“كُلّ الخيارات مطروحة للتعامل مع الملفّ النّوويّ الإيراني، ومن بينها الخيار العسكريّ، إلّا أنّ الدّبلوماسيّة هي الخيار الأمثل”. عبارة غير مُفاجئة في المضمون، لكنّ المُفاجئ فيها ورودها على لسان وزير الخارجيّة الأميركيّ “الدّبلوماسيّ جدّاً” أنتوني بلينكن في مؤتمرٍ صحافيّ عقده قبل أيّام.
لم يكُن بلينكن أوّل مسؤولٍ في إدارة الرّئيس جو بايدن يتحدّث عن “خيارات أخرى” للتّعامل مع الملفّ النّوويّ الإيرانيّ، إلّا أنّه الأرفع والأقرب إلى الدّبلوماسيّة.
بحسب معلومات حصل عليها “أساس” من مصادر وزارة الخارجيّة الأميركيّة، أبلغت طهران المجموعة الدّوليّة بأنّها باتت مُستعدّة لاستئناف المُحادثات بينها وبين مجموعة الـ4+1، أي من دون الولايات المُتّحدة
لذلك توقّفَ مُراقبون عند النّبرة العالية التي استعملها بلينكن. وتساءَل بعضهم عن جدّيّة إدارة بايدن بالتّلويح بالخيار العسكريّ ضدّ إيران، فيما كانَ مُستشار الأمن القوميّ في البيت الأبيض جايك سوليفان يؤكّد مُجدّداً لنظيره الإسرائيليّ الجديد إيال هولتا مُعارضة بايدن أيّ تحرّك عسكريّ إسرائيليّ ضدّ طهران. وهذا بحسب ما علمَ به “أساس” من مصادر مُطّلعة على أجواء اللقاء الذي عُقِدَ بينهما في العاصمة الأميركيّة واشنطن مطلع شهر تشرين الأوّل المُنصرم.
يكمُن السّرّ خلف التّصريحات الأميركيّة المتّصلة بـ”خيارات التّصعيد” مع إيران في المُحادثات التي تجري بعيداً عن الإعلام منذ قرابة أسبوعين لتحديد موعد جلسة جديدة لمفاوضات الاتفاق النّوويّ. وبحسب معلومات حصل عليها “أساس” من مصادر وزارة الخارجيّة الأميركيّة، أبلغت طهران المجموعة الدّوليّة بأنّها باتت مُستعدّة لاستئناف المُحادثات بينها وبين مجموعة الـ4+1، أي من دون الولايات المُتّحدة.
وعلمَ “أساس” أنّ إيران أبلغت الأميركيين عبر القنوات الفرنسيّة أنّها لن تفاوضهم مفاوضات مُباشرة إلّا بعد رفع العقوبات التي فرضها الرّئيس السابق دونالد ترامب بُعيد انسحابه من الاتفاق النّوويّ المُوقّع سنة 2015.
أعادَ الجواب الإيرانيّ تفعيل المُحرّكات الأوروبيّة، التي بدورها نشطت على خطّ تفعيل الاقتراح السّابق الذي قدّمته واشنطن إلى إيران، وينصّ على توقيع اتفاقٍ جديدٍ ثُنائيّ بينهما بعد وصول محادثات فيينا إلى طريقٍ مسدودٍ، والذي كان “أساس” أوّل من كشف عنه.
في اللقاء الذي عُقِدَ قبل أيّام في العاصمة البلجيكيّة بروكسل بين المُستشار السّياسي لوزارة الخارجيّة الإيرانيّة علي باقري ومُنسّق اللجنة المشتركة للاتفاق النوويّ إنريكي مورا، أعادَ الأخير تأكيد ضرورة تفعيل التفاوض بين المجموعة الدّوليّة وإيران للوصول في وقتٍ لاحق إلى اتفاقٍ بين إيران والولايات المُتّحدة.
وفي بروكسل، تمّ الاتفاق مبدئيّاً بين الطّرفيْن على إعادة المُحادثات بين إيران ومجموعة الـ4+1 بعد النّصف الثّاني من شهر تشرين الثّاني الجاري. وهذا ما أكّدته طهران بشكلٍ رسميّ قبل ساعات قليلة من نشر هذا التّقرير، بإعلانها استئناف المفاوضات في 29 الجاري.
علمَ “أساس” أنّ إيران أبلغت الأميركيين عبر القنوات الفرنسيّة أنّها لن تفاوضهم مفاوضات مُباشرة إلّا بعد رفع العقوبات التي فرضها الرّئيس السابق دونالد ترامب بُعيد انسحابه من الاتفاق النّوويّ المُوقّع سنة 2015
وفي المعلومات، التي حصَل عليها “أساس” من مصادر مُقرّبة من المبعوث الأميركيّ إلى إيران روبرت مالي، أنّ المخرج الذي يُعملَ عليه بجهودٍ أوروبيّة لإعادة إحياء اتفاق 2015 مبنيّ على الآتي:
أوّلاً: إعادة تفعيل التعامل التّجاري بين الدّول الأوروبيّة وإيران، والالتزام بكامل البنود الاقتصاديّة التي ينصّ عليها اتفاق 2015. وهذا ما سيسمح بالتّبادل التّجاري عبر المصارف الإيرانيّة.
ثانياً: على طهران إلغاء الخطوات التّصعيديّة التي بدأت بتفعيلها أواخر سنة 2020، ردّاً على انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النّوويّ، وبناءً على قرار مجلس الشّورى الإيرانيّ. في مُقدَّمِ هذه الخطوات العودة إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة تراوح بين 3.67% و4.5% حدّاً أقصى عوضاً عن نسبة الـ20%، وحتّى الـ60% التي وصلت إليها إيران في بعض منشآتها، والسّماح بدخول مُفتّشي الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة إلى المنشآت النّوويّة.
ثالثاً: في حال تكلّل الخطوتين السّابقتين بالنّجاح، وإعادة تفعيل اتفاق 2015 بين إيران والـ4+1، تعمل المجموعة الدّوليّة، وتحديداً الدّول الأوروبيّة الـ3 فرنسا وبريطانيا وألمانيا على عقد محادثات مُباشرة بين واشنطن وطهران، يبحث الطّرفان فيها كلّ الملفّات العالقة بينهما، مثل الصّواريخ الباليستيّة والأذرع الإيرانيّة المُنتشرة على جغرافيا الشّرق الأوسط، والسّلوك الإيرانيّ مع دول الجوار، وتحديداً دول الخليج العربيّ.
إقرأ أيضاً: أميركا تقدّم عرضاً جديداً لإيران: اتفاق ثنائيّ؟
في حال نجحَ المسعى الأوروبيّ، تكون إيران قد حفظَت ماء وجهها عبر تمسّكها بشرطها الأساسيّ المُتمثّل برفع العقوبات الأميركيّة قبل العودة إلى الاتفاق النّوويّ مع أميركا. بدورهم يكون الأميركيّون قد حفظوا ماء الوجه أيضاً بعدم العودة إلى الاتفاق قبل مناقشة النّقاط العالقة مع إيران.
بينَ المخارج ومحاولة إعادة إحياء اتفاق 2015، قد تُخفي التّصريحات الأميركيّة والتّصرّفات الإيرانيّة من لبنان إلى اليمن، مروراً بمنطقة التّنف جنوب شرق سوريا والعراق، الكثير من المُفاجآت، التي قد تحملها الأيّام الفاصلة عن موعد جلسة المُفاوضات الجديدة، إن حصلت…