ينشر أساس بدءًا من اليوم سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث 2021، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022.
أصدر المركز الأميركي للدراسات الجيوبوليتيكية (ستراتفور Stratfor) ملخّصاً للتقرير السنوي لعام 2022، وفيه نظرة إجماليّة لِما يتوقّعه المركز من تطوّرات استراتيجيّة للأحداث والأزمات في العالم. يتضمّن التقرير 9 عناوين، ثلاثة في المستوى الدولي، والبقية على المستوى الإقليمي.
في المستوى الدولي:
أولاً، يتوقّع التقرير استمرار تعافي الاقتصاد العالمي تدريجيّاً، بعدما عمّ التلقيح ضدّ كوفيد-19 معظم الدول المتقدّمة، في مقابل تأخّر التلقيح في بقيّة العالم، وظهور متحوّلات جديدة. وبينما سيكون النمو العالمي قويّاً نسبيّاً، إلا أنّه سيتباطأ بالنظر إلى جملة من العوامل العائدة إلى أثر الجائحة والإقفالات التي تتابعت، مع الانقطاعات في سُبُل الإمداد، والتضخّم المرتفع، والظروف الماليّة المشدّدة، والقيود على الإنفاق العامّ في كثير من الدول، بسبب الديون والفوائد المرتفعة. في الولايات المتحدة، سيعتدل النموّ في العام الآتي بعد تصاعد غير مستقرّ، بتأثير من التحفيزات الضريبيّة العام الماضي. أمّا في الصين فسيكون النمو فيها أقلّ من الهدف المتوخّى لعام 2021، أي 6%. وبالإجمال، فإنّ النسب المنخفضة للتلقيح، وظهور المتحوّلات الجديدة للفيروس، يعيقان العودة إلى مستويات الاقتصاد العالمي قبل الجائحة.
من المرجّح أن تنتهي المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة إلى أن تخفّف طهران أنشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها
ثانياً، من المرجّح أن تبقى التوتّرات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين مرتفعة في عام 2022 لأنّ أميركا تضع القيود على توصّل الصين إلى التكنولوجيا الغربية، ولا سيّما المجالات الدقيقة والمتقدّمة، وتستمرّ بفرض تعرفات جمركية عالية على السلع الصينية. لكنّ الاستراتيجية الأميركية لن تؤدّي إلا إلى مضاعفة الصين اهتمامها باستراتيجيّتها القومية التكنولوجية، وهو ما يجعل بيئة الأعمال الصينية أكثر تعقيداً بالنسبة للشركات الغربية.
ثالثاً، ستتسارع الهجمات الإلكترونيّة السيبرانيّة ذات الغايات الماليّة، في عام 2022. ولن تستطيع الضغوط الدبلوماسية الأميركية على الكرملين، وعلى أجهزة إنفاذ القانون، من القضاء على عصابات برامج الفدية (ransomware) الروسية، إلى جانب العمليات الإلكترونية الهجومية على مجرمي الإنترنت، أو صدّ العدد المتزايد من الهجمات الإلكترونية (وخاصة هجمات انتزاع الفدية) الموجّهة ضدّ المؤسّسات الأميركية. وستؤدّي الاحترازات الأمنيّة في الولايات المتحدة إلى انتقال الهجمات الإجراميّة إلى بلدان أخرى، ومنها الشرق الأوسط، وجنوب آسيا، وآسيا المحيط الهادئ.
في المستوى الإقليميّ:
أولاً، عقد اتفاق نووي محدود مع إيران. من المرجّح، بحسب التقرير، أن تنتهي المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة إلى أن تخفّف طهران أنشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها. فالرغبة الشديدة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في إبطاء المشروع النووي الإيراني، والرغبة الإيرانيّة الشديدة بتخفيف العقوبات، وتجنّب نشوب صراع كبير، ستدفعان الطرفين إلى العودة مجدّداً إلى طاولة المفاوضات. وستستمرّ المحادثات النووية في التقدّم ببطء في بيئة متوتّرة تحرّكها أولويّات متباينة، بحيث لن يكون ممكناً سوى عقد الاتفاقات في صورتها الأساسيّة فقط. ومع احتمال التوصّل إلى اتفاق محدود بين الولايات المتحدة وإيران، فمن المحتمل أن تظلّ محادثات التقارب بين إيران ودول الخليج العربي في مرحلة استكشافية فيما تسعى الدول المجاورة لإيران إلى ضمان أمنها بغضّ النظر عن كيفيّة سير محادثات “خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA” بين إيران ودول مجلس الأمن وألمانيا.
ثانياً، تفاقم التوتّرات بين الصين وتايوان. مع تزايد الدعم الغربي لتايوان، لن تواجه بكين تايوان عسكريّاً. وستظلّ تجارة تايوان العالمية لأشباه الموصلات آمنة. ومع اتجاه الولايات المتحدة وأوروبا استراتيجيّاً نحو آسيا، فإنّ دعمهما سيزيد من أجل استقلال تايوان بحكم الأمر الواقع من خلال ضمان عمليات حرية الملاحة وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع تايوان (وإن كانت لا تزال غير رسمية). بالمقابل، يمكن لبكين أن تزيد من الضغط السياسي على تايوان، حتى مع عدم احتمال وقوع عدوان صريح. فالتوغّلات الصينية في منطقة الدفاع الجوي في تايوان، قد تؤدّي إلى وقوع حادث (مثل الاصطدام الجوّي) يتسبّب باضطرابات تجارية قصيرة، لكنّ كلا الجانبين سوف يخفضان من حدّة تلك الحوادث لتجنّب صراع أوسع نطاقاً.
من المرجّح أن تبقى التوتّرات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين مرتفعة في عام 2022
ثالثاً، تنسيق متزايد بين فرنسا وألمانيا. سوف يؤدّي الاصطفاف الإيديولوجي بين الحكومة الفرنسية المعتدلة والائتلاف الألماني المؤيّد للاتحاد الأوروبي إلى تعاون سياسي أكثر اتّساقاً مع إيطاليا وإسبانيا، وانتقال محور قوّة الاتحاد الأوروبي إلى جنوب القارة. وستضغط باريس وبرلين وروما ومدريد لجعل قواعد الديون السيادية والعجز المالي للاتحاد الأوروبي أكثر مرونة، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالإنفاق على الإصلاحات الصديقة للمناخ، ورقْمنة الاقتصاد، الأمر الذي سيفتح الباب أمام فترة طويلة من السياسات الاقتصادية التوسّعية.
رابعاً، حركة طالبان واستقرار أفغانستان. ستواجه حركة طالبان ضغوطاً اقتصادية واجتماعية. وستعاني طالبان كثيراً في محاولة تعزيز سيطرتها على أفغانستان. وسوف يكافح قادة طالبان لتحقيق التوازن بين التوقّعات الداخلية والخارجية فيما يقومون بسنّ قواعد تنظيميّة جديدة، وإضفاء الطابع الرسمي على حكومة جديدة وبنية دستوريّة جديدة. وتشكّل “ولاية خراسان”، وهي الفرع الأفغاني لتنظيم داعش، خطراً متزايداً على الحركة. ومن المرجّح توسّع عمليّاتها من الشمال الشرقي للبلاد إلى المدن الرئيسيّة في الجنوب والغرب. كما أنّ انبعاث نشاط حركة طالبان باكستان، سيمثّل اختباراً لعلاقات الحركة مع باكستان.
خامساً، عدم اليقين التنظيميّ في الصين. ستواصل الحكومة الصينية بناء السياسات على أساس قانون الأمن السيبراني، وقانون أمن البيانات، وقانون حماية المعلومات الشخصية، لتعزيز سيطرتها على صناعات الخدمات الرقمية المتنامية. ولكنّ الشكوك بشأن الامتثال ستستمرّ لأنّ هذه اللوائح تستند إلى تعريفات واسعة للأمن القومي. ومع ذلك، فإنّ الاستثمار الذي تقوده الدولة والطلب العالمي على الصادرات الصينية سوف يستمرّان في إنعاش الاقتصاد الصيني، وإن كان بوتيرة نمو أبطأ ممّا كانت عليه في عام 2021.
إقرأ أيضاً: تركيا: دبلوماسية تقاسم المصالح
سادساً، التوتّر المتصاعد في أوكرانيا. سوف تُبقي الخلافات بين أوكرانيا وروسيا حول اتفاقيات مينسك ومطالبات روسيا بضمانات أمنيّة، التوتّرات في شرق أوكرانيا مرتفعة، لكنّ الغزو الروسي لن يقع. وسوف تحافظ روسيا على حشد قواتها وبنياتها التحتية ومعدّاتها بالقرب من الحدود الأوكرانية للضغط على الغرب لتقديم تنازلات في المحادثات الأمنيّة الأوروبية. وفي حين تُجري الولايات المتحدة محادثات مع روسيا، فإنّ حلف شمال الأطلسي لن يتبرّأ رسمياً من احتمال انضمام أوكرانيا إلى الحلف.