في ظلّ الأزمة الخانقة التي تمرّ بها السلطة الفلسطينية، وعجزها عن دفع فاتورة رواتب موظّفيها، أعلن الاتحاد الأوروبي استئناف الدعم المقدَّم للسلطة الفلسطينية بعد توقّفه لشهور طويلة.
وقال مسؤول مكتب الإعلام والاتصال في الاتحاد الأوروبي شادي عثمان إنّ “الاتّحاد سيصرف خلال الأسابيع المقبلة جزءاً من التعهّدات الماليّة للسلطة الفلسطينية. وقد تساعد هذه الدفعة السلطة الفلسطينية على الوفاء بجزء من التزاماتها في ما يتعلّق بفاتورة رواتب موظّفي الخدمة المدنيّة”.
يرى المراقبون أنّه لا يمكن النظر إلى كل ما يحدث للفلسطينيّين على أنّه مصادفة، ولا يمكن النظر ببراءة أيضاً إلى انحسار الدعم الماليّ الدولي عن الفلسطينيّين
وجاء استئناف الدعم الماليّ بعد زيارة قام بها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه لدول أوروبية، الأسبوع الماضي، حصل فيها على وعود بدعم يصل إلى 600 مليون دولار.
وشملت جولة اشتيه بروكسل ولوكسمبورغ واسكوتلندا، وكان هدفها حشد الدعم لعمليّة التسوية واستئناف دعم الموازنة الفلسطينية، والتقى خلالها العديد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي.
الاتحاد الأوروبي يدعم السلطة بما يقدّر بـ300 مليون يورو سنويّاً، لكنّ هذا الدعم تراجع بشكل كبير منذ العام الماضي. وسبق أن حذّر مسؤولون فلسطينيون من أنّ السلطة الفلسطينية تعاني أزمة ماليّة خانقة بسبب حسم إسرائيل أموال الضرائب الفلسطينية، وبسبب أزمة كورونا.
وقبل أيّام، صرف الاتحاد الأوروبي دفعة تقدّر بـ92 مليون يورو لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تعاني أزمة ماليّة حادّة أيضاً.
وقد شاب العلاقة بين الاتّحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية فتور على خلفيّة مقتل الناشط السياسي نزار بنات على أيدي أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة، وتأجيل الانتخابات التشريعية.
وليس خافياً على أحد ما تعانيه السلطة الفلسطينية من ضعف واضح، بسبب تراجع إيراداتها بنسبة 90% خلال السنوات الخمسة الأخيرة، وانتهاج رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو سياسة إضعاف وإحراج السلطة الفلسطينية، ورفضه تقديم بادرات طيّبة أو تسهيلات للسلطة الفلسطينية، وبالتوازي دفعه باتجاه إقرار تسوية مع حركة حماس في قطاع غزّة.
أدّت سياسة حكومة نتانياهو ضدّ السلطة الفلسطينية، والتضييق عليها، إلى استمالة الرأي العامّ الفلسطيني في الضفة الغربية إلى حركة حماس، في ضوء تسهيلات حقّقتها حماس في قطاع غزة بعد حملة مسيرات العودة وجولات قتالية كثيرة ضدّ إسرائيل في السنوات الأخيرة. وفي المقابل واجهت السلطة الفلسطينية نقداً داخليّاً بسبب استمرار الحرص على التنسيق الأمنيّ مع إسرائيل.
أمّا رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت فقد صرّح بأنّ حكومته تعارض بشدّة إقامة دولة فلسطينية، وأنّه “من أجل إنشاء كيانات شبيهة بالدولة، بدأت تل أبيب بتبنّي سياسة إعطاء تسهيلات واسعة للسلطة الفلسطينية، هي الأولى منذ عقد، إذ سمحت بزيادة عدد العمال الفلسطينيين في مجال البناء في إسرائيل 15 ألفاً”.
استئناف الاستيطان في الضفّة
وصادق ما يُسمّى” المجلس الأعلى للتخطيط والبناء”، التابع للإدارة المدنيّة لسلطات الاحتلال، على خطّة بناء 1303 وحدات سكنيّة للفلسطينيّين في قرى بالمناطق المصنّفة “ج”، وهي مناطق تخضع لسيطرة إسرائيلية أمنيّة واقتصادية كاملة، وتسوية أوضاع 4 آلاف فلسطيني، بعضهم ليست لديهم هويّة، وبعضهم الآخر أصلهم من قطاع غزة ويسكنون في الضفة منذ سنوات طويلة.
لكن في المقابل أعلنت إسرائيل البدء بتنفيذ خطط لبناء أكثر من 3000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية المحتلّة، ومن المقرّر أن تبني الكثير من الوحدات في مناطق تقع في عمق الضفة الغربية.
وعقب صدور القرار، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالاً بوزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، وأبلغه بأنّ حجم البناء في المستوطنات غير مقبول من الإدارة الأميركية. وحسب تقارير عبرية، فإنّ المكالمة الهاتفية بينهما كانت “متوتّرة”.
وأوردت القناة الـ12 الإسرائيلية أنّ المحادثة كانت “حادّة”، وتشير إلى أوّل “خلاف جدّيّ” بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية.
وأبلغ بلينكن غانتس بأنّ قرار التوسّع الاستيطاني “مثير للإحباط، وإشكاليّ، ولم يُنسَّق معنا”.
السلطة تشهد أسوأ أزمة ماليّة في تاريخها، وقد تهدّد بعدم دفع الرواتب. أمّا حركة حماس في قطاع غزة فتعيش ما هو أسوأ، إذ إنّها تفاوض على كيفيّة إدخال عشرة ملايين دولار رواتب لموظّفيها. ومن الطبيعي أنّ السياسة ليست ابنة المصادفات
وذكر المراسل السياسي لصحيفة “هآرتس” أنّ بينيت قدّر أنّه يستطيع الانعطاف نحو الشقّ اليميني في حكومته والدفع “ببناء رمزي” في المستوطنات، على أن يشجّع الشقُّ الآخر في الحكومة، أي حزبا “العمل” و”ميرتس”، المجتمع الدولي على احتواء هذا القرار.
وعلى الرغم من أنّ الحديث عن “احتكاكات فائض عن الحاجة يشوّه العلاقات بين البلدين”، إلا أنّ “انتقادات واشنطن لها إيجابيات أيضاً، وتصبّ إلى درجة كبيرة في مصلحة بينيت، إذ تزوِّده بأرباح سياسية، وتُظهره يمينيّاً وصلباً حتى في وجه الإدارة الأميركية”.
ويرى المراقبون أنّه لا يمكن النظر إلى كل ما يحدث للفلسطينيّين على أنّه مصادفة، ولا يمكن النظر ببراءة أيضاً إلى انحسار الدعم الماليّ الدولي عن الفلسطينيّين.
فالسلطة تشهد أسوأ أزمة ماليّة في تاريخها، وقد تهدّد بعدم دفع الرواتب. أمّا حركة حماس في قطاع غزة فتعيش ما هو أسوأ، إذ إنّها تفاوض على كيفيّة إدخال عشرة ملايين دولار رواتب لموظّفيها. ومن الطبيعي أنّ السياسة ليست ابنة المصادفات.
فهل في عداد المصادفات أن يشرف الوضع الفلسطيني على الانهيار، وفجأة تتوقّف المساعدات الدولية؟!
إقرأ أيضاً: عن الحلف السرّي بين حماس وإسرائيل (1/2)
يتعلّق الأمر بحكومة تل أبيب التي حوّلت الضفة الغربية إلى ما وصفه المبعوث الأميركي هادي عمرو بـ”الغابة الجافّة”. فقد جفّت كلّ شرايين الدعم دفعةً واحدة. وعندما جاء عمرو إلى المنطقة تفاوض مع الإسرائيليين على تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيّين، وعندما زار بينيت واشنطن طلب منه الرئيس الأميركي أن يعمل على تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين.
يبدو أنّ إسرائيل سعت إلى تأزيم الوضع المالي والاقتصادي في الضفة الغربية وغزّة، لاستعماله ورقةً في سوق البازار. ومن أجل ذلك، كان لا بدّ أن يصل الوضع الفلسطيني إلى حافّة الكارثة، وأن يعيش الفلسطينيون هاجس الفشل وانعدام التوازن وفقدان السيطرة إلى حدٍّ يتحوّل معه تحسين الوضع الاقتصادي، الذي رفضوه سابقاً في صفقة القرن لصاحبها دونالد ترامب، إلى “مطلب فلسطيني” تحت وطأة الأزمة الماليّة. خصوصاً في ظلّ المنافسة الفلسطينية بين الإخوة الأعداء، حركتيْ فتح وحماس، وخوفهما من أن يصبّ فشل إحداهما في مصلحة الأخرى.