الشمالية. بين الكورة وزغرتا معارك دامية طبعت ذاكرة أهل البلدات الشمالية. وبين بشرّي والبترون معارك سياسية طاحنة تبعت معارك دامية بين القوات اللبنانية والجيش اللبناني لا تزال محفورة في الذاكرة المسيحية حتى الساعة. لكن مع كل هذا التشابك، تختار قوى الأمر الواقع في هذه الدائرة أن تقفز فوق اختلافاتها لتنسج تحالفات انتخابية ظرفية وكأنّها تتضامن من أجل نجاحها وحدها وتعود لتختلف بعد حجز مقاعدها النيابية.
في انتخابات عام 2018 تحالف ابن تنّورين النائب السابق بطرس حرب، وهو أحد صقور فريق الرابع عشر من آذار، مع صديق سوريا ورئيسها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في لائحة واحدة. أمّا الكتائب التي تلبس عباءة المجتمع المدني اليوم فسبق أن تحالفت مع القوات اللبنانية في البترون. وتحالف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع النائب ميشال معوض، واجتمعا في تكتّل واحد، على الرغم من اختلافاتهما، طمعاً بتجميع حواصل أكثر في القانون النسبي، ثمّ سرعان ما اختلفا وانفصل معوّض عن تكتّل باسيل.
إقرأ أيضاً: استطلاعات “التيار”: حرب باسيل مع نوابه
تقرأ بعض المجموعات “المدنيّة”، وتلك التي خرجت من تحت عباءة الأحزاب السياسية، في هذه الساحة بوادر مواجهة ستكون طاحنة. فالعيون ستكون حتماً شاخصةً إلى “دائرة الرؤساء” ومَن سينجح في تكريس نفسه زعيماً مارونيّاً في معركة 2022 التي توصف بأنّها ستكون أشرس المعارك على الإطلاق.