يطرح ما حدث في العراق موضوع لبنان ومستقبله على نحو صارخ. إنّها علاقة بين محاولتيْ اغتيال… إحداهما فشلت في العراق والأخرى مستمرّة على شكل حلقات مترابطة في لبنان.
كشفت التجارب التي مرّ فيها العالم، بمختلف دوله، أنّ ذلك ليس ممكناً. إمّا دولة وإمّا ميليشيا تحكم الدولة. هذا ما لم يفهمه الثنائي ميشال عون – جبران باسيل بتوقيعهما وثيقة مار مخايل مع حسن نصرالله في السادس من شباط 2006
أبرزت المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، التي نفّذتها ميليشيات تابعة لإيران في بغداد، السؤال الكبير الذي لم يعُد من هرب منه. السؤال، عودةً إلى البداية، أي إلى الأساس: هل يمكن أن تكون هناك دولة قابلة للحياة بوجود جيش موازٍ للجيش الشرعيّ في هذه الدولة؟
كشفت التجارب التي مرّ فيها العالم، بمختلف دوله، أنّ ذلك ليس ممكناً. إمّا دولة وإمّا ميليشيا تحكم الدولة. هذا ما لم يفهمه الثنائي ميشال عون – جبران باسيل بتوقيعهما وثيقة مار مخايل مع حسن نصرالله في السادس من شباط 2006. تجاهلا، فجأة، معنى تولّي طرف مسيحيّ تغطية وجود سلاح غير شرعيّ في لبنان بعدما أعمتهما الرغبة في الوصول إلى موقع رئيس الجمهوريّة بفضل هذا السلاح.
شيئاً فشيئاً يكتشف العراقيون أن لا دولة في ظلّ “الحشد الشعبي”، وأن لا مجال للتعايش بين الدولة والميليشيات المذهبيّة المسلّحة. هذه حال لبنان أيضاً، حيث يتبيّن يوميّاً أن لا دولة ولا مؤسسات ولا قانون يُطبّق على الجميع بوجود ميليشيا “حزب الله”. صار موضوع الميليشيات، أي “الحشد الشعبي”، مطروحاً في العراق، على أعلى المستويات. مؤسف أن لا وجود في لبنان لِمَن يطرح هذا الموضوع من موقع المسؤوليّة بعدما صار “حزب الله” يقرّر مَن هو رئيس الجمهوريّة، وهل تتشكّل حكومة أم لا… فيما لا وجود لهَمٍّ اسمه السلاح غير الشرعي لدى رئيس مجلس النوّاب…
إذا كان مصطفى الكاظمي مَن تعرّض لمحاولة اغتيال قبل أيّام، فإنّ لبنان كلّه يتعرّض لمسلسل من محاولات الاغتيال، وذلك منذ اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005. ليست الحملة التي شنّها وزيران مسيحيّان على المملكة العربيّة السعوديّة ودول الخليج العربي سوى محاولة أخرى تندرج في سلسلة محاولات الاغتيال التي يتعرّض لها لبنان. ما حصل مع دول الخليج حدثٌ في حجم محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي… بل حدثٌ أكبر في حال أخذنا في الاعتبار أنّ تحويلات اللبنانيين العاملين في دول الخليج باتت الشريان شبه الوحيد الذي لا يزال يُبقي لبنان على قيد الحياة اقتصاديّاً. مَن يأتي بمثل هذين الوزيرين المسيحيّين إلى الحكومة كان يعرف مسبقاً ما المهمّة المطلوبة منهما في سياق التخلّص من لبنان، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار كلّ ما حدث من تطوّرات منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة في اليوم الأخير من شهر تشرين الأول 2016. وهي تتمثّل في ضرب اتفاق الطائف أوّلاً، عبر الانتهاء من موقع رئيس مجلس الوزراء ودور الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة. جاء بعد ذلك القضاء على النظام المصرفي مع ما يعنيه ذلك من سرقة لأموال اللبنانيّين والعرب الذين وثقوا بالمصارف اللبنانيّة… وصولاً إلى تفجير مرفأ بيروت. وقد كشف تفجير مرفأ بيروت وما تلاه إلى أيّ حدّ يهيمن “حزب الله” على مفاصل السلطة في لبنان. ومَن يحتاج إلى دليل على ذلك يستطيع العودة إلى مسارعة رئيس الجمهوريّة في رفض أيّ تحقيق دوليّ في تلك الكارثة. كانت حجّته أنّ مثل هذا التحقيق سيأخذ وقتاً طويلاً. ما كشفه هذا الموقف أنّ المطلوب هو ألّا يكون هناك تحقيق نظراً إلى أنّ ثمّة حاجة إلى تغطية أمور كثيرة. من بين ما هو مطلوب تغطيته الجهة التي جاءت بنيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت وخزّنتها فيه، ووجهة استخدام هذه المادّة.
كان الهدف من محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي التخلّص من حاجز في طريق وضع اليد الإيرانية نهائيّاً على العراق. ثمّة حاجة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” أكثر من أيّ وقت مضى إلى الورقة العراقيّة. ما يربط بين الحدثيْن العراقي واللبناني ذلك الإصرار الإيراني على التصعيد في كلّ الاتّجاهات. يطرح ذلك في طبيعة الحال الأسئلة التالية: أين تقف الإدارة الأميركيّة من كلّ ما يجري في المنطقة؟ وهل خيار الاستسلام أمام المشروع التوسّعي الإيراني بات خياراً أميركيّاً؟ الأهمّ من ذلك كلّه: هل يمكن أن يكون لبنان جزءاً من صفقة أميركيّة – إيرانيّة؟
إقرأ أيضاً: اغتيال الكاظمي: متى تصل الطائرات المسيّرة إلى بيروت؟
سيتوقّف الكثير في نهاية المطاف على ما إذا كان لبنان لا يزال يملك أيّ مقوّمات للصمود. لا يمكن القول إنّ وضعه ميؤوس منه نهائيّاً. هناك عاملان لا يمكن تجاهلهما. الأوّل أنّ “حزب الله” نجح في إقامة خطوط تماس مع كلّ الطوائف اللبنانيّة الأخرى. مع السنّة ومع المسيحيّين ومع الدروز. أمّا العامل الثاني الذي لا بدّ من أخذه في الاعتبار، فهو يتمثّل في أنّ مشروع “الممانعة” يتراجع في المنطقة، خلافاً لِما يروِّج له “حزب الله” وأدواته المحلّيّة. يكفي للتأكّد من ذلك طرح سؤالين في غاية البساطة: ما مستقبل إيران في العراق وما مستقبلها في سوريا؟