لم يعُد السؤال: هل يستقيل وزير الإعلام جورج قرداحي؟ بل هل يستقيل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي؟ متى وبأيّ كلفة؟ وما هو مصير العهد في ولايته الأخيرة؟
راعى رئيس الحكومة خلال الجولة التي قام بها عقب عودته من اسكتلندا حليفه الرئيس نبيه برّي في الشكل، فلم يتوجّه موكبه من بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية مباشرة نحو عين التينة، بل سلك طريق السراي.
قال ما قاله من رسائل عالية السقف موجّهة تحديداً نحو حزب الله، “مستقوياً” بجرعات الدعم الفرنسية والأميركية لبقاء حكومته صامدة أمام التسونامي الخليجي. وبعد ذلك التقى الرئيس برّي طالباً منه بذل جهد أكبر مع الحزب وسليمان فرنجية لإنقاذ الحكومة، وطُرِحت خلال اللقاء تداعيات خيار إقالة قرداحي، فيما كان حزب الله يطالب السعودية بـ”الاعتذار”.
يقول متابعون إنّ “رسائل بالغة الوضوح من المقلب الخليجي وصلت إلى ميقاتي تحمّله مسؤولية مباشرة عن الموافقة على توزير شخصيات تابعة لحزب الله في الحكومة تحت عنوان وزراء اختصاصيين
أعرب ميقاتي عن استيائه الشديد من المواقف “الشاذّة” التي صدرت عن بعض الوزراء، وهو الأمر الذي كان أشار إليه في كلمته من السراي بدعوة الوزراء إلى الالتزام بالتضامن الوزاري.
وباتت أزمة استقالة وزير الإعلام مترابطة بشكل كامل مع أزمة تحقيقات القاضي البيطار في ملفّ انفجار بيروت. “لغمان” جمّدا عمل الحكومة بانتظار “خارطة طريق” تسمح بفكّ صاعقيْهما.
مع ذلك، تنفي أوساط في حزب الله “وجود مقايضة بين الملفّين على قاعدة تنحية البيطار مقابل استقالة قرداحي”، مؤكّدة أنّ “الأمر غير قابل للنقاش من هذه الزاوية لأنّ استقالة أو إقالة وزير الإعلام لهما محاذيرهما السياسية في ظلّ ما يُشبه الحرب المعلنة من بعض دول الخليج على الحزب مباشرة، والتي لن يؤثّر فيها أيّ إجراء من هذا النوع، هذا أوّلاً، وأمّا ثانياً لأنّ تنحية البيطار هو شرط لا عودة عنه كي يستقيم التحقيق ويلتئم مجلس الوزراء مجدّداً”.
وفي هذا السياق، أفادت معلومات بأنّ اللقاء الذي جَمَع ميقاتي مع المعاون السياسي للأمين العامّ لحزب الله الحاج حسين خليل لم يؤدِّ إلى أيّ خرق مع تمسّك الحزب برفض استقالة قرداحي أو إقالته.
دعوى ردّ البيطار
وسُرِّبت في اليومين الماضيين أجواء عن احتمال قبول دعوى ردّ القاضي البيطار المقدّمة من الوزير السابق يوسف فنيانوس. وهي الدعوى الثالثة (من ضمن 14 دعوى) التي تؤدّي إلى كفّ يد البيطار عن التحقيقات بانتظار أن تبتّها محكمة الاستئناف.
وبُنِيت هذه الاستنتاجات على ما تردّد عن وصول طلب الردّ إلى يد القاضي حبيب مزهر عضو مجلس القضاء الأعلى الذي يُسلّم بتجاوز البيطار للقوانين، ويتحدّث عن شوائب في عمله محقّقاً عدليّاً.
ومحكمة الاستئناف هي نفسها التي سبق لها برئاسة القاضي نسيب إيليا أن ردّت شكلاً وبالإجماع طلبات الردّ المقدّمة من الوزراء علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق لـ”عدم الاختصاص النوعيّ”.
وبعد اللغط الذي أُثير حول انتداب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله القاضي مزهر لرئاسة الغرفة الثانية عشرة التي كان يشغلها إيليا بعد طلب الردّ بحق الأخير من قبل وكيل فنيانوس، وفيما تردّد أنّ محكمة الاستئناف قضت بتكليف القاضي مزهر حصراً بدراسة طلب الردّ المقدّم من وكيل فنيانوس بحقّ القاضي إيليا وليس دراسة طلب الردّ المقدّم بحق البيطار، فإنّ مصدراً قانونيّاً أوضح لـ “أساس”: “إذا كانت نيّة القاضي رزق الله الطلب من القاضي حبيب مزهر البتّ فقط بطلب تنحّي القاضي إيليا، فلماذا أورد في الإفادة (ردّاً على طلب نقابة المحامين) ما حرفيّته أنّه بعد مراجعة سجلّ الانتداب تبيّن أنّه يوجد قرار تكليف الرئيس حبيب مزهر رقم 331 تاريخ 12-11-2021 لرئاسة هيئة الغرفة الاستثنائية الثانية عشرة للنظر في الملف الرقم 72/2021 موضوع طلب ردّ القاضي نسيب إيليا بعد قبول عرض تنحّيه للنظر في الدعوى المذكورة. وهذا ما يعني بشكل واضح أنّ طلب تنحّي نسيب إيليا قد قُبِل فعلاً، فأين المنطق في الطلب من القاضي مزهر البتّ بهذا الطلب”، مشيراً إلى أنّ جواب القاضي رزق الله “فيه شيء من التناقض وغير مكتمل، وهو يعني بشكل أو بآخر بتّ القاضي مزهر بطلب ردّ القاضي البيطار”.
لم تتبلّغ دوائر رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة بموعد وصول وزير الخارجية القطري إلى بيروت على خطّ الوساطة بين لبنان والدول الخليجية
وقد تردّد أنّ القاضي مزهر طلب من المحقّق العدلي كامل الملفّ في شأن التحقيقات تمهيداً لإصدار قراره، وهو الأمر الذي رفضه البيطار سابقاً بعد طلبات مماثلة من النيابة العامّة التمييزية وحتى مجلس النواب. بالمقابل، يبدو أنّ تحرّكاً مضادّاً سيحصل للطعن بقرار القاضي مزهر بكفّ يد القاضي البيطار عن تحقيقات المرفأ.
هي تفاصيل قضائية ترتبط حكماً بأيّ تطوّر على مستوى مصير القاضي البيطار، واستطراداً مصير الحكومة ومصير الوزير المطلوب إقالته أو استقالته، وصولاً إلى ما يتردّد عن تسوية ستشمل أحداث الطيّونة من خلال تنحّي مفوّض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي عن النظر فيها بعد تقديم طلبيْ ردّ بحقّه وعدم مثول جعجع أمام قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان.
الحلّ خارج الحكومة
يتناسب المسار القضائي، الذي قد يقود إلى تنحية البيطار عن الملفّ، مع توجّه رئاسيّ لدى عون وميقاتي بأن يكون الحلّ عبر القضاء وليس على طاولة مجلس الوزراء، ولا حتى من خلال وزير العدل الذي تقتصر مهمّته على طرح اسم قاضٍ لتعيينه محقّقاً عدليّاً، وليس سحب القرار بالتعيين.
لكنّ هذا المسار المتشعّب والمترابط لم تتّضح معالمه بعد. ووفق المعلومات، لم تقُد الاتصالات السياسية بعد إلى أيّ مخرج في شأن استئناف جلسات مجلس الوزراء في ظلّ رفض حزب الله إقالة الوزير قرداحي بشكل حاسم. فيما يشترط الحزب حلّ معضلة البيطار قبل توجّه الوزراء الشيعة للمشاركة في أيّ جلسة للحكومة.
وحتى اللحظة لم تتبلّغ دوائر رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة بموعد وصول وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى بيروت بناءً على توجيهات أمير قطر بالدخول على خطّ الوساطة بين لبنان والدول الخليجية.
إقرأ أيضاً: الساعات الأخيرة لحكومة ميقاتي
ويقول متابعون إنّ “رسائل بالغة الوضوح من المقلب الخليجي وصلت إلى ميقاتي تحمّله مسؤولية مباشرة عن الموافقة على توزير شخصيات تابعة لحزب الله في الحكومة تحت عنوان وزراء اختصاصيين. وهو بذلك يتحمّل مسؤولية أكبر من مسؤولية هؤلاء الوزراء لأنّه يسعى إلى ترميم العلاقات مع الخليج من خلال فريق وزاري بعضه يكنّ العداء للسعودية والإمارات وغيرهما من دول الخليج”.