في تمام الساعة 11:47 ليل أمس الاثنين الفائت تلقينا في “أساس” رسالة واتساب من الزميل الجميل عبد الستار اللاز يقول فيها بعد غيابه لأسبوعين عن الكتابة: “مرحباً، لا تواخذيني هلق شفت رسالتك لأن السبت 23 صرلي أزمة كبيرة ونقلوني عالمستشفى، صرلي 10 أيام بالعناية الفائقة بأوتيل ديو ما بعرف ايمتى رح اطلع. اعذروني بلّغي نهاد وزياد”.
قبل ما يزيد عن الشهر، تلقيت اتصالاً من عبد الستار يقول لي: “أين صورتي بين الكُتّاب؟”. فقلت له: “فوراً سأضعها. فصورتك في القلب قبل أن تكون على الموقع”. أفرحني إصراره على وجود صورته، وكأنه يعلن الانتساب إلى “أساس”، ليس كموقع ينشر فيه مقالة، بل كخط سياسي عازم على الصمود للتغيير والإصلاح.
كان عبد الستار اللاز يضرب مواعيد مع المستقبل دائماً. هو لا يعرف الأمس إلا عندما يكتبه. وآخر ما كتب قبل أشهر تحت عنوان: “الدولة المستضعفة” كان يكتب الماضي ولا يلتفت إليه. كان دائماً يُشخص النظر إلى الغد، إلى الشهر المقبل، والسنة المقبلة، إلى المستقبل دائماً وأبداً. اللقاء مع الرحيل والموت عند عبد الستار اللاز هو محض مصادفة غير منتظرة، لذا تراه دائماً يتكلم عن الحياة. طلب وضع صورته مع الكُتّاب رغم شدّة وخطورة مرضه. هو مؤمن أنه لن يتوقف عن الكتابة. أرسل إلينا رسالة قبل دقائق أو ساعة من وفاته، وكأنه واثق أنه سيكتب مقالته الجديدة نهار السبت من هذا الأسبوع.
كان عبد الستار اللاز بيروتياً في منطق تفكيره، في حبه للحياة، بيروتياً في ثوابته السياسية ومفرداته التي يصنع بها المقالات. آخر العناوين التي كتبها عبد الستار في “أساس” كانت عن إيران فوصف عبد اللهيان وزير خارجيتها فقال: “عبد اللهيان البيروتي: تحويل النفوذ السياسي إلى مصالح اقتصادية” وكأنه كان حريصاً أن يذكّرنا في آخر عناوينه أنّ بيروت مدينته التي يُحبّ محتلّة، ووصيته لنا تحريرها.
عبد الستار اللاز، أيها الأستاذ الكبير. سنفتقد مقالتك في بريدنا الإلكتروني يوم الجمعة كما سنفتقد مقالتك وهي تزيّن الموقع يوم السبت. لكن نعدك أن بيروتك لن تغيب، لا عن مقالتنا، ولا عن موقعنا، ولا عن عقولنا، وبالتأكيد، بالتأكيد، لن تُبارح قلوبنا.
وداعاً أيها الزميل الجميل.