تتوالى العواصف السياسية والأمنيّة على الساحة اللبنانية، إذ جاءت عاصفة تهديد الثنائي الشيعي على طاولة مجلس الوزراء رفضاً للمحقّق العدلي طارق البيطار، مرفقة بعاصفة أمنيّة في الطيّونة، ثمّ عاصفة دبلوماسية سياسية أثارتها مواقف دول مجلس التعاون الخليجي من لبنان. ويرجّح المراقبون أنّها عواصف مترابطة ستقود حتماً إلى انقسام حادّ لا مكان فيه للحلول الوسط. فكيف تبدو الساحة اللبنانية وسط هذه المواجهة؟
وهل تحولت الساحة اللبنانية من متعدّدة الأقطاب إلى قطبين أساسيين مع وضوح موقف حزب الله خلف إصرار وزير الاعلام جورج قرداحي على عدم الاستقالة، مقابل رسالة سعودية أكثر وضوحاً أراد السفير السعودي ترسيخها من خلال لقائه برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قبل مغادرته لبنان.
لا بدّ من قراءة تموضع القوى السياسية الفاعلة ومآزقها قبل أشهر من الموعد المفترض لإجراء الانتخابات النيابية وسط معلومات تتحدّث عن أنّها ستكون أشهراً قاسيةً على مستوى الأزمات السياسية والاقتصادية، وربّما الأمنيّة
الأزمة تأخذ مساراً تصاعدياً أمام الحكومة وأمام القوى السياسية المختلفة في مشهد مربك بين من يحمل موقفاً واضحاً من المملكة والقوات وحزب الله، وبين من يسعى إلى البقاء في المنطقة الرمادية. غير أنّ كلّ المؤشرات تؤكّد أن لا منطقة رمادية بعد اليوم في الصراع وأنّ القوى المختلفة أصبحت محاصرة بواقع جديد يفرض عليها الوقوف على أحد جانبي الصراع.
عندما كتب ملحم الرياشي منذ أيّام نقلاً عن مارتن لوثر كينغ، “في المحصّلة لن نتذكّر كلام الأخصام أو الأعداء، إنّما.. صمت الأصدقاء”، لم يكن هذا العتب القوّاتيّ القاسي موجّهاً إلى حزب الله أو حركة أمل أو التيار الوطني الحر، بل كان موجّهاً إلى الأصدقاء الذين يتخبّطون في مآزقهم يوماً بعد يوم، سواء على مستوى حيثيّتهم لدى الرأي العامّ “الآذاريّ” أو على مستوى التساؤلات الكبرى والانقسام الكبير بعد أحداث عين الرمّانة الأخيرة.
سرعان ما لحق هذا العتب تغريداتٌ متضامنةٌ، من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لم ترتقِ، كما تصفها مصادر قوّاتيّة، إلى مستوى المواجهة الحتميّة المقبلة على البلاد.
وعليه لا بدّ من قراءة تموضع القوى السياسية الفاعلة ومآزقها قبل أشهر من الموعد المفترض لإجراء الانتخابات النيابية وسط معلومات تتحدّث عن أنّها ستكون أشهراً قاسيةً على مستوى الأزمات السياسية والاقتصادية، وربّما الأمنيّة.
سعد الحريري يعاني من انهيارات متتالية، وقد يكون الخيار المرجّح له عدم خوض الانتخابات النيابية لِما لأزمته مع المملكة العربية السعودية من تأثير. ولعلّ تغريدة فارس سعيْد هي الأكثر دلالةً على توجّه الحريري إلى الانسحاب من المشهد السياسي المقبل في قوله: “قرّرت شخصيّة رفيعة شغلت الرأي العامّ منذ العام 2005، وترأس تكتّلاً نيابيّاً عريضاً، عدم الترشّح في انتخابات 2022. وغيابه قد يُحدث فراغاً داخل طائفته”.
سعد الحريري يعاني من انهيارات متتالية، وقد يكون الخيار المرجّح له عدم خوض الانتخابات النيابية لِما لأزمته مع المملكة العربية السعودية من تأثير
وليد جنبلاط مأزوم أيضاً. فحزب الله على كتفه في الجبل، والرئيس السوري بشّار الأسد يستعيد نفوذه. همّ جنبلاط توريث ابنه تيمور أقضية الشوف وعاليه وحاصبيا، ولهذا ينتهج سياسة الحدّ من الخسائر مع كلّ القوى السياسيّة، فيهادن عون وباسيل وجعجع والحريري والحزب في آن معاً، ويبتعد عن المواجهات. فكيف سيقارب جنبلاط المواجهة المقبلة بكلّ ما لديه من “خصوصيّات”.
سامي الجميّل يبحث عن زعامة ضائعة منذ أيام والده أمين الجميّل الذي بدوره لم يُحسن وراثة بشير الجميّل. يقف سامي اليوم على أبواب ما يُسمّى المجتمع المدني عالقاً بين مَن يريده ومَن لا يريده.
سليمان فرنجية زعامة محصورة في شمال لبنان تصل إلى كسروان عبر فريد الخازن وجورج قرداحي أخيراً. حليف حزب الله وسوريا. هادن طويلاً دول الخليج قبل أن تتفجّر أزمة العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية عبر وزيره في الحكومة. يحرص على لقاءات جيّدة مع البطريرك، ويفضّل لقاءاته معه في ديار فرنجية في الديمان أكثر منها في بكركي.
جبران باسيل المأزوم داخليّاً وخارجيّاً. يتعامل مع مأزقه الخارجي من موقع مظلوميّة المدّعى عليه من دون الانتقال إلى مرحلة الهجوم كما سبق أن وعد برفع دعوى قانونية ضدّ الولايات المتحدة الأميركية على خلفيّة قرار العقوبات عليه. مأزوم داخليّاً بعد مواجهة سلسلة انهيارات منذ بداية العهد حتى نهايته. وبالانتظار، يراهن على التسوية المقبلة في المنطقة بين الأميركيين والإيرانيين عساها ترجّح خياراته السياسية.
يبقى سمير جعجع الذي يحافظ لنفسه على كتلة صلبة أصبحت أكثر تصلّباً مع أحداث عين الرمّانة. هي الكتلة الصلبة الوحيدة التي يمكن لها أن تكون على يمين الكتلة الصلبة التي يملكها الثنائيّ الشيعيّ، وتحديداً حزب الله. على يمين سمير جعجع بكركي والمملكة العربية السعودية. بكركي وقفت سدّاً منيعاً أمام أيّ “محاولة لاغتياله سياسيّاً”، والمملكة أرسلت سفيرها إلى معراب في آخر لقاء له قبل انسحابه من بيروت لتقول إنّ جعجع هو حليف المملكة الأوّل في لبنان. وفي المعلومات أنّ السفير البخاري أبلغ جعجع بالخطوات السعودية المقبلة، وبخطوات يمكن أن يتّخذها مجلس التعاون الخليجي اتّجاه لبنان.
إقرأ أيضاً: استثمار العهد في العزلة العربية
انقسام المشهد هذا حوَّل جعجع بعد حادثة الطيّونة-عين الرمّانة إلى الزعيم المتقدِّم، وهو ما يُقلق جدّيّاً حزب الله.
كيف يتعامل حزب الله مع قلقه هذا ولبنان يشارف على انتخابات “مصيرية”؟ تتحدث المعلومات عن خطة وضعها حزب الله لدعم حليفه المسيحي في الاستحقاق المقبل. فهل ينجح؟