عندما يكرِّم المغرب الشيخ زايد

مدة القراءة 6 د

ليس تكريم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في إطار “موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ42” سوى تعبير عن أصالة أصيلة، المدينة المغربية الصغيرة الواقعة على المحيط الأطلسي. كعادته، أظهر محمد بن عيسى رئيس بلدية المدينة، الأمين العامّ لـ”مؤسسة منتدى أصيلة”، تلك القدرة على إعطاء زخم جديد لهذا الحدث الثقافي والسياسي في نسخته الجديدة لعام 2021. لم تتمكّن السنوات الطويلة من أصيلة ولا من قدرة محمّد بن عيسى، وهو وزير سابق للخارجية في المغرب، على العطاء والتجدّد.

في الواقع، لم يكن مستغرباً تكريم الشيخ زايد في المغرب بصفته زعيماً عربيّاً استثنائياً استطاع تحقيق التجربة الوحدويّة الوحيدة الناجحة في العالم العربي، في حين فشلت كلّ التجارب الأخرى، بما في ذلك الوحدة المصريّة – السوريّة بين 1958 و1961. فشلت تلك الوحدة نظراً إلى أنّها لم تكن سوى خطوة عشوائية كرّست قيام نظام أمني في سوريا. قضى هذا النظام تدريجاً على سوريا وصولاً إلى ما آلت إليه بعد حرب أهلية مستمرّة منذ أحد عشر عاماً في ظلّ نظام أقلّويّ لا شرعيّة له وفي ظلّ خمسة احتلالات…

في مداخلته التي افتتح بها الندوة المخصصة لتكريم مؤسّس دولة الإمارات العربيّة المتحدة تحت عنوان “الشيخ زايد: رؤية القائد المتبصّر”، كانت لافتة إشارة محمد بن عيسى إلى العلاقة بين المغرب ودولة الإمارات، وكانت لافتة أيضاً إشارة مشاركين في الندوة إلى أنّ الإمارات دعمت منذ البداية حقّ المغرب في استعادة صحرائه من الاستعمار الإسباني فوقفت مع “المسيرة الخضراء” في العام 1975. قال الأمين العام لـ”مؤسسة منتدى أصيلة” كلّ ما يجب قوله. جاء في كلمته: “نحن سعداء في المملكة المغربية، قبل أصيلة، أن أتيحت لنا الظروف وتوفرت الأسباب كي تنعقد هذه الندوة، بالمستوى الذي حرصنا عليه، وإن تأجّلت عن موعدها بسبب الجائحة (جائحة كورونا). الحقيقة أنّ بلادنا مدينة بالأيادي البيضاء الكثيرة للشيخ زايد: بكرمه ومؤازرته للمملكة المغربية وشعبها، في ظروف الشدّة التي فرضها علينا الجوار الجاحد. ولا ينسى المغاربة، بكلّ مستوياتهم، زيارات سموّه المتكرّرة لبلادنا وفترات إقامته الممدّدة بين ظهراني أشقائه، يحلّ بها بدعوات ملحّة ومفتوحة بإخلاص من لدن شقيقه جلالة الملك الحسن الثاني  طيّب الله ثراهما. لا تغيب عن الذهن صور الودّ والتجانس اللذين ربطا بين الزعيمين الحكيمين إلى بعضهما، متَّحدين من أجل الخير والسلام ورفعة الأمة العربية والإسلامية”.

لدى الحديث عن الشيخ زايد أهميته، خصوصاً مع اقتراب الذكرى الخمسين لقيام دولة الإمارات، يحتار المرء من أين يبدأ. هل يبدأ من حيث بدأ منظّمو الندوة في تطرّقهم إلى “الحسّ الاستراتيجي البعيد النظر الذي مكّن هذا القائد الفذّ من بناء أوّل وأهمّ تجربة اندماجية عربيّة على أساس التوافق ووحدة المصير والمصالح”… أو “من الدور المؤثّر والفاعل الذي لعبه الشيخ زايد في بناء المنظومة الخليجيّة وفي تدعيم اللحمة العربيّة والسعي إلى تمتين التضامن العربي والدفاع عن القضايا العربيّة العادلة في المحافل الدوليّة”. لا يمكن تجاهل أنّ الشيخ زايد لعب الدور الأساسي في قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة في أيّار من العام 1981.

ثمّة زوايا لا تحصى يمكن الانطلاق منها لإبراز أهمّية الشيخ زايد الذي “رعى المشروع التحديثي النهضوي، وأنجزه في الإمارات بالارتكاز على ثلاثة أسس كبرى، هي بناء الإنسان وتأهيله لدوره في المجتمع من خلال التعليم الرصين والإعداد السليم والتربية الهادفة، وإنشاء بنية تحتية متكاملة وقويّة من شأنها أن تكون قاعدة متينة لمجهود تنموي شامل، وتحديث الهياكل المجتمعيّة والمؤسّسية للدولة”.

خاض الشيخ زايد معارك كثيرة، مستخدماً “القوّة الناعمة”، من أجل خدمة بلده وتوحيده أوّلاً في ظروف إقليميّة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها كانت صعبة ومعقّدة. خاض كلّ هذه المعارك كسياسي وإنسان أوّلاً. لعلّ بين  أفضل المداخلات في الندوة تلك التي تحدّث فيها الدكتور زكي نسيبة الذي عمل مع الشيخ زايد كمترجم ومستشار ثقافي طوال أربعة عقود. في مداخلته الطويلة، التي تطرّق فيها الى الجوانب المختلفة التي يمكن النظر من خلالها الى شخصيّة الشيخ زايد، تناول زكي نسيبة نقاطاً في غاية الأهمّية، مركّزاً على إيمان الشيخ زايد بالتعليم والثقافة. تطرّق أيضاً إلى  الشيخ زايد بصفته ذلك الإنسان الذي يؤمن بـ”وحدة المصير بين كلّ الشعوب”، كما يؤمن بالتسامح ولا يفرّق بين إنسان وآخر. وأشار إلى اعتماد هذا الزعيم السياسي الاستثنائي على “الصدق والصراحة”، وعلى “الحكمة والاعتدال”. وكشف أنّه كان يقول لزعماء سياسيين التقاهم “صديقك مَن صدقك”.

بين الذين شاركوا في الندوة أيضاً، كان مبارك إبراهيم الناخي وكيل وزارة الثقافة والشباب في الإمارات.  ألقى الناخي كلمة نورة الكعبي وزيرة الثقافة. كذلك شارك علي راشد النعيمي عضو المجلس الوطني الاتحادي رئيس لجنة الدفاع الداخليّة والشؤون الخارجيّة في دولة الإمارات. ركّز النعيمي على دعم الإمارات للمغرب، خصوصاً في ما يخصّ قضية الصحراء المغربيّة. ركّز أيضاً على الشيخ زايد “التقدمي الحقيقي” في عالمنا العربي بعيداً عن المزايدات والمزايدين وحملة الشعارات الخاوية.

كانت هناك مداخلة لافتة للدكتور هيثم الزبيدي، ناشر صحيفة “العرب” اللندنيّة ورئيس تحريرها، الذي دخل في تفاصيل مرحلة ما قبل ولادة دولة الإمارات ودور الشيخ زايد في هذا المجال. اعتبر أنّه “رسمياً بدأ الأمر بالبيان المشترك بين الشيخ زايد والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي في 18 شباط 1968. هذا بيان مشترك، لكنّه ثمرة لتوجّه الشيخ زايد نحو الوحدة مع شريك مؤمن”. أضاف أنّه بدءاً من الاسم، الإمارات المتصالحة، نفهم واقع المنطقة. كان استثمار أبوظبي المعنوي والمادي في الإمارات المتصالحة قد بدأ مبكراً، قبل أن تظهر بريطانيا نواياها بالانسحاب. الإيمان بالاتحاد كان حاضراً في فكر الشيخ زايد. كان يدرك أنّ نافذة تاريخية قد فُتِحت تتضافر فيها عوامل مختلفة.

ما هي تلك العوامل؟ أنّ فراغاً سينشأ من الانسحاب البريطاني. وأنّ دولاً كبرى أو متوسطة ستستغلّ الفرصة. وأنّ المنطقة في قلب صراعات إقليمية ودولية. وأنّ الدول العربية المهمّة تصنّف المنطقة على أساس أيديولوجي ولا تملك ما يكفي من الفهم لعمق التماسك القبلي في هذا الجزء من الخليج. لسياسيّ بالمفهوم الكلاسيكي، تبدو كلّ العوامل مقلقة. لزعيم ذي رؤية، هذه هي الفرصة.

في النهاية، إنّ الأرقام تتكلّم عن نفسها وعن النجاح الإماراتي الذي وضع أسسه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي آمن بمشروع دولة الإمارات وحوّله الى واقع. من بين ما تقوله الأرقام أنّ اقتصاد الإمارات من بين أهمّ ثلاثين اقتصاداً في العالم. تحوّلت الإمارات السبع الى دولة حقيقية تنظر الى المستقبل. تنظر، بفضل الأسس التي وضعها الشيخ زايد، الى السنوات الخمسين المقبلة. هذه دولة متصالحة مع نفسها يعيش على أرضها أناس من مئتي جنسيّة مختلفة من دون تفرقة. هذه دولة تفكّر في مرحلة ما بعد النفط بدل البقاء في أسر الماضي وعقده.

 

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…