يواصل موقع “أساس” نشر سلسلة مقاطع من كتاب “أطول أيام الزعيم”، للسياسي الفلسطيني، الوزير السابق والمستشار الرئاسي في السلطة الفلسطينية، نبيل عمرو، الذي عايش الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
اليوم ننشر الحلقة الأخيرة من كتاب “أطول أيام الزعيم” بعنوان: نهاية نفوذ الأسد على القرار الفلسطيني.
بدأ ضياء الفجر يتسلل من فراغات الستائر المعدنية. كان ضياءً فضياً يؤذن باكتمال دائرة أطول يوم في حياة الزعيم.
اقترحنا عليه أن يحاول النوم مرة أخرى. تذكر انه لم يوقع الرسالة التي سينقلها الفريق اللبناني إلى الرئيس حافظ الأسد.
كانت مكاتبه الإدارية منتشرة في عدة أماكن من بيروت الغربية، طلب مني استدعاء فتحي أو من ينوب عنه في السهر قرب القائد العام. كان فتحي قد غادر تاركاً المهمة لماهر.
أمر القائد العام، بدعوة الثلاثة الكبار إلى اجتماع، أبو جهاد نائب القائد العام وأبو إياد الرجل الثاني ورئيس جهاز الأمن الموحد وسعد صايل أبو الوليد المفاوض في أمر ترتيبات الخروج. توافدوا بسرعة. كان صلاح خلف الملقب بالرجل الثاني أول الواصلين. لم يكن عرفات يحب هذا اللقب كما لم يكن ليسمح لأحد باستخدامه في وصف الرجل. كان حين يسأل عن سبب تحفظه على اللقب الدارج لزميله في القيادة التاريخية، أما أن يشيح بوجهه عن السائل، وهذه طريقته في الاعراب عن عدم رضاه عن السؤال، أو يجيب قائلاً:
- معندناش لا في فتح ولا في المنظمة مرتبة تنظيمية اسمها الرجل الثاني. وأحياناً كان يسترسل بالقول:
- إذا كان لا بدّ من رجل ثاني فهو أبو جهاد.
غير ان علاقة عرفات بصلاح خلف رغم التحفظ على اللقب كانت ومنذ كانا طالبين في القاهرة تقوم على أساس متين من التحالف السياسي البراغماتي، ذلك وفق معادلة تنطوي على مفارقة “حذر دائم واعتماد دائم”.
لمن لا يعرف بيروت، ولا يعرف تضاريسها السياسية والقتالية التي فرضتها الحرب، لا يعرف ان المتحف هو أخطر نقطة على خط التماس الفاصل بين شطري المدينة الغربي والشرقي. معظم المعارك الطاحنة جرت في ذلك المكان الضيق
كان أبو إياد قد لعب دوراً مميزاً أثناء معركة بيروت الكبرى. كان يقوم بجولات على المواقع الساخنة تبدو في كثير منها انتحارية. وفي حينه شاع تفسير لا أجزم بصدقيته إلا انه يستحق النقاش، انها عقدة “أيلول 1970″. كان أبو إياد من أوائل الذين تمكن الجيش الأردني من اعتقالهم في معارك أيلول 70، ولم يفوت الملك حسين هذه الفرصة لإجراء مفاوضات مع الرجل الثاني، والوصول إلى اتفاق معه. وقد حدث ذلك بالفعل. الملك وأبو إياد توصلا إلى صياغة وثيقة تتوقف بمقتضاها المعارك وينسحب الفدائيون من مواقع معينة.
استقبل الاتفاق الذي أذاعه أبو اياد بصوته من الإذاعة الأردنية بردود فعل متفاوتة، البعض اعتبر ان في الامر حيلة وتزويراً للصوت يندرج في إطار الحرب النفسية التي تصب أخيراً في حتمية خروج المقاومة الفلسطينية بكل تشكيلاتها من الأراضي الأردنية. غير ان هذا التفسير لم يلقَ رواجاً لا عند القيادة ولا القاعدة، فقد كان صوته معروفاً للجميع، ولا مجال لتقليده لدرجة التطابق. أما المزايدون، وكانت الساحة الأردنية تعج بهم، فقد اعتبروا ان اتفاق أبو اياد مع الملك شكل طعنة في ظهر احلامهم في الاطاحة بنظام الحكم في الأردن، وتحويل الضفة الشرقية الى هانوي جديدة، تنطلق منها عملية تحرير فلسطين. وأما الذين كانوا يرون بصورة واقعية تطورات المعارك التي استخدم فيها الجيش الاردني كله، ومعه فرق من قوات الامن تمّ اعدادها لهذه الغاية فكانوا يرون ان الأمور لم تكن تجري في مصلحة قوات المقاومة. ورغم التحفظات التي أعلنت على اقوال أبو إياد إلا ان ما سمعه الناس واختلفوا في تقويمه صار هو الأساس الذي بنيت عليه النتائج النهائية لمعارك أيلول. فقد خرجت قوات الثورة الفلسطينية بكاملها من الاراضي الأردنية بتدرج دام سنة، ورغم ان ما فعله أبو إياد كان منطقياً وواقعياً إلا ان الرجل تأثر كثيراً بالحملة التي شنّت ضدّه من قبل المزايدين، وتجلى ذلك في خطاب وداع أخير اطلقه من مخيم الوحدات الذي كان المعقل الأساسي لقوات الثورة الفلسطينية في عمان. كان خطاباً نارياً نسب أيضاً لتأثير تلك الواقعة.
في معركة بيروت الكبرى، كانت الاذاعة الفلسطينية بمثابة الباروميتر الدقيق لمجريات المعركة والمصدر الوحيد لأخبارها. توقفت هذه الإذاعة فجأة عن البث. قلق الناس على اذاعتهم وكان الظن السائد آنذاك انها قصفت ودمرت، أو أن الكادر تركها وهرب. كان ذلك في واحد من أخطر أيام الحرب والذي دخل التاريخ تحت مسمى يوم المائتين وعشرين ألف قذيفة.
كان أبو إياد أول المجازفين بالوصول إلى مقر الإذاعة، فوجئ بوجود جميع الطاقم داخل المقر وحوله، إذا.. لا تدمير ولا هروب. ابلغه الكادر ان خللا فنيا أصاب الجهاز الموصل بين الاستوديو ومحطة الارسال، وان المهندسين يقومون بإصلاحه. وخلال ساعة عادت الإذاعة الى البث. جلس أبو اياد وراء الميكروفون وارتجل خطاباً حماسياً أعاد الثقة للمواطنين والمقاتلين، أكد فيه بأنّ المعركة ما تزال تسير في مجراها الصحيح. ولم يغادر المقرّ الخطر إلا بعد ان استمع لتعليق حماسي أداه مذيع الثورة الأول، الحاج خالد مسمار، صاحب الصوت السحري الذي كان الناس ينتظرونه كل صباح أيام إذاعة الاشرفية في عمان، وينتظرونه من صوت العاصفة في القاهرة وينتظرونه كذلك صبح مساء أيام بيروت.
بعد دقائق من وصول أبو إياد، وصل من كان عرفات يفضله كرجل ثانٍ، أبو جهاد. وكان هو الآخر ممن أدوا دوراً بطولياً مميزا في المعركة الكبرى. كان عرفات حين يلتقيه يوجه له لوما متكررا بسبب قلة أو عدم مشاركته في اجتماعات القيادة. ذات مرة سأله…
- أين كنت بربك يا أبو جهاد؟
– كنت في المتحف.
ولمن لا يعرف بيروت، ولا يعرف تضاريسها السياسية والقتالية التي فرضتها الحرب، لا يعرف ان المتحف هو أخطر نقطة على خط التماس الفاصل بين شطري المدينة الغربي والشرقي. معظم المعارك الطاحنة جرت في ذلك المكان الضيق. كان انهيار المتحف من جهة الشرق يعني اقتحام أهم المناطق المسيحية. أما العكس فيعني اقتحام مناطق التحالف الثوري. كان الواقفون قبالة بعضهم البعض يدركون أهمية المكان الذي يدافعون عنه. الاسرائيليون وصلوا الى هناك. ويوم المائتين وعشرين ألف قذيفة جرت محاولة مستميتة من الإسرائيليين وشركائهم في الحرب لاقتحام المنطقة تحت كثافة النار التي غطت كل أجزاء بيروت الغربية.
قبل وقف إطلاق النار الذي تم التوصل اليه ولا أحد يعرف كم هو رقمه، أعلن راديو إسرائيل بلاغا يمكن اعتباره بمثابة محاولة لحفظ ماء الوجه، يقول ان دبابة “الميركافا” التي هي درة سلاح الدبابات الإسرائيلي تقدمت مسافة عشرة أمتار داخل بيروت الغربية. أثار البلاغ سخرية المواطنين والمقاتلين وتشكلت حوله طرائف وتشنيعات. كان بلاغاً عزز الثقة في نفوس المقاتلين خصوصا أولئك الذين صدّوا الهجمات وردوا دبابات العدو على اعقابها. كان أبو جهاد هناك. لم يغادر المكان إلا بعد أن توقفت المعارك وتراجعت الدبابات وتنفس المقاتلون الصعداء بفعل فوزهم في تلك الجولة.
آخر الواصلين كان الرجل الأهم في تلك الساعة. فهو حامل المادة التي ستعرض على الاجتماع وتتخذ القرارات بشأنها، العميد سعد صايل أبو الوليد، العسكري الصامت الذي تميز عن باقي قادة ورموز الظاهرة الفلسطينية اللبنانية المشتركة بابتعاده عن وسائل الاعلام، واحجامه عن الظهور فيها. أبو الوليد بهر الأمريكيين بإتقانه لمهمته الأصعب والأدق حتى من المهمات القتالية الخطرة.
لم يكن يفاوض على طريقة نقل المواقف والرد على الأسئلة، لأن خصمه يرسل الطائرات للقصف كلما رفض عرضا او تأخر في الرد على اقتراح. كان هادئ الاعصاب، يدرك وهذا هو سر صموده النفسي وثباته على المواقف الأساسية، انه المسؤول المباشر عن أرواح عشرات الاف المقاتلين ومئات الاف المواطنين. لم يكن همه فقط انقاذ الأرواح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البنايات والمنشآت والمرافق، بل كان اشد حرصاً على انقاذ الكرامة وصورة الثورة ورجالها. كان هاجسه الدائم ان يتجنب الانهيار داخل تجمع القوات الذي لا تزيد مساحته عن اربعة كيلو مترات مربعة. ولأنه كان جنرالا محترفا يقرأ الواقع جيدا ويستنتج تطوراته المحتملة، فقد كان يعرف الى أي مدى تراجعت الأوضاع على جبهته. فلقد تناقصت المساحة التي كانت تتحرك عليها التشكيلات العسكرية المقاومة، وقطعت خطوط الامدادات جميعا وتناقصت الذخائر الى أدنى حد. وحين كانت الطائرات الإسرائيلية تقوم باستعراضاتها في الأجواء، لم يكن يسمع صوت المضادات على عكس الأيام الأولى للحرب حيث اسقطت المضادات البدائية من خلال غزارة نيرانها طائرات قاذفة ومقاتلة.
كان أبو الوليد يفاوض وهذه الصورة لا تفارق مخيلته الا انها لم تحمله على التساهل والتنازل في الأساسيات التي كلف بها.
الخلاصة كان أبو الوليد يعمل وفق معادلة قوامها تراجع متسارع في القدرات على الأرض وتفوق مطلق على جبهة الخصم، الا انه نجح في احراز اقصى ما يمكن احرازه في امر انهاء المعارك والمغادرة.
كانت ساعة صباحية، تحلق فيها الكبار الأربعة حول طاولة الطعام التي استخدمت في زمن الحرب كطاولة اجتماعات اتخذت حولها قرارات هامة. احضر أبو الوليد معه ملفات عديدة … الجداول الزمنية التي تحدد وقت الصعود الى البواخر ومغادرتها ميناء بيروت وكذلك موانئ المقصد وأوقات المغادرة، وتعهدات أمريكية ودولية وحتى إسرائيلية بعدم المساس بالمغادرين او القيام باي عمل يعيق تموضعهم على ظهور السفن ويحول دون انطلاقها الامن.
بعد ان أكمل العميد عرض ترتيبات الخروج بالتفصيل انتقل إلى ما تم الاتفاق عليه بشأن ترتيبات مغادرة أبو عمار. قال مطمئنا:
كان أبو اياد قد لعب دورا مميزا اثناء معركة بيروت الكبرى. كان يقوم بجولات على المواقع الساخنة تبدو في كثير منها انتحارية.
لقد حصلنا على كل ما طلبنا في هذا الشأن. انهم متلهفون لمغادرتك بعد ان تعذر قتلك…. ستصل مصحوبا بجميع قادة الحركة الوطنية اللبنانية الى ميناء بيروت على التاسعة صباحا، يصطف القادة اللبنانيون في أقرب نقطة من سلم الباخرة ويصطف إلى جانبهم حرس الشرف الفلسطيني بكامل لباسه العسكري وسلاحه. إلى جوارهم فرقة الموسيقى العسكرية الفلسطينية ووراء الجميع يقف مندوب فيليب حبيب لمراقبة المشهد وللتأكد من ان لا يحدث أي خلل في الترتيبات.
تقوم يا أبو عمار باستعراض حرس الشرف، ثم تعزف الفرقة الموسيقية النشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني. تسلم على مودعيك وتصعد الى سطح السفينة اليونانية، وعلى الفور تغادر السفينة تحرسها من الجو مروحيات تابعة للأسطول السادس الامريكي ويتقدمها ويحيط بها في البحر زوارق حربية اطلسية. ضحك أبو اياد وقال سبحان الله اتينا الى هذا البلد متسللين وها نحن نخرج منه بزفة اطلسية.
اظهر القائد العام رضاه عن الترتيبات التي عرضها أبو الوليد، نظر بزهو الى زملائه الكبار وقال:
- شوفو الفرق بين اول عرض وآخر عرض. مهي الحرب يا اخوانا عض أصابع والمهزوم هو اول من يقول أخ وانشاء الله لن نقولها ابداً.
ابتسم أبو الوليد وحين يبتسم تختفي عيناه. تذكر انه تجادل حول هذه النقطة في وقت سابق مع القائد العام. والآن قال أبو الوليد:
- هذا آخر ما عندي.
استل من الملف ورقة وقال:
– هذا هو الرد الأمريكي على طلبك بالحصول على ثمن سياسي لقاء الخروج. انفرجت اسارير القائد العام ووجه لوما لابي الوليد بسب تأخره في تقديم هذه الورقة التي اعتبرها عرفات واحدة من الخلاصات السياسية لمعركة بيروت الكبرى. تجاهل أبو الوليد لوم عرفات لأنه كان يعرف ان ليس فيها ما يستحق زفها كبشرى، وتلا الرد المكتوب باللغة الإنجليزية. كان فيه عرض للموقف الأمريكي من ترتيبات الخروج مع الاشارة الى ضمان امن الخارجين، اما ما كان ينتظره أبو عمار فقد كان نصه على النحو التالي:
– فيما يتصل بطلب الفلسطينيين Political bonus لقاء خروجهم فبإمكانهم بحث الأمر مع المصريين.
سارع أبو عمار الى السؤال:
- هل هذا كل شيء ام ان في الورقة ما هو أكثر من ذلك.
قال أبو الوليد:
– بشأن هذا الامر فهذا هو كل شيء.
استشاط أبو عمار غضباً. فما سمعه لا يعني شيئاً ولا ينطوي على أي قدر من التزام سياسي. قال غاضبا انه كلام فارغ لا معنى له ولا يستحق ان ينظر اليه political bonus انه مصطلح غير سياسي، تستخدمه الشركات لمنح العاملين مكافآت إضافية في نهاية كل سنة فعلى من يضحكون. وهل حقوقنا عند المصريين أم عندهم وعند الإسرائيليين. نظر ناحية أبو الوليد وقال لنعد ردا قاسيا على هذه الرسالة السخيفة.
تدخل أبو اياد وقال:
– لا لزوم للرد فهي رسالة مغفلة من العنوان والتوقيع.
ايده أبو الوليد الذي خشي أن يكون رد فعل أبو عمار على الرسالة مدمراً للجهود الناجحة التي اثمرت ما سعى إليه من خروج آمن ومشرف لأبو عمار والقيادة والمقاتلين.
استطرد أبو اياد قائلا:
– لم اكن أتوقع أكثر من هذا. فلماذا يعطونا ثمناً سياسياً للخروج. إنهم يعتبرون خروجنا أحياء وبالصورة التي وافقوا عليها هو الثمن المستحق بعد هذه الحرب الطويلة. على كل حال لنحتفظ بهذه الورقة وبعد الخروج نعرضها على أشقائنا وأصدقائنا وحلفائنا لعلنا نجد من بينهم من يستطيع البناء عليها. وأول من يتعين علينا أن نبحث الأمر معهم هم إخوتنا المصريون، ما دام الأمريكيون ذكروهم بالتحديد.
اظهر أبو الوليد دعما متحمسا لموقف أبو اياد، واظهر ابو جهاد تفهمه بأن هز رأسه موافقاً. لم يجد القائد العام حجة يسوق بها موقفه الذي سيؤدي حتماً إلى معركة يراها زملاؤه في غير وقتها بل ولا لزوم لها.
أشار أبو الوليد الى احتمال تفجر الوضع في اللحظة الأخيرة لأن الإسرائيليين يريدون ذلك، وقال:
- هذا هو تحليل اخوتنا اللبنانيين.
غُلب أبو عمار على امره وقال:
- ما دمتم ترون الأمور هكذا فعلى بركة الله.
وصل أشرف إلى مكان الاجتماع الصباحي. كان يحمل الرسالة التي طبعت كي ترسل الى الرئيس حافظ الأسد بناء على قرار القيادة المشتركة. اختطف أبو اياد الرسالة من يد حاملها وقال ضاحكا:
سأتلوها عليكم لأنني أحب التأكد من انها تضمنت اشادة بالرئيس حافظ الأسد
تلا الرسالة. كانت الاشادة واضحة بل ومبالغ فيها. نظر القائد العام ناحية رفاقه وقال:
- موافقين يا اخوانا
ردوا جميعا:
- طبعا
وسأل:
– حد عندو إضافات ـو ملاحظات؟
كان هذا السؤال من أجل اظهار نزعة ديموقراطية لدى القائد المتهم من قبل زملائه بالتفرد. ردوا جميعا
– في الرسالة ما يكفي ويزيد
- اذا على بركة الله
استل القلم من الجيب المثبت على ساعده الأيسر وفوق اسمه وصفاته التي تملأ ما تبقى من الصفحة، وضع توقيعه وسلم الرسالة لأبو الوليد وقال:
– بذلك انهينا كل شيء
وعقب بما يخالف الإشادة المبالغ فيها بالرئيس حافظ الأسد
– وأنا بقللكم يا اخوانا كمان مرة انو ما ان أضع قدمي على الباخرة اليونانية ينتهي نفوذ حافظ الأسد على القرار الفلسطيني.
اقترحت عليه أن يغفو قدر ما يستطيع، فقال:
– مخلاص اتفقست نومتي
لكنه دخل الى الغرفة لدقائق خرج بعدها بكامل هندامه العسكري. أحبَّ توديع رجال الكتيبة المعنوية الأولى. كان قد تبقى منهم حتى تلك الساعة ميشيل النمري، الذي كان اول من عانقه القائد العام وكاد يقتلع خصلة من شعره وهو يشدها بعنف، تلاه أمجد ناصر صاحب الموقعة الشهيرة معه. قال القائد العام:
- شفت يا ماجد يا خويا ازاي قدرنا عليهم. صححنا الاسم للمرة الثانية.
– أنت باقي هنا ولا حتغادر معنا
أجاب:
– لأ باقي
– طيب خلينا نشوف حتكتبوا ايه عن اللي حصل. وأنت يا طاهر؟
معاك يا سيادة الرئيس.
نظر إلي وكنت آخر من تحدث معه وقال:
-غلبتك واتعبتك دنتا معايا من الصبح للصبح
– تعبك راحة قلت
إقرأ أيضاً: نبيل عمرو في كتابه “أطول أيام الزعيم”(9): صائب سلام لـ”أبو عمار”: لن نطلب منك المغادرة
أدار ظهره لي وقال مش حودعك مهو انت طالع معايا على نفس الباخرة.
عدت إلى الشرفة، جلست في انتظار فنجان قهوتي الصباحي، شاهدت الرجل وهو يحشر نفسه في السيارة الصغيرة التي غادرت المكان للمرة الأخيرة.