في أواخر تموز الماضي، خصّصت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عدداً من صفحاتها لسيف الإسلام القذافي، فنشرت أوّل مقابلة صحافيّة أُجريت معه، بعد اختفاء دام عشر سنوات، لمّح خلالها إلى احتمال الترشّح لمنصب رئيس ليبيا في الانتخابات القادمة، وعنوَنت التقرير المطوّل حينذاك بـ”ابن القذافي ما زال حيّاً ويريد أن يستعيد ليبيا”.
وبحسب الصحيفة، فقد استغلّ سيف الإسلام غيابه عن الساحة لمراقبة الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط والعمل بهدوء على إعادة تنظيم القوة السياسية التابعة لوالده معمّر القذافي، والمعروفة باسم “الحركة الخضراء”. وفي حديثه الأول، قال إنّ الحركة التي يقودها بإمكانها أن تعيد للبلاد وحدتها المفقودة: “لقد اغتصبوا بلادنا وأذلّوها. ليس لدينا مالٌ ولا أمنٌ ولا حياة. إذا ذهبتَ إلى محطة وقود، فلن تجد وقوداً. نحن نصدّر النفط والغاز إلى إيطاليا، نحن نضيء نصف إيطاليا، ونعاني من انقطاع الكهرباء. ما يحدث تخطّى حدود الفشل. إنّه مهزلة”.
ومهّد تقرير “التايمز” لعودة القذافي إلى الحياة السياسية في العلن بعد عقد من غيابه. فقد قدّم سيف الإسلام الأحد ملفّ ترشّحه لرئاسة البلاد في مدينة سبها جنوب البلاد، ليُصبح واحداً من أبرز المرشّحين إلى جانب الأسماء المتوقّع أن تقود السباق الرئاسي، وفي مقدّمها اللواء خليفة حفتر، رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، ورئيس البرلمان عقيلة صالح.
لكنّ اللافت أنّ ترشّح القذافي جاء بعد يومين من انطلاق مؤتمر باريس حول ليبيا، الذي تشارك فيه نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووفود من دول عدّة في الشرق الأوسط وأوروبا، يتقدّمهم بالطبع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أنّ المؤتمر انتهى ببيان حثّ الأفرقاء الليبيين على إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد في 24 كانون الأول المقبل، فيما يرى مسؤولون فرنسيون أنّ “إجراء الانتخابات في الوقت المناسب يمكن أن ينجم عنه التوصّل إلى حلّ نهائيّ للأزمات السياسية المتتالية في ليبيا منذ العام 2011”.
وذكرت الصحيفة أنّ بعض المسؤولين في الدول الغربيّة يخشون أن يؤثّر الخلاف بين الفصائل الليبية بشأن توقيت الانتخابات والأسس القانونيّة لإجرائها، على اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ عقده منذ عام في جنيف تحت مظلّة الأمم المتحدة. ولفتت الصحيفة إلى نفاد “الوقت المتاح لتنظيم عملية الانتخاب وتوزيع الأوراق اللازمة للتصويت وتسجيل المرشّحين والسماح لهم بتنظيم الحملات الانتخابية”.
في السياق نفسه، طالب بعض المسؤولين والمراقبين الليبيّين بتأجيل موعد الإنتخابات، خشية أن يؤدّي تنظيمها بسرعة إلى التوصّل إلى نتيجة لا ترضي الجميع، فتندفع ليبيا إلى صراع مرّة أخرى، وفقاً لـ”وول ستريت”.
أمّا من الجهة الأميركية، فأكّد مسؤولون في إدارة بايدن أنّ القرار ملك الليبيّين، لكنّ واشنطن ترغب بمساعدة ليبيا في إجراء الانتخابات في الموعد المحدّد ووفقاً للجدول الزمني الذي حدّدته عملية السلام التي توسّطت فيها الأمم المتحدة. وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركيّة، في حديثٍ مع الصحافيين الذين يرافقون هاريس، إنّ “عدم إجراء الانتخابات في موعدها سيكون عاملاً مزعزعاً للاستقرار”، مضيفاً: “ترى الإدارة أنّ ليبيا لن تتمتّع بحكومة فاعلة العام المقبل إذا لم تُجرَ الانتخابات”.
في السياق عينه، اعتقد المحلّل السياسي والباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية ولفرام لاتشر، في حديث للفايننشال تايمز، أنّ دخول سيف الإسلام البازار الانتخابيّ قد يدفع بالشخصيّات النافذة الأخرى والمرشّحين المحتملين، الذين يسعون إلى تأجيل أو وقف إجراء الانتخابات، إلى تكثيف وتعزيز جهودهم. وأوضحت الصحيفة أنّ بين القوى السياسية في شرق وغرب ليبيا خلافات على الإطار القانوني لتنظيم عملية الانتخاب، وهو ما قد يشير إلى أنّ المرشّحين، الذين سيخسرون الانتخابات، سيرفضون النتائج.
بحسب “واشنطن بوست“، قالت كلوديا غازيني، وهي محلّلة بارزة للشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية، إنّ “الأزمة السياسية في ليبيا تحوّلت من ساخنة إلى حارقة”.
وأضافت الباحثة في معهد الشرق الأوسط ماري فيتزجيرالد أنّ “ترشُّح القذافي، وإن لم يكن غير متوقّع تماماً، إلا أنّه يزيد من تعقيد عملية الانتخاب التي تشهد نزاعاً بالأصل”، ورأت أنّ “المرشّحين المحتملين الآخرين قد يخشون تشتّت أصواتهم بعد بروز القذافي إلى الواجهة، ولذلك يمكن أن تشهد ليبيا إعادة تشكيل التحالفات في الأسابيع المقبلة”.
الأهم هو ما نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية مقالاً أشار إلى أنّ نجل القذافي، الذي انضمّ إلى السباق الرئاسي في ليبيا، “قاد علاقات والده السريّة مع إسرائيل قبل العام 2011“.
وكانت الصحيفة الإسرائيلية قد كشفت الأسبوع الماضي أنّ صدام حفتر، نجل رئيس “الجيش الوطني الليبي” اللواء خليفة حفتر، قد زار تل أبيب لعقد اجتماع سريّ سعياً إلى إقامة علاقات دبلوماسية، وتساءلت الصحيفة إن كان “التطبيع بين إسرائيل وليبيا يلوح في الأفق؟”.