جورج قرداحي: حلّ عنّا..

مدة القراءة 3 د

تقول الحكاية الشعبية إنّ ناموسة صغيرة جداً وقفت على ظهر جاموسة، وبعد دقائق صرخت وتكاد أوداجها تنفجر: “يا جاموسة.. يا جاموسة، لقد قرّرت أن أطير الآن”. نظرت إليها الجاموسة مستهزئة بطرف عينها قائلة: “ما شعرت بك عندما هبطت على ظهري، فكيف أشعر بك وأنتِ تطيرين بعد حين أو الآن؟”.

إن كان هناك من عمل صالح يمكن أن يُفعل في هذه الأيام ويفيد العباد والبلاد في زمن الضيقة وصعوبة المعاش، هو أن يمتنع جورج قرداحي عن التصريح وعن القردحة في المؤتمرات الصحافية أو بعد زيارته للمراجع أو المسؤولين أو القيادات الروحية من مشايخ ورهبان.

الرجل لا ينطق إلا فتنة وكيداً. كلّما تحدّث أو صرّح، صبّ ملحاً على جرحنا المتفاقم. فنحن اللبنانيين بات النكد، بفضله وفضل أمثاله، وجبتنا اليومية من الصباح حتى ننام.

صحيح أنّ أزمة لبنان ليست جورج قرداحي، فهو أصغر من هذا المقام فلا أحداً دولة أو فرداً يبتزه، فلا أحد يراه بداية فكيف له أن يبتزه نهاية؟

الرجل إن استحضرنا له “كونسلتو” من الأطباء المتخصّصين من كلّ البلدان لأجمعوا من دون أيّ اختلاف على أنّه يمارس عمله الوزاري وكأنّه كعادته على رأس برنامج تلفزيوني. يقدّم علّاناً ويعظ فلاناً. هو لا يدرك أنّ رحلته الوزارية انتهت قبل أن تبدأ. هذه مناصب لا تليق بالمتنطّحين للمواقع والكراسي في غفلة هذا الزمان.

صحيح أنّ أزمة لبنان ليست جورج قرداحي، فهو أصغر من هذا المقام، فلا أحد، دولةً أو فرداً، يبتزّه، فلا أحد يراه بداية فكيف له أن يبتزّه نهاية؟ ولا أحد من اللبنانيين يتملّق على ظهره. أيقظوه من هواجسه وكوابيسه التي لا تنتصب على قوس قزح أو على غصن بلّان.

اصمت يا رجل، ألم تكتفِ من القردحة والمستفزّ من الكلام؟ همومنا لا تحتمل المزيد من الجعدنة، فنحن نمرّ بأصعب الأيام. اللبنانيون همّهم اليوم تأمين لقمة العيش والاطمئنان على الأبناء والأحبّة الذين تغرّبوا وهاجروا للعيش بكرامة بعيداً عن الذلّ والأرذال. همّهم فقط أن يجدوا مالاً في جيوبهم كي يملؤوا خزّانات وقود سياراتهم ليذهبوا إلى المستشفى، إلى عملهم من دون دموع، فقط بأمان. الناس لا تبالي بك ولا بتصريحاتك. وإن جَلستْ تشاهد شاشة التلفزيون، إن لم تكن الكهرباء مقطوعة، فهمُّها أن تسمع خبراً يبعث فيها الأمل ويُجدّد الحلم، لا تصريحاً نشازاً. لا يهتمّ اللبنانيون اليوم بتسريحة شعرك، ولا بدقّة ربطة عنقك، ولا بتبريراتك المضحكة المبكية الفاقدة للمنطق ولشروط البيان.

إقرأ أيضاً: جورج قرداحي: واجهة أنيقة لمشروع أسود

يا رجل استرح وأرحنا، واستقل وارحل. لقد أصابتنا التخمة المضرّة من المواربة والشوفينية، فهذا كلّه لم يعد ينطلي على أيّ إنسان.

استقل وتفرّغ لحزم حاجياتك ولملمة أوراقك من مكتبك في وزارة الإعلام، ولا ضرورة لوداع أحد. فقد كفى الله المؤمنين شرّ القتال والخصام. استقالتك لا علاقة لها بكرامتنا ولا بسيادتنا ولا بانقساماتنا. فأزمتنا أكبر منك ومن بقائك.

مواضيع ذات صلة

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…

الحرب الأهلية: هواجس إيقاظها بصورٍ كريهة

 اللغو اللبناني حول حظوظ البلد بارتياد آفاق حرب أهلية جديدة، ارتفع. قد يكون هذا الارتفاع على وسائل التواصل الاجتماعي سببه “شامت” بالوضع أو رافض لـ”الرفق”….

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…