كيف صار للمسلمين “قنبلة نووية”؟

مدة القراءة 5 د

في عام 1947 انقسمت الهند، على وقع حرب أهليّة كلّفتها حوالي مليون ضحيّة، إلى دولتين: الهند مع أقليّة إسلامية، وباكستان مع أقليّة هندوسيّة.

وفي عام 1974 دخلت الدولة الهنديّة الجديدة النادي النوويّ بعدما أجرت تجربة ناجحة في صحراء راجاستان. أدّى هذا الإنجاز إلى توجيه ضربة معنويّة شديدة إلى المعادلة الهندية – الباكستانية.

كانت أجهزة الاستخبارات الأميركية تعتقد أنّ عبد القادر خان يحتفظ بثروة ضخمة بمليارات الدولارات نتيجة بيعه معلومات وأجهزة تتعلّق بالصناعة النووية

بعد عدة أشهر تقدّم باكستانيّ شاب كان يدرس في هولندة العلوم الفيزيائية من رئيس الحكومة ذو الفقار علي بوتو بمشروع للأبحاث النوويّة. في ذلك الوقت لم تكن باكستان مؤهّلة صناعيّاً لإنتاج ماكنات خياطة، أو حتى درّاجات هوائية. كانت صناعتها بدائية. بل يمكن القول إنّها لم تدخل في ذلك الوقت العصر الصناعيّ. مع ذلك لم يتردّد بوتو (الذي اُعتُقل فيما بعد ومات في السجن) في الترحيب بالمشروع وبتشجيع صاحبه عبد القادر خان. وكان بوتو يردّد وهو في السجن، إذا كان الهندوس قد نجحوا، وإذا كان اليهود (إسرائيل) قد نجحوا أيضاً، فلماذا لا ننجح نحن المسلمين؟


وفي عام 1998 أجرت باكستان أوّل تجربة نوويّة ناجحة ودخلت نادي الدول النوويّة. وأرست بذلك معادلة “الخوف المتبادل” مع الهند.

منذ ذلك الوقت كانت إسرائيل والولايات المتحدة تحاولان اغتيال أبي القنبلة النوويّة الباكستانيّة لقطع الطريق أمام نقل المعلومات والخبرات إلى الدول العربيّة.

تمكّن عبد القادر من الإفلات من الملاحقة ومن تزويد كوريا الشمالية بالمعلومات النووية مقابل تزويد باكستان بالصواريخ. وتمكّن أيضاً من تزويد إيران والعراق بهذه المعلومات مقابل مساعدات ماليّة كبيرة حصلت عليها باكستان.

حاول أسامة بن لادن التواصل معه من دون جدوى. فقد رفض العالِم الباكستاني الاستماع إليه أو إلى أيّ مبعوث من عنده. أمّا تجاوبه مع طلب الرئيس الليبي السابق معمّر القذّافي فقد انتهى باستيلاء الاستخبارات الأميركية على الأجهزة التي أرسلها الدكتور عبد القادر خان لتكون أساس الصناعة النووية. وكانت هذه الأجهزة قد أُرسلت بحراً عبر قناة السويس، إلا أنّ الاستخبارات الأميركية سيطرت على السفينة وقادتها إلى إيطاليا، حيث صادرت تلك الأجهزة. بعد ذلك قضى خان سنوات في بيته في إسلام آباد تحت حراسة باكستانيّة مشدّدة.

من أجل ذلك أدرج الموساد الإسرائيلي (جهاز الاستخبارات) اسمه على لائحة الاغتيالات، إلى جانب الـ”سي.آي.إيه” الأميركية. وتنافست المنظّمتان على مَن يقتله أوّلاً. ولكنّ الدولة الباكستانية تمكّنت من حمايته حتى وافاه الأجل منذ أيّام قليلة وهو في فراشه إثر إصابته بفيروس كوفيد 19 (كورونا). وكان قد بلغ من العمر 85 عاماً.

 

طفولة خان

وُلِد عبد القادر خان في مدينة “بوبال” في الهند، حيث كان المسلمون والهندوس يتعايشون بأمن وسلام. إلا أنّ هذه المدينة شهدت فيما بعد أكبر مجزرة مدنيّة في تاريخ الهند الحديث عندما تسرّب الغاز السامّ من أحد المصانع وقضى على العمّال جميعاً وعلى عدد كبير من سكّان المدينة يزيد على 16 ألف إنسان.

كان يمكن أن يكون عبد القادر خان وعائلته من أولئك الضحايا، إلا أنّه هاجر إلى باكستان وهو في سنّ السادسة عشرة من عمره إثر تعرّض العائلة للمضايقات على خلفيّة الاختلاف الديني الهندوسيّ-الإسلاميّ.

كان والده معلّم مدرسة ابتدائية ورجلاً مسالماً حتى إنّه منع أولاده السبعة من الصيد احتراماً للحياة. ولقد تمكّن أحد أولئك الأولاد، عبد القادر، الذي مُنِع من الصيد، من إنتاج القنبلة النووية التي شكّلت رادعاً للتهديد الهندي، والتي أرست قاعدة “التخويف المتبادل” الذي حقّق الاستقرار في المنطقة على الرغم من الصراع الشديد بين الدولتين حول كشمير.

من أجل ذلك تحمل اسمه مدارس ومستشفيات في العديد من المدن الباكستانية. وهو الوحيد الذي مُنِح مرّتين وسام الشرف للدولة الباكستانيّة، وهو أعلى وسام، ولا يُمنح إلا لرؤساء الدول.

أثناء تشييعه وصفه الرئيس عمران خان بأنّه “رمز وطنيّ”. وعلى العكس من ذلك وصفته إسرائيل بأنّه لم يكن عدوّاً لها فقط، لكنّه كان “عدوّاً للإنسانيّة”، لأنّه سرّب أسرار الصناعة العسكرية النووية إلى دول مثل العراق وإيران وليبيا.

كأنّ السلاح النوويّ الإسرائيلي هو لخير الإنسانيّة!!

كان فشل الموساد في اغتياله من أسوأ النكسات التي هزّت هذا الجهاز الذي يتفاخر بالقيام بعمليّات ناجحة لاغتيال قادة من منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وتونس وروما وباريس.. حتى في رام الله (تسميم ياسر عرفات).

كانت أجهزة الاستخبارات الأميركية (أو الإسرائيلية) تعتقد أنّ عبد القادر خان يحتفظ بثروة ضخمة بمليارات الدولارات نتيجة بيعه معلومات وأجهزة تتعلّق بالصناعة النووية. ولكن تبيّن بعد وفاته أنّ كلّ ثروته لا تزيد على ثمانية ملايين دولار، وفندق سياحيّ صغير مسجّل باسم زوجته ويحمل اسمها في إحدى الدول الإفريقيّة.

إقرأ أيضاً: الهند: الدين فوق السياسة

يبقى السؤال: كيف تحوّل طالب العلوم الفيزيائية إلى عالِم نوويّ؟

تجيب على هذا السؤال هولندا التي كان يدرس في إحدى جامعاتها، وتقول إنّ عبد القادر اختلس ملفّات نوويّة، ومن بينها عناوين الشركات المنتجة للمفاعلات وأجهزة تخصيب اليورانيوم، وحملها إلى باكستان حيث كانت البداية.. وكانت بداية ناجحة.

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…