شهدَت نهاية شهر تشرين الأول توتّر العلاقات اللبنانية مع الدول الخليجيّة، في أعقاب تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، التي نجمَ عنها سحبُ سفراء من لبنان، وهو تطوّر دبلوماسيّ علّقت عليه صحيفة “لو فيغارو” الفرنسيّة بمقال عنونته “السعوديّة تعاقب لبنان”.
ورأت الصحيفة أنّ الاستقرار السياسي في لبنان لم يستمرّ طويلاً، وأنّ الحكومة اللبنانيّة تواجه أزمة، بل “عاصفة جديدة”، وهو ما يفاقم الانهيار المستمرّ في لبنان منذ عامين، وذلك بعدما جرى تأليف حكومة في أعقاب شغور في السلطة التنفيذيّة بقي أشهراً.
أمّا عن الحكومة والحديث عن استقالتها، فأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنّ فرنسا والولايات المتحدة تعملان “درعاً” لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي
كانت “الضربة” الأولى من المملكة حين أعلنت وقف استقبال الواردات من لبنان، واستدعت سفيرها في بيروت، وطلبت من السفير اللبناني في الرياض مغادرة المملكة. وقد حذت البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة حذوها، فيما لم تتّخذ عُمان وقطر هذه الإجراءات.
وتطرّقت الصحيفة إلى المواقف في لبنان من التدابير المتّخذة ومن تصريحات قرداحي، مشيرةً إلى أنّ “النزاعات الإقليمية تقع في لبنان بالوكالة”، إذ إنّ هذا البلد “ليس قادراً على تحديد العلاقات الخارجية على أساس المصالح الاستراتيجيّة الوطنية. وهكذا يجد نصف مليون مواطن يعملون في الخليج، بسبب عدم توافر الوظائف في بلدهم، أنفسهم رهينة سياسات انتقامية”.
وتنقل “لوفيغارو” عن محلّلين أنّ “مواقف قرداحي الأخيرة أتت ذريعةً للانفصال السعودي الدبلوماسيّ عن لبنان، وما يجري هو بمنزلة كرة تتدحرج في ملعب تطوُّر العلاقة بين طهران والرياض، اللتين تُجريان محادثات ثنائية بالتوازي مع المحادثات حول الملفّ النووي بين إيران واشنطن”، وأنّ “تشدّد المملكة مع لبنان ليس أمراً جديداً، ويعود إلى العام 2017”.
أمّا عن الحكومة والحديث عن استقالتها، فأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنّ فرنسا والولايات المتحدة تعملان “درعاً” لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وتطرّقت إلى خليّة الأزمة الوزارية التي أُنشِئت في لبنان بهدف حلّ الأزمة، والتي عقدت اجتماعاً السبت بحضور القائم بأعمال السفارة الأميركية في بيروت ريتشارد مايكلز. وتحدّثت عن اجتماع مقرّر بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وميقاتي اليوم على هامش مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقيّة الإطارية بشأن التغيّر المناخي (COP26) في مدينة غلاسكو الاسكتلنديّة.
يُعدّ انفصال لبنان عن الدول الخليجيّة “كارثة جديدة لهذا البلد الذي يعاني من الفقر المستشري”، ويُعتبر هذا التطوّر ضربةً للرئيس ميقاتي الذي وضع تحسين العلاقات مع الدول العربية، وخصوصاً الخليجيّة، في مقدّم أولويّاته
“لوموند”: لبنان يجثو
من جانبها، صحيفة “لو موند” الفرنسيّة سلّطت الضوء على التطوّرات الأخيرة على الساحة اللبنانية، وتصاعد التوتّرات مع دول الخليج، اللذين “أثّرا على لبنان وأضعفاه، وزادا الخشية من أن يتحوّل لبنان مرّة جديدة إلى ساحة مواجهة بين إيران والسعودية، فيما يغرق في انهيار اقتصادي”.
وبحسب الصحيفة، فإنّ التصعيد يأتي بشكل أزمة دبلوماسية واقتصادية اتّخذت على إثرها المملكة سلسلة تدابير عقابيّة ضدّ لبنان. ورأت “لو موند” أنّ “قرار الرياض بوقف الواردات من لبنان هو ثقيل الوطأة على بلد في حالة إفلاس، وتُعتبر المملكة سوقاً مهمّاً له”.
وذكّرت الصحيفة بما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان من أنّ “المملكة توصّلت إلى أنّ التعامل مع لبنان لم يعُد مثمراً أو مفيداً”، قائلاً إنّ تصريحات الوزير قرداحي “عرضٌ لواقعٍ، واقع أنّ المشهد السياسي في لبنان لا يزال يسيطر عليه حزب الله”.
إذاً يغرق لبنان في دوّامة، بل مأساة جديدة جعلته “يجثو على ركبتيه”، على حدّ تعبير “لو موند”، التي لفتت إلى أنّ التطوّرات الأخيرة في الرياض تثير تساؤلات كثيرة، ومنها: هل نيّة الرياض التصعيد من أجل تعزيز نفوذها في التفاوض مع طهران الذي اُستُؤنف قبل أشهر في بغداد؟ هل تأتي هذه التطوّرات في سياق الردّ على الحوثيين في اليمن، أم تنحو المملكة إلى مواجهة الاستراتيجية البديلة للأردن ومصر، اللتين تراهنان على اتفاق رباعيّ الأطراف لاستجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا من أجل إعادة هذين البلدين إلى الحضن العربي؟
إقرأ أيضاً: ميقاتي باقٍ وفرنجية فتح باب الاستقالة لقرداحي
مهما كانت الأسباب يُعدّ انفصال لبنان عن الدول الخليجيّة “كارثة جديدة لهذا البلد الذي يعاني من الفقر المستشري”، ويُعتبر “هذا التطوّر ضربةً للرئيس ميقاتي الذي وضع تحسين العلاقات مع الدول العربية، وخصوصاً الخليجيّة، في مقدّم أولويّاته”.
وبينما ذكّرت الصحيفة الفرنسيّة بالدعم السعودي للبنان، سواء من خلال المساعدات الماليّة أو عبر عمل عشرات الآلاف من اللبنانيين في الخليج، رأت أنّ “انتهاج الرياض أسلوب المواجهة مجدّداً لا يُنذر بالخير للبنان، ويهدِّد هذا التشديد بتفاقم التوتّرات الشديدة أصلاً بين حزب الله وخصومه”.