في زيارته الأخيرة إلى لبنان، علم “أساس” أنّ رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الخارج خالد مشعل عقد اجتماعاً خاصّاً مع قيادات “حماس” في لبنان شدّد فيه على حرمة الدم الفلسطيني ومنع الانجرار نحو الاقتتال الداخلي، ودعا قيادات الحركة إلى أخذ الحيطة والحذر من احتمال تعرّضهم للاستهداف والاغتيال من قبل “طابور خامس” يريد استئناف مفاعيل الفتنة في المخيّمات. وهو ما أكّده مسؤول “عصبة الأنصار” في مخيّم عين الحلوة الشيخ أبو طارق السعدي، بعد تنفيذ العصبة استنفاراً أمنيّاً لمنع وقوع هذا النوع من الأعمال الأمنيّة المشبوهة، بعدما وصلته معلومات عن هذه المخاطر.
في حديث لـ”أساس” أكّد مشعل أنّ “الفلسطينيين في لبنان هم ضيوف لفترة مؤقّتة، ولذلك نحترم خصوصيّة البلد، فلا نتدخّل في شأنه الداخلي، ولا نمسّ أمنه، ونعمل تحت سقف سلطته وقوانينه، ولا نتدخّل في لعبته السياسية، ولا نستعيض عن فلسطين وطناً، فنحن ضدّ التوطين، وضدّ الوطن البديل، وضدّ التعويض، لكن لا يُكافَأُ الناس في صبرهم وصمودهم وتشبّثهم بحقّ العودة إلى فلسطين بأن يُدفَعوا بسبب ظروفهم الصعبة إلى الهجرة أو التهجير”.
في حديث لـ”أساس” أكّد مشعل أنّ “الفلسطينيين في لبنان هم ضيوف لفترة مؤقّتة، ولذلك نحترم خصوصيّة البلد، فلا نتدخّل في شأنه الداخلي، ولا نمسّ أمنه
وتمنّى على “الدول التي تستضيف الفلسطينيين أن تسهّل لهم أمور حياتهم، وأن تستخرج من القوانين ما يمكّنهم من أن يعيشوا حياة كريمة تحت سقف الدولة، حتى يظلّ اللاجئون قريبين من أرض الوطن، ويكون لهم دور في التحرير ثمّ العودة”.
وأوضح لـ”أساس” أنّه يزور لبنان لهدف وحيد: “حلّت ذكرى الانطلاقة لحركة حماس، وعندنا شعب فلسطيني داخل المخيّمات، وأنا رئيس الحركة في الخارج، وساحة لبنان واحدة من الساحات الواقعة تحت مسؤوليّتي، وقد دعاني الإخوة لإحياء الذكرى عندهم، وهذه العوامل وحدها كافية لقدومي، فكيف بعدما استشهد حمزة شاهين، وبعدما استشهد الشهداء الثلاثة وتوتّرت المخيّمات؟”.
ولاحظ مشعل أنّ “البعض لم يعجبه قدومي إلى لبنان، فحصروا اعتراضهم بخالد مشعل، في ما يبدو أنّه تصفية حسابات، لأنّني خرجت من سوريا، وفي هذا الأمر كلام طويل، إذ إنّ القرار هو قرار حماس، فلماذا حصره بشخص أبي الوليد، وتحميله الوزر شخصيّاً؟”.
تبريد المخيّمات بعد البرج الشمالي
وطمأن مشعل إلى أنّ “حماس مع شركائها من القوى والفصائل حريصون على أن يكون الوجود الفلسطيني عامل أمن واستقرار في لبنان، لا عامل تفجير واحتراب، وما جرى في جنوب لبنان، في مخيّم البرج الشمالي، ممّا أساءنا، حين وُجِّه رصاص غادر محسوب علينا كفلسطينيين، على صدور ثلاثة من أبنائنا. كانت جريمة غادرة مؤلمة، لكنّنا سعينا إلى احتوائها بما يحفظ استقرار وأمن المخيّمات، واستقرار الوضع اللبناني، واحترام سيادة الدولة، ولذلك طالبناها أن تعاقب القتلة، فلا تفريط في دماء الشهداء، لينال المجرمون القصاص والعقاب. وندعو الدولة إلى أن تتحمّل مسؤوليّاتها. لكنّنا حريصون في الوقت نفسه على أمن مخيّماتنا وعلى وحدة صفّنا الوطني في الداخل والخارج، وحريصون أيضاً على سلامة الجبهة الداخلية اللبنانية”.
قام مشعل بدور الإطفائي الفاعل للفتنة بين فتح وحماس. وقد عبّر السفير الفلسطيني عن هذا الجوّ، واصفاً الزيارة بأنّها “إيجابية ومن شأنها تخفيف التوتّر القائم في المخيّمات”، معرباً عن أمله بأن تصل الحوارات معه إلى “برّ الأمان”.
وحمل كلام مشعل أكثر من موقف لا يتوافق مع الرؤية الإيرانية للبنان، يمكن إجمالها على النحو الآتي:
ــ حديث مشعل عن النموذج اللبناني، وتركيزه على التنوّع والحرّيات ودور الإعلام، وهذا يُعتبر ردّاً غير مباشر على كلام نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الذي قال “لبنان أصبحت له سمعة في العالم بسبب المقاومة والانتصارات، هذا هو لبنان الذي نريده، مَن أراد التحق به، ومَن لم يُرِد فليبحث عن حلّ آخر”.
ــ تمسّك خالد مشعل بثابتتين مهمّتين: رفض التوطين ورفض فكرة الوطن البديل، وهذه فكرة مناقضة تماماً للسياسة الإيرانية في المنطقة العربية. فالإيرانيون يتّبعون سياسة الاستيطان والتوطين في البلاد التي يحتلّونها (سوريا نموذجاً)، ويُسقطون الحدود ولا يقيمون أيّ وزن أو اعتبار لسيادة الدول وحدودها، فهم يعتبرون أنّ الدول التي يحتلّونها أوطاناً بديلة للشيعة التابعين لهم، ولو جاؤوا من أفغانستان أو الهند.
“النموذج اللبناني الحرّ”
وأكّد مشعل لـ”أساس” افتخاره بالنموذج اللبناني المتنوّع والحرّ، وبالحيويّة التي يتمتّع بها الشعب اللبناني، مشدّداً على رفض الاقتتال الداخلي الفلسطيني وعلى منع استغلال تداعيات انفجار مخيّم البرج الشمالي في إثارة الفتنة وتهديد الاستقرار.
وكشفت معلومات خاصّة أنّه أوصى قيادات حماس بتبريد الأجواء والاحتكام إلى القضاء اللبناني، وأخذ الحيطة والحذر من وقوعهم ضحيّة استهداف “الطابور الخامس”.
وفي ما بدا أنّه موقف مناقض لرؤية “حزب الله” ونظرته إلى لبنان، أعلن مشعل عن الفخر بلبنان: “وهو قلب العروبة والإسلام، لبنان المقاومة والصمود، لبنان الديموقراطية وحرية الصحافة، لبنان الفكر والعلم والتنوّع الذي أثرى الحياة المجتمعية اللبنانية”، مشيداً بهذا “النموذج الذي كان ينبض في قلب العالم العربي والإسلامي بحيويّة شعبه على الصعيد السياسي والإعلامي والفكري والثقافي والفكري”، مستذكراً مرحلة انفتاحه واحتضانه لكلّ أصحاب القضايا والمضطهَدين، معتبراً أنّ “هذه ميزة ونعمة تُحسب للبنان”.
إقرأ أيضاً: الاغتيالات الآتية: من يملك السلاح و”السرايا” في لبنان
وأعرب عن اعتقاده أنّه “على الرغم من الظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان تاريخياً، وما يمرّ به اليوم من ظروف اقتصادية خانقة، فإنّ لبنان ما زال حيويّاً، وفيه القداسة والبركة، وهذه ميزة وشرف ومسؤولية”، متمنّياً أن “يخرج لبنان من أزمته الاقتصادية بسلام، والحياة الكريمة لكلّ أبنائه بكلّ أديانهم وطوائفهم وأعراقهم، ولضيوفهم في المخيّمات الفلسطينية أيضاً”.
في الجزء الثاني غداً:
مشعل لـ”أساس” :لا أندم على ترك دمشق.. ولن أنحاز لإيران