“وول ستريت جورنال”: العراق مصيره “لبناني”

مدة القراءة 5 د

بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، من خلال الهجوم بطائرات مسيَّرة على مقرّ إقامته في المنطقة الخضراء المحصّنة في العاصمة بغداد، كثُرت التحليلات لدلالاتها وأبعادها وتداعياتها، ولا سيّما أنّها حدثت بعد الانتخابات العراقيّة، التي أحرزت فيها كتلة “التيار الصدريّ”، التابعة لرجل الدين مقتدى الصدر، فوزاً، بعكس ائتلاف “الفتح” بزعامة هادي العامري و”القوة الوطنية لائتلاف الدولة” بقيادة عمّار الحكيم وحيدر العبادي.

سبقت هذه المحاولةَ احتجاجاتٌ رافضةٌ لنتائج الانتخابات البرلمانية، تشكّك خلالها المتظاهرون في النتائج ونزاهة العمليّة الانتخابية. فردّ الكاظمي طالباً منهم التزام الطرق القانونية والمسار السلميّ. وبعد نجاته، أكّد في ظهوره التلفزيونيّ أنّ “الصواريخ والمُسيّرات الجبانة لا تبني أوطاناً، ولا تبني مستقبلاً”.

الأحداث العراقيّة الراهنة ليست سوى جزء من مشهد أكبر لمساعي إيران في المنطقة

في هذا السياق، تساءل المحلّل في صحيفة “وول ستريت جورنال” جوناثان سباير عن الجهة التي تقف وراء محاولة اغتيال الكاظمي، مشبّهاً ما آلت إليه الأوضاع في العراق بالسيناريو الواقعيّ في لبنان، ولفت إلى أنّه بعد هذه الحادثة يجب انتظار ردّة فعل رئيس الوزراء على المجموعات المدعومة من إيران.

ورأى الكاتب أنّ “محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي في منزله تشكّل تصعيداً خطيراً في ذلك البلد الذي مزّقته الفتنة”، معتبراً أنّ “ردّ السلطات السياسية سيحدّد إمّا وجود فرصة أمام العراق للخروج من أزمة لا أفق لنهايتها، وإمّا انتقاله إلى طريق اللبننة وحكم الأمر الواقع”.

وعلى الرغم من أنّ أيّ جهة لم تعلن مسؤوليّتها عن تسيير ثلاث طائرات فوق مقرّ الكاظمي في المنطقة الخضراء، التي تضمّ المكاتب الحكومية في بغداد، إلا أنّ “انتماء الجناة شبه واضح”، قال الكاتب، مشيراً إلى أنّ “المجموعات المدعومة من إيران لديها الوسائل والدوافع والقدرة على شنّ هجوم من هذا النوع بطائرات بدون طيّار”.

وعن سبب الوصول إلى هذا الحجم من التصعيد الخطير، ذكّر الكاتب بالانتخابات التي شهدها العراق في 10 تشرين الأول الماضي، والتي كانت فيها لائحة مقتدى الصدر في مقدّم الفائزين، إثر حصولها على 73 مقعداً من أصل 329 في مجلس النواب العراقي. أمّا الجهة الموالية لإيران فكانت الخاسر الرئيسي، مع تراجع أعداد مقاعد تحالف “الفتح والبناء” بزعامة القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري إلى 17 مقعداً، بعدما كان يحظى بـ48 مقعداً في الانتخابات السابقة.

محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي في منزله تشكّل تصعيداً خطيراً في ذلك البلد الذي مزّقته الفتنة

لم تتقبّل المجموعات التابعة لإيران نتائج الانتخابات، فأرسلت مناصريها إلى الشارع للمطالبة بإعادة فرز نتائج الانتخابات، ومعظمهم من أنصار “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحقّ” المرتبطتين بالحرس الثوري. وتحوّلت الاحتجاجات إلى اشتباكات مع القوى الأمنيّة في المنطقة الخضراء، حيث ألقوا الحجارة على عناصرها، وحاولوا شقّ طريقهم إلى تلك المنطقة حيث توجد السفارة الأميركية والبعثات الأجنبيّة الأخرى. ولفت الكاتب إلى أنّ “المجموعات الموالية لإيران تقوم بالطعن في شرعية السلطة السياسية من خلال استخدام القوّة المسلّحة”.

واعتبر الكاتب أنّ نتائج الانتخابات النيابية لا تعني أنّ المجموعات في العراق الموالية لإيران خسرت الدعم، ولا سيّما أنّها تتمتّع بقاعدة كبيرة من الناخبين، لكنّ المشكلة تمثّلت في عدم كفاءة الحملة الانتخابية، فنظام الدوائر الانتخابية المتعدّدة الجديد، الذي اُعتُمد وفق قانون الانتخابات العراقية، يتطلّب ترتيباً دقيقاً لعدد المرشّحين في دوائر انتخابية جديدة متعدّدة المقاعد. وقد تمكّن الصدر من فهم القانون وأساسيّاته فأحرز الفوز، وأمّا المجموعات التابعة لإيران فلم تفعل ذلك.

وعادَ الكاتب بالذاكرة إلى لبنان في العام 2008، عندما سيطر “حزب الله” المدعوم من إيران أيضاً على أجزاء من بيروت، معلناً مَن يمتلك السلطة حقّاً في لبنان. وأشار الكاتب إلى أنّه “لم يحاول أحد منذ ذلك الحين تحدّي حزب الله، فيما غادر المستثمرون لبنان الذي وقع في كارثة اقتصادية وشلل سياسي”. وبحسب الكاتب فإنّ العراق يواجه الآن مأزقاً مماثلاً، فالمجموعات ليست منعزلة، بل متجذّرة في أعماق الحكومة العراقية.

وأضاف الكاتب: “ليس واضحاً امتلاك الدولة العراقية للإرادة أو القدرة على نزع سلاح هذه الجماعات، لكنّ أيّ فرصة لديها للخروج من الأزمة الدائمة تتطلّب بأن تقوم بتلك الخطوة”، لافتاً إلى أنّ “التاريخ يؤكّد أنّ النظام الديموقراطي لا يمكن أن يتعايش بشكل دائم مع الحركات السياسية المسلّحة”.

إقرأ أيضاً: أغناتيوس: محاولة اغتيال الكاظمي.. ضمنت ولايته الثانية

واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنّ الأحداث العراقيّة الراهنة ليست سوى جزء من مشهد أكبر لمساعي إيران في المنطقة. ونبّه إلى أنّ “محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي تزيد من حدّة المخاطر، ويبقى انتظار ردّة الفعل والاستجابة”.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…