تشير دراسة أُجريت العام الماضي إلى أنّ موظّفاً في السفارة الأميركية في كوبا استيقظ عام 2016 وهو يعاني من ألم شديد وإحساس بضغط في وجهه، ويسمع صوتاً مزعجاً في أذن واحدة، إضافةً إلى اختلال توازنه وشعور بالغثيان. بعد هذه الحالة، أبلغ عشرات الموظّفين الأميركيين عن حالات مماثلة.
وعلى الرغم من الشبهات التي حامت حول وجود أيادٍ روسيّة وراء “متلازمة هافانا”، إلا أنّ موسكو نفت تورّطها في الهجمات. ويفكّر مسؤولون أميركيون في احتمال أن تكون مجموعات روسيّة قد حصلت على أسلحة طوّرتها روسيا، واستخدمتها بدون إذن رسميّ، لكنّ الدليل مفقود أيضاً.
وبينما تنشغل الإدارة الأميركية بما يمكنها القيام به، تتمثّل المهمّة الأولى في إكمال التحقيقات. وهذا بالفعل ما يقوم به مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إي” وليام بيرنز الذي أسند التحقيق إلى أحد الموظّفين الذين ساهموا في العثور على زعيم “القاعدة” أسامة بن لادن. لكن يبقى من الممكن دعوة موسكو إلى مناقشة “قواعد أنظمة الطاقة الموجّهة”، بحسب الكاتب ديفيد إغناتيوس.
بعد مرور خمسة أعوام على الإبلاغ عن “متلازمة هافانا” للمرّة الأولى، عادَ الحديث عن هذه الحالة المرضيّة الغامضة، التي يُعتقد أنّها مرتبطة بأسلحة الطاقة الموجّهة، الفتّاكة وغير المرئيّة.
في مقاله الأخير عن بدء “ذوبان الجليد” في العلاقات الروسية – الأميركية، تطرّق إغناتيوس إلى خطورة “متلازمة هافانا”، التي أبلغ عنها دبلوماسيّون أميركيون وضبّاط استخبارات في الخارج، وصل عددهم إلى مئتَيْ شخص. ولفت إلى أنّ الشكوك تحوم حول تسبُّب روسيا بهذه المتلازمة، التي توصف بأنّها تشبه “الطنين”، و”الصرير الثاقب للأذن”، لكن لا أدلّة دامغة على تورّط موسكو بهذه الهجمات الخفيّة.
وقد خصّص الكاتب مقالاً جديداً في صحيفة “واشنطن بوست” للحديث عن المتلازمة المزعجة، مشيراً إلى الشكوك المتزايدة في التورّط الروسيّ، فيما يجمع مسؤولون أميركيون معلوماتٍ عنها. وفي حين يعاني الضحايا، تبرز الحاجة إلى أدلّة لإثبات المسؤوليّة. إذ لا يمكن اتّهام دولة بارتكاب اعتداءات بدون التوصّل إلى حقائق ثابتة. وهذه قاعدة يتّبعها المسؤولون الاستخباريّون بعد الدرس الذي تعلّموه من التذرّع بوجود أسلحة الدمار الشامل لغزو العراق.
في هذا السياق، تواجه الإدارة الأميركيّة لغزاً محيّراً. فبينما لا يمكنها أن تحاسب الجهات المسؤولة عن الهجمات، تبحث عن الطرق التي تمكِّنها من ردع حوادث كهذه في المستقبل.
يوضح إغناتيوس أنّ مسؤولين أميركيّين أجروا تحليلاً لمئتيْ حالة عانى فيها أميركيون من المتلازمة، ضمن جهود حكوميّة، بقيادة وكالة الاستخبارات المركزية، التي أُصيب عددٌ من موظّفيها بأعراض “هافانا”. وتعزِّز المعلومات، التي جُمِعَت، الشكوك في دور روسيّ، ولا سيّما أنّ عدداً من المصابين، يفوق مئة، لديهم علاقات استخباريّة، ومعظمهم شارك في أنشطة مرتبطة بروسيا وشركائها، لكن مرّةً جديدةً ليس من أدلّة كافية.
ويعتقد المحقّقون أنّ الأعراض التي يشعر بها المصابون قد تنجم عن أسلحة طاقة موجّهة تشبه التي طوّرتها روسيا والصين وآخرون لأكثر من عقد. وقد خلص تحقيق أجرته الأكاديميّات الوطنيّة للعلوم والهندسة والطبّ، العامَ الماضي، إلى أنّ الطاقة الموجّهة هي التفسير المنطقي للحالات المُصابة، ولا سيّما أنّه لا يمكن إعادة الأعراض الحادّة إلى عوامل نفسيّة واجتماعية.
ما هو هذا السلاح؟
الجدير ذكره أنّ الليزر وأنظمة الطاقة الموجّهة ليست جديدة، وقد قام جامعو المعلومات الاستخباريّة باستخدام الموجات الموجّهة. لكن في قضيّة هافانا وجد المحقّقون أنّ أجهزة إرسال الطاقة الموجّهة قد تكون صغيرة لتناسب حقيبة الظهر، ويمكن نقلها بسهولة إلى المواقع المتعدّدة، التي أبلغ فيها أميركيون عن أعراض، ومن ضمنها أستراليا والنمسا وبلغاريا والصين وكولومبيا وجورجيا وألمانيا والهند وقيرغيزستان وبولندا وروسيا وسوريا وتايوان وأوزبكستان وفيتنام وكوبا. وعن آليّة توصيل هذه الأجهزة، فيمكن أن تكون جوّاً.
واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنّ أنظمة الطاقة الموجّهة ستكون أسلحة المستقبل، بغضّ النظر عمّا يظهر في التحقيق في “متلازمة هافانا”، لافتاً إلى أنّ هذه الأسلحة مثل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وأسلحة الفضاء والهجمات الإلكترونية. واعتبر أنّها سيوف ذات حدّين، أي أنّها خطيرة على روسيا، وليس فقط على الولايات المتحدة.
ووجّه إغناتيوس رسالة إلى الكرملين مفادها: “نحن لا نقدّم أيّ مزاعم، بل نحتاج إلى الحوار”.