عاد الحديث والجدل البيزنطي يدوران مجدّداً حول إقفال البلد بعد الارتفاع المخيف في عدد الإصابات (3101 إصابة محليّة و52 إصابة وافدة من الخارج أمس الأوّل و4537 إصابات أمس)، وارتفاع نسبة الفحوص الموجبة للأسبوعين الماضيين إلى 11.5%.
استقرّ النقاش حول الإقفال العامّ من عدمه بموازاة الإيعاز إلى الأجهزة الأمنيّة التشدّد في تطبيق إجراءات الوقاية العامّة في مختلف الأراضي اللبنانية، خصوصاً في فترة الاحتفالات والتجمّعات في ليلة رأس السنة، لِما يمكن أن يسبّبه الإقفال من ضرر اقتصادي، إضافة إلى أهميّة أن يتحلّى المواطنون بالوعي للتخفيف من وطأة سرعة انتشار فيروس كورونا، بحسب ما أعلن وزير الداخلية بسام مولوي.
دبيْبو: الإقفال لا يُجدي نفعاً
رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية المعدية في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، والمستشار في لجنة “منظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط”، البروفيسور غسان دبيبو، أكّد لـ”أساس” أنّ “إقفال البلد لا يفيد”. يوافق على احتمال انخفاض عدد الإصابات، لكن يعتبر أنّه سيكون “انخفاضاً مؤقّتاً”، ويرى أنّ “الإقفال سيؤذي الاقتصاد والوضع لا يحتمل”، وأنّ “ارتفاع عدد الإصابات يعود لأشخاص تلقّوا اللقاح أو أصيبوا بكورونا سابقاً، وهذا سببه المتحوّل الجديد “أوميكرون” القادر على التحايل على جهاز المناعة. لكنّ الحقيقة المطمئنة أنّ الإصابات خفيفة ولا تستدعي دخول المستشفيات وليست بحاجة إلى أوكسيجين ولا للدخول إلى غرف عناية فائقة. فمتحوّل “أوميكرون” مثل متحوّر “دلتا” لديه قدرة على الانتشار سريعاً، كما بات معروفاً، وذلك بسبب التراخي في إجراءات الوقاية”.
دبيبو أكّد لـ”أساس” أنّ “إقفال البلد لا يفيد”. يوافق على احتمال انخفاض عدد الإصابات، لكن يعتبر أنّه سيكون انخفاضاً مؤقّتاً
أمّا عن عدد الإصابات اليوميّة الوافدة إلى المطار فدعا إلى “عدم وضع اللوم على الوافدين. بل هناك تراخٍ في الداخل أيضاً. المطاعم مكتظّة والناس لم تعُد ترتدي الكمّامة”.
دبيبو يؤيّد قرار وزير التربية عباس الحلبي عدم إقفال المدارس: “هي حُكماً مركز لانتقال الفيروسات، وليس فقط كورونا، لذلك لا أجد في الإقفال أيّ جدوى”. ويتحدّث عن اهتمام الأطباء “بسلامة الطفل وصحّته النفسية والجسدية. فأطفالنا تأذّوا كثيراً نتيجة إقفال المدارس الذي استمرّ عامين تقريباً، وأصبحت لديهم مشاكل نفسية وتعلُّمية… من هنا يجب خلق التوازن بين الصحة النفسية والجسدية”.
ويدعو دبيبو إلى التشدّد في إجراءات الوقاية بتلقيح جميع الفئات العمريّة. كما يدعو وزارة الصحّة إلى “تلقيح الأطفال فوق عمر 5 سنوات، إضافة إلى الفئات العمرية من 12 عاماً وما فوق، والبالغين وجميع الكوادر التعليمية (من سائقي الأوتوكار إلى الأساتذة…)”.
ويختم: “سنشهد المزيد من الارتفاع في عدد الإصابات إذا بقي التهاون والتراخي في الإجراءات على حاله، وإذا لم ترتفع نسبة المناعة المجتمعية. نحن ما زال لدينا نسبة 65% من المجتمع غير ملقّحة. هذا رقم كبير جدّاً، وهو الذي يتسبّب بانتشار الوباء السريع، خاصة في المناطق البعيدة عن بيروت وجبل لبنان”.
عراجي: التفشّي سيملأ المستشفايات
بدوره، أشار رئيس لجنة الصحة النيابية، النائب عاصم عراجي، إلى أنّ “الإصابات بكورونا سترتفع ولن تقف عند هذا الحدّ، خلال الأسابيع المقبلة، وخاصة بعد رأس السنة، بسبب عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية”.
وأكّد أنّ “الإدارات المختصّة لا تطبّق بدورها التدابير، والناس لا تلتزم، وهذا يستدعي القلق، فالمشكلة الكبيرة في البلد هي الارتفاع الخيالي في أسعار الاستشفاء والدواء”، لافتاً إلى أنّ “أيّ تفشٍّ يمكن أن يملأ كلّ أسرّة المستشفيات، ولذلك الالتزام ضروريّ جدّاً”.
وشدّد عراجي على أنّ “متحوِّل “أوميكرون” لا يختلف عن “الكريب”، ولا يختلف عن المتحوِّلات الأخرى، والفروقات يصعب أحياناً تمييزها”.
ولفت إلى أنّ “المؤسسات الصحية في لبنان شبه منهارة. نحن في وضع صعب جدّاً، وحرام أن يحدث تفشٍّ بعد رأس السنة، لأنّنا سنكون أمام أزمة صحية كبيرة”، معلناً أنّه “بحسب المؤشّر الوبائي إذا ارتفعت الإصابات سنكون أمام أزمة صحية وسنشرب الكأس المرّ، وحالياً لا قرار بإقفال البلاد ولا بإقفال المطار”.
سنشهد المزيد من الارتفاع في عدد الإصابات إذا بقي التهاون والتراخي في الإجراءات على حاله، وإذا لم ترتفع نسبة المناعة المجتمعية
“تسونامي” إصابات
لبنان ليس وحده البلد الذي يشهد ارتفاعاً في عدد الإصابات، بل جميع أنحاء العالم، وقد رُصِد أكثر من 935 ألف إصابة بكورونا يوميّاً في المعدّل بين 22 و28 كانون الأول، وهو عدد لم يُسجَّل منذ بداية الوباء في نهاية 2019، ويمثّل زيادة نسبتها 37%، حسب تعداد أجرته وكالة “فرانس برس” استناداً إلى أرقام رسمية.
وتحدّثت منظمة الصحة العالمية، أمس الأول الأربعاء، عن “تسونامي” يشكّل “ضغطاً هائلاً على عاملين صحيّين منهكين وأنظمة صحية على حافة الانهيار”، بعد عامين على بدء وباء أدّى إلى وفاة أكثر من 5.4 ملايين شخص.
في إنكلترا يرقد أكثر من عشرة آلاف شخص في المستشفيات، في سابقة منذ مطلع آذار الماضي.
كما سجّلت الدنمارك، التي تُعدّ حالياً صاحبة أعلى معدّل في الإصابات بالمقارنة مع عدد السكّان بين دول العالم، عدداً قياسياً جديداً بلغ 23,228 إصابة خلال 24 ساعة.
إقرأ أيضاً: “فايزر”: حبّتان لمنع الحمل… تقضيان على كورونا في المنزل
الأمر نفسه تشهده إسبانيا، مع أنّها تُعتبر من أفضل الدول في حالات التطعيم. وقد سجّلت مئة ألف و760 إصابة جديدة في المتوسط خلال أسبوع.
وتواجه الولايات المتحدة الأميركية أيضاً ارتفاعاً قياسياً في عدد الإصابات بأوميكرون، مسجّلةً أكثر من 265 ألف إصابة يوميّة، منذ أسبوع.