مشعل الأحمد: الكويت عصيّة على إيران والحزب

2021-12-09

مشعل الأحمد: الكويت عصيّة على إيران والحزب

لم يحتَج أمير الكويت الشّيخ نوّاف الأحمد إلى أكثر من أسبوع ليُقرّر تزكية الشّيخ مشعَل الأحمد وليّاً للعهد، علماً أنّ دستور البلاد يمنحُ الأميرَ سنةً كاملة لاختيار وليّ للعهد.

كان ولي العهد دوماً بعيداً عن الأضواء وعن المعارك السّياسيّة. لم يستلِم أيّ منصبٍ سيّاسيّ طوال مسيرته، لكنّه الأقرب إلى مطبخ صناعة القرار. لا يفوته تفصيلٌ، كبيراً كان أم صغيراً، على امتداد مساحة الكويت. صاحب الرّأي الرّاجح والمشورة الدّائمة. هو الابن السّابع للأمير السّابق الشّيخ أحمد الجابر الصّباح. واحدٌ من أقوى رجال الأُسرة الحاكمة. رجلُ الأمن القويّ. ثابتةٌ واحدة لم تتغيّر عنده منذ 8 عقود مضت من عمره: “أمن الكويت واستقرارها”.

لازَم 3 أُمراء: الأمير الرّاحل الشّيخ جابر الأحمد، والأمير الرّاحل الشّيخ صُباح الأحمد ورافقه في رحلاته العلاجيّة حتّى رحلته الأخيرة في الولايات المُتّحدة، وصولاً إلى الأمير الحاليّ الشّيخ نوّاف الأحمد.

يتمتّع الشّيخ مشعل بعلاقات متينة مع القادة الخليجيين. ولعلّ أبرز مِثال على ذلك الحفاوة التي استقبله بها وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان بعبارة “الله حيّه.. نوّرت الرياض”

أثناء قربه من الأمراء الثّلاثة، عاصرَ الشّيخ مشعل كُلّ المخاضات التي مرّت بها الكويت منذ استقلالها قبل 61 سنة، وكانَ رجلَ الظّلّ القويّ فيها. واليوم صارَ في الواجهة مع تولّيه ولاية العهد، وبطبيعة الحال الرّجل الثّاني في الدّولة. وهنا لم يعُد أمامه خيارٌ سوى خوض غمار العمل السّياسيّ الذي تجنّب متاعبه ما استطاع لـ8 عقود…

أبصرَ الشّيخ مشعل النّور سنة 1940، أي قبل 20 سنةً من نيل دولة الكويت استقلالها عن بريطانيا. تلقّى تعليمه في المدرسة المُباركيّة، حاله حال أغلب شيوخ أُسرة آل الصّباح. من “المُباركيّة” انتقلَ الشّيخ مشعل إلى العاصمة البريطانيّة لندن حيث درسَ في “كُليّة لندن للشّرطة”، ليتخرّج منها بالتزامن مع إعلان استقلال الكويت عن بريطانيا.

بدأت مسيرته الأمنيّة الحافلة في وزارة الدّاخليّة الكويتيّة، التي تدرّجَ الشّيخ مِشعَل في مناصبها حتّى عُيِّنَ سنة 1967 رئيساً، برتبة عقيد، في جهاز “المباحث العامّة”، الذي غيّر اسمه أثناء ولايته إلى “أمن الدّولة”.

في 2004، عُيِّنَ نائباً لرئيس “الحرس الوطنيّ” برتبة وزيرٍ حتّى 2020. كان له الدّور الأبرز في إعداد وتدريب أفراد “الحرس الوطنيّ” وتطوير وتحديث معدّاته.

“الحرس الوطنيّ الكويتيّ” هو مؤسّسة مُستقلّة عن الجيش والشّرطة. ويُساند الجيش في الدفاع عن الكويت أو صدّ مَن يحاول اختراق حدودها. ويُعاون قوّات الشّرطة في الحفاظ على الأمن والاستقرار. والأهمّ أنّه يتولّى حماية الجبهة الدّاخليّة ضدّ كلّ الأخطار التي تتهدّدها، وتأمين الأهداف أو المنشآت الحيوية في البلاد.

لم يكن إيلاء الشّيخ مشعل أولويّة للأمن في مسيرته عن عبث. إذ إنّ الكويت، على الرّغم من صغر مساحتها، بلدٌ غنيّ بالنّفط، ويتميّز “بفسيفساء” مذهبيّة وعرقيّة وسياسيّة. أمّا مكامن الخطر فتأتي من شمال البلاد حيث العراق والأمن المُتفلّت، ومن شرقها، وهو الأخطر، حيث إيران التي لا يفصلها عن الكويت سوى مياه الخليج العربيّ بحراً، وأقلّ من 100 كلم عبر الحدود البريّة مع العراق.

تجلّت لمسات الشّيخ مشعل في حفظِ الأمن والاستقرار في محطّات عديدة عرفها الكويت والكويتيّون. إذ استطاعَ أن يُرسِيَ تنسيقاً مُحكَماً بين “الحرس الوطنيّ” وأجهزة الدّاخليّة، وفي مُقدّمها “أمن الدّولة”، الذي قاده لـ13 سنة.

لم يكن آخر هذه المحطّات اعتقال “خليّة العبدليّ” في آب 2015. يومئذٍ، اجتمع الخطران الآتيان من العراق وإيران معاً. كانَ اعتقال الخليّة وتفكيكها إحباطاً لانقلابٍ صريحٍ كان يتهدّدُ الكويت، ويدلّ على ذلك المضبوطات التي وجدتها الأجهزة الأمنيّة الكويتيّة لدى أفراد الخليّة: 19 ألف كيلوغرام من الذخيرة و144 كيلوغراماً من المتفجّرات، وأسلحة متنوّعة، و204 قنابل يدوية، إضافة إلى صواعق كهربائية و56 قذيفة، و3 حقائب تحتوي على أسلحة وذخائر وموادّ متفجّرة متنوّعة، وآلاف البزّات العسكريّة التي تدلّ صراحةً على النّيّة الانقلابيّة للخليّة المدعومة من إيران وحزب الله.

هذا في 2015، لكن في 2021، وتزامناً مع الإجراءات الخليجيّة اتجاه لبنان، كان جهاز “أمن الدّولة” الذي أرسى أسسه الشّيخ مشعل، يوجّه ضربةً أخرى لإيران وحزب الله في القبض على خليّة جديدة، نشطت في تجنيد الشباب للعمل مع الحزب في سوريا واليمن، وفي مجال تبييض الأموال لمصلحة الحزب.

وما بين الخليّتين، ظهرَت أزمة كورونا. ومع فرض الكويت إجراءات الوقاية من العدوّ الخفيّ، كانَ الحرس الوطنيّ يظهر قوّةً بارزةً استطاعت فرض القانون بحِرَفيّة شاهدها الكويتيّون عن قُرب، والعالم بأسره عن بُعد.

باتَ واضحاً أنّ الكويت، التي عُرفَت طوال فترة الأمير الرّاحل الشّيخ صُباح الأحمد بصورتها الدّبلوماسيّة، تُولي اليوم اهتماماً بالغاً لأمنها

لم تكُن القبضة الحديديّة التي أرساها الشّيخ مشعل في وجه الإرهاب محطّ إعجابٍ محليّ وعربيّ فقط. إذ نال الشّيخ مشعل سنة 2018 وسام جوقة الشّرف الفرنسيّ من وزيرة الجيوش الفرنسيّة “تكريماً لجهوده في بناءِ الكويت ووصولها إلى مستوىً احترافيّ في مكافحة الإرهاب”.

وفي آذار 2021، أصدرَ أمير البلاد مرسوماً بتشكيل “مجلس الأمن الوطنيّ” برئاسة الشّيخ مشعل الأحمد. وضمّ المجلس في عضويّته كلّاً من رئيس الحرس الوطني الشيخ سالم العلي، ونائب رئيس الحرس الوطني الشيخ أحمد النواف، ورئيس مجلس الوزراء، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدّفاع، ووزير الخارجيّة، ووزير الدّاخلية، ووزير المال ووزير الصّحّة. يلعبُ المجلسُ، الذي يتبع لوليّ العهد، دوراً بارزاً في رسم السّياسات المُستقبليّة للدّولة، وفي مُقدّمها “استراتيجيّة الأمن الوطنيّ”.

يتمتّع الشّيخ مشعل بعلاقات متينة مع القادة الخليجيين. ولعلّ أبرز مِثال على ذلك الحفاوة التي استقبله بها وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان بعبارة “الله حيّه.. نوّرت الرياض”، التي اختارها محطّته الخارجيّة الأولى بعد تولّيه المنصب، في شهر حزيران الماضي.

إقرأ أيضاً: إذا تكلّمت الكويت… فأنصتوا

باتَ واضحاً أنّ الكويت، التي عُرفَت طوال فترة الأمير الرّاحل الشّيخ صُباح الأحمد بصورتها الدّبلوماسيّة، تُولي اليوم اهتماماً بالغاً لأمنها. فأميرها الشّيخ نوّاف الأحمد تولّى في مسيرته وزارتيْ الدّاخليّة والدّفاع. أمّا وليّ عهده الشّيخ مشعل فكان طوال مسيرته يُرسي ركائز الأمن والعين السّاهرة على أمن الكويت…

مواضيع ذات صلة

الياس خوري رحل إلى بيروته وتركنا لأشباحها

عن 76 عاماً، قضاها بين الورق والحبر والكتب والنضال من أجل تحرير فلسطين والإنسان العربي، غادرنا الروائي والقاصّ والناقد والأكاديمي الياس خوري، تاركاً فراغاً يصعب…

طلال سلمان في ذكراه… “أين الطريق”؟

قبل عام كامل غادرنا طلال سلمان، بعد سبع سنوات من توقف جريدته “السفير” عن الصدور. غادرنا قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، وتمرّ…

وليد فيّاض وعجائبه السّبعة: تحويل “الكرامة” إلى “فيولة”‎

اختصر وزير الطاقة وليد فياض في كلمتين فلسفة المنظومة السياسية التي يمثّلها: “الكرامة” و”أميركا”. ونحن اللبنانيّين عالقون بلا كهرباء، بين هاتين الكلمتين. نحن المحكومون من…

يحيى السنوار: إيمان عميق وبراغماتيّة أيضاً؟

غاب عن المشهد 23 سنة، فلمّا عاد إليه عام 2011، ارتقى بسرعة سلّم القيادة، فأضحى في عام 2017 بعد ستّ سنوات من تحرّره رئيس الحركة…