يَدرس التيار الوطني الحرّ جدّيّاً مسألة دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد لمساءلة الحكومة عن سبب عدم اجتماعها. وهو توجّهٌ يتماهى بالكامل مع موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، فيما يجاهر الطرفان بمطالبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء “بِمَن حضر”.
من جهته، لن يتلقّف رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة، خصوصاً أنّ مسافات سياسية “ضوئية” باتت تفصله عن العهد، ولأنّ التنسيق بينه وبين ميقاتي يشمل هذه النقطة الخلافية ومرحلة “إدارة” الحكومة من خارج قاعة مجلس الوزراء. ويذهب بعض الأصدقاء المشتركين للطرفين إلى حدّ القول: “ميقاتي ما بيزعّل برّي”.
يجزم المطّلعون أنّه منذ استقالة الوزير جورج قرداحي وجولة إيمانويل ماكرون الخليجية لا مؤشّرات حتى الآن إلى أيّ تغيير في أجندة السعودية حيال لبنان لجهة مثلاً عودة التبادل الدبلوماسي أو استئناف حركة التصدير والاستيراد مع الدول الخليجية التي أقفلت حدودها مع لبنان
تقول أوساط مطّلعة على موقف حزب الله لـ”أساس”: “يُدرك الحزب جيّداً موقف عون وباسيل، ويعلم أنّ مصير العهد “بالدقّ”. لكن لا حكومة قبل حلّ أزمة المحقّق العدلي. مطلب حزب الله الأساس هو تنحية القاضي طارق البيطار، لكنّ رأس سقف التسوية الذي يقبل به الحزب هو تطبيق الدستور عبر فصل ملاحقة المدّعى عليهم من السياسيين عن التحقيق العدلي. ومكمَن الخطر هنا أنّ منسوب التسييس سيبقى قائماً، وقد يُترجم في القرار الظنّيّ، أو بإصرار البيطار على التمسّك بصلاحيّاته حتّى لو وضع مجلس النواب يده على الملفّ”.
وبرز أمس موقف لافت على لسان الوزير محمد مرتضى، المحسوب على الثنائي الشيعي، توجّه من خلاله إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود والبيطار من دون أن يسمّيهما قائلاً: “لمُمْتطي العدالة، لـ”سبع البرومبة”، هو ومعلّمه ومَن لفّ لفّهما، ومَن هم وراءهما، نقول كفى متاجرةً بآلام الثكالى. تريدون استعمال القضاء وسيلةً لمحاولة القضاء على الركن الأساس في الثلاثية الفولاذية التي تشكّل الدرع الحصينة في وجه العدوان الإسرائيلي والمدّ التكفيري”.
وتوجّه مرتضى إلى رئيس الجمهورية قائلاً: “أنت تعرف ما نَعرف، وعلى بيّنةٍ ممّا نقول، ونعلم أنّك مقدام فأقدم وضعْ حدّاً لهذا المسلك”.
في المقابل، تضيف الأوساط أنّ ميقاتي “ما بيسترجي يعمل جلسة سيُقاطعها الطرف الشيعي حتى لو أُقفِلت كلّ مسالك الحلول. والمفارقة أنّ رئيس الحكومة مرتاح لهذا الستاتيكو الذي يرى فيه إنتاجية أكثر من اجتماعات الحكومة”.
وثمّة واقعيّة لدى حزب الله تدفع القريبين منه إلى القول إنّ الظروف السياسية القائمة وبدء العدّ العكسي لنهاية العهد والخلاف السياسي المستحكم بين بعبدا وعين التينة، كلّ هذه الوقائع قد لا تسمح بتسجيل أيّ تقدّم في موضوع الكهرباء مثلاً، وقانون الكابيتال كونترول، والاتفاق على آليّة توزيع الخسائر ضمن خطّة التعافي المالي، وإقرار مشروع يُطمئن المودعين إلى استرجاع أموالهم، إضافة إلى مطالبة الفريق العوني بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وبات الموقف من استئناف جلسات الحكومة يشكّل عامل توتّر كبير بين عون وباسيل من جهة، وحزب الله من جهة أخرى، إذ لا تتوانى بعض القيادات العونية عن اتّهام الحزب بـ”المشاركة في مشروع القضاء على آخر الفرص المتاحة أمام رئيس الجمهورية وتيّاره السياسي لتسجيل اختراقات في ملفّات أساسية وملحّة”.
أوساط مطّلعة على موقف حزب الله لـ”أساس”: “يُدرك الحزب جيّداً موقف عون وباسيل، ويعلم أنّ مصير العهد “بالدقّ”. لكن لا حكومة قبل حلّ أزمة المحقّق العدلي
“غروب ميقاتي” شغّال
في هذه الأثناء ينشط “غروب واتساب” يديره ميقاتي، إلى جانب اجتماعات تقنيّة، محلّها الطبيعي مجلس الوزراء، ولجان وزارية لا تهدأ، وفوقها “اتصال” فرنسي – سعودي مع رئيس الحكومة لم يُستكمَل مع قصر بعبدا… جميعها وقائع تُبقي الحكومة على آلات “الإنعاش” السياسي، لكنّ كلّ “فروض الطاعة” التي تقدّمها لا تُسعِفها في إحداث الخرق المطلوب مع دول الخليج.
آخر هذه الفروض اجتماع السراي الموسّع الذي بدا كـ”ميني” اجتماع للحكومة، “لمتابعة الإجراءات الحدودية وحلّ الإشكالات التي حدثت مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي”.
واُستُتبع لقاء السراي باجتماع مجلس الأمن المركزي برئاسة وزير الداخلية، والذي شُبّع البيان الصادر عنه بعبارات التأكيد على “الجهد الذي يُبذل لإعادة الثقة مع دول الخير والبركة لبلدنا، ومتابعة الإجراءات التي يجب أن يتّخذها لبنان لحماية مصالحه وجواره، وبخاصة حماية الدول العربية، ومنها المملكة العربية السعودية، من كل شرّ”.
وقد يكون المُحفِّز الأساس لاجتماع “المركزي”، الذي أتى في السياق المُكرّر نفسه لاجتماع السراي، هو تباهي وزير الداخلية بالإعلان، وقبل انتهاء التحقيقات، عن “ضبط شعبة المعلومات أربعة ملايين حبّة كبتاغون كانت ستُهرّب من لبنان إلى الأردن، وقد تكون وجهتها السعودية”، مشيراً إلى “وجود تنسيق بين السلطات السعودية وشعبة المعلومات”.
هي عملية أمنيّة ضخمة في ظلّ شبه دولة. ويبدو عمل الأجهزة الأمنيّة في هذا السياق، وتحت وطأة أزمة ماليّة واقتصادية قاسية تجتاح السلك العسكري، أكثر تقدّماً وإنتاجيّة وفعّالية من حكومة أصيلة، مدعومة أميركياً وفرنسياً. والأهمّ أنّ دول الخليج والغرب تثق برؤساء هذه الأجهزة وحِرَفيّتهم أكثر بكثير من ثقتهم بالحكومة والسلطة السياسية القائمة.
ويجزم المطّلعون أنّه “منذ استقالة الوزير جورج قرداحي وجولة إيمانويل ماكرون الخليجية لا مؤشّرات حتى الآن إلى أيّ تغيير في أجندة السعودية حيال لبنان لجهة مثلاً عودة التبادل الدبلوماسي أو استئناف حركة التصدير والاستيراد مع الدول الخليجية التي أقفلت حدودها مع لبنان”، مشيرين إلى أنّ المبادرة السعودية – الفرنسية حيال رئيس الحكومة “قد لا تتعدّى إطار مجاملة المملكة لباريس لحسابات مرتبطة بمصلحة الطرفين”.
وقد تبدّى هذا السياق من خلال البيان العُماني – السعودي المشترك الذي أكّد “أهميّة إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته، وألا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية أو إجرامية تزعزع أمن واستقرار المنطقة” ومن ثم البيان الاماراتي- السعودي المشترك الذي ذكر حزب الله بالاسم لجهة “حصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنةً للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كحزب الله الإرهابي، ومصدراً لآفة المخدرات المهدّدة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم.”
إقرأ أيضاً: رئيس الدستوري لـ “أساس”: غير معنيين بأيّ مقايضة
وقد تكون مصيبة حكومة ميقاتي الفعليّة هي الاستياء الدولي العارم من سياسة السلحفاة التي تنتهجها الحكومة “المُعطَّلة” في كلّ ما يتعلّق بالإصلاحات المطلوبة.
هذا ما يسمعه الرؤساء الثلاثة بانتظام من الموفدين الدوليين، وآخرهم أعضاء بعثة صندوق النقد الدولي ورئيسه الجديد إرنستو ريغو راميراز، حيث جرى التشديد على ضرورة إقرار الإصلاحات بأقصى سرعة، والتذكير بكلفة تأخير السير بها على مسار الحلّ الشامل، وبأنّ أيّ برنامج داعم من جانب “الصندوق” يتطلّب وضعاً ماليّاً مُستداماً وحكومة قائمة ومنتجة، وتوحيد الرؤى الماليّة والاقتصادية والنقدية على مستوى الداخل.