شرع الرئيس الصيني شي جينبينغ في تنفيذ حملة إصلاحات وتغييرات في شركات كبرى، ولا سيّما التكنولوجيّة منها، مرسياً قواعد جديدة وضعتها الحكومة الصينية لمكافحة الاحتكار وفرض قيود على استخدام البيانات، وهو ما أسفر عن خسارة شركات عملاقة متخصّصة بالتجارة الإلكترونية مبالغ طائلة، أبرزها شركة “علي بابا” الشهيرة.
رأى الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناتيوس أنّ التدابير، التي اتّخذتها الحكومة الصينية في قطاع التكنولوجيا، تنعكس في جوانب معيّنة على الولايات المتحدة، حيثُ يمكن تخيّل وجود شابّ صينيّ متميّز بهذا القطاع يدرس في ستانفورد أو يعمل لدى “غوغل”، وعند عودته إلى بلده لن تكون الفرص أمامه متاحة كما كانت من قبل، بسبب الإجراءات التي تحدّ من دور العقول وتهدف إلى إخضاع الشركات التكنولوجيّة، “بعكس وادي السيليكون، حيث لا تتبع القدرات العقلية أوامر السياسيين”.
يعاني المستثمرون من انقلاب نفّذه الرئيس الصيني في قطاع التكنولوجيا
وذكّر إغناتيوس بقولٍ لنابليون بونابرت حين نصح جنوده بعدم مقاطعة الخصم عندما يرتكب خطأ، موضحاً أنّ بعض الخبراء الأميركيين الضالعين بالشؤون الصينيّة يقدّمون تحذيراً مماثلاً خلال مراقبتهم تنظيم الرئيس الصيني لقطاع التكنولوجيا. لكنّهم يتساءلون في الوقت نفسه: هل تؤثّر تدابير شي جينبينغ سلباً على قطاع التكنولوجيا في الصين، أو لدى الاقتصاد الصيني من القوّة والديناميكيّة ما يمكّنه من استيعاب أخطاء يرتكبها الرئيس الذي من المتوقّع أن يُجري محادثات مع نظيره الأميركي جو بايدن قريباً؟
وباتَ واضحاً تأثّر النموّ في الصين، الذي أخذ يتباطأ، كما نشرت مجلّة “فورين أفيرز” في مقال عنونته بـ”نهاية صعود الصين”. إلا أنّ التجارب السابقة تؤكّد أنّ من الخطأ المراهنة على عدم تمكّن الصين من حلّ المشاكل، بحسب إغناتيوس الذي نقل ما قاله رئيس الوزراء الأسترالي الأسبق والخبير في الشؤون الصينية كيفين رود من أنّ الحملة ستؤدّي إلى تباطؤ نموّ الشركات وليس القضاء عليها نهائيّاً.
من المؤكّد أيضاً أنّ “فقاعة الإنترنت في الصين قد تقلّصت”، وأشار إغناتيوس في هذا الإطار إلى أنّه جرى إسكات “جاك ما”، مؤسّس شركة “علي بابا”، بعدما جرؤ على انتقاد السلطات الصينية. وأوقف المنظّمون الطرح العام المخطّط لشركة التكنولوجيا الماليّة العملاقة “آنت”، ذراع علي بابا الماليّة، في تشرين الثاني الماضي. وفرضت الصين غرامة بقيمة 2.8 مليار دولار على مجموعة علي بابا بسبب اتّهامات لعملاق البيع بالتجزئة على الإنترنت بانتهاك قواعد الاحتكار.
إذاً يعاني المستثمرون من انقلاب نفّذه الرئيس الصيني في قطاع التكنولوجيا، إذ تراجعت أسهم “علي بابا” 41% خلال العام الماضي، وكذلك شركة “Didi Global” بنسبة %47 منذ تموز، و”Tencent Holdings” بنحو 40%.
التدابير التي اتّخذتها الحكومة الصينية في قطاع التكنولوجيا، تنعكس في جوانب معيّنة على الولايات المتحدة، حيثُ يمكن تخيّل وجود شابّ صينيّ متميّز بهذا القطاع
هكذا سيطر الحذر في الصين، بعدما كان هذا القطاع حرّاً كوادي السيليكون. فبعد تغريم علي بابا، استُدعيت شركات أخرى وأُجبرت على التعهّد بتنفيذ إصلاحات محدّدة، الأمر الذي أثار مخاوف من عودة الرئيس الصيني إلى الوراء وفرضه التغيير بقبضة حديدية وتفضيله الشركات المملوكة من الدول أو تلك التي تنصاع لسلطته بدلاً من تلك المستقلّة، وبدأ التفكير في تداعيات الإصلاحات على الاقتصاد الصيني. وقد يُرضي المديرون التقنيّون المطيعون الرئيس الصيني، لكنّ احتمالات إنتاج الأفكار الخارقة، التي تعزّز “حلم الصين”، هي التي ستتراجع.
ولفت إغناتيوس إلى مفارقة لافتة، وهي أنّ نقد الرئيس الصيني لهذا القطاع يشبه نقاشات دارت في الولايات المتحدة. إذ يعتقد أنّ نموّ الإنترنت يساهم في إنتاج مليارديرات جدد، مفاقماً عدم المساواة، فيما يسعى هو إلى إرساء “الرخاء المشترك”، منتقداً رعاية مواقع التواصل الاجتماعي للألعاب وبعض الأنشطة، بدلاً من القيام بثورة تكنولوجيّة حقيقية.
من جهته، قال المستثمر كريستوفر شرودر الذي يتواصل باستمرار مع المبتكرين الصينيّين الشباب في مجال التكنولوجيا: “الناس يراقبون، وهذه لحظة حذر”. ويشكّ شرودر في حدوث “تباطؤ لدى الشركات التكنولوجيّة الناشئة في الصين”.
إقرأ أيضاً: واشنطن تجاوزت “الخط الأحمر” الصيني؟
وفي جلسة حول الاقتصاد الرقمي، أوضح كريستوفر جونسون، الذي عمل محلّلاً استخباريّاً ويدير الآن شركة استشارية هي “مجموعة الاستراتيجيّات الصينية”، أنّ ما قاله شي جينبينغ عن سعيه إلى أن تعتمد الصين على نفسها في التقنيّات الأساسية، وأن تتصدّر في مجال التكنولوجيا عالميّاً، يعني أنّه يركّز أقلّ على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي والتجارة الرقمية، حيث أثبت عمالقة التكنولوجيا في الصين نجاحهم، ويوجّه رسالةً مفادها أنّ على هؤلاء الانضمام إلى جناح الرئيس وإجراءاته، وإلا فسيُتركون، وفقاً لجونسون.