في خطوةٍ لافتةٍ هدفها التركيز على أمن الفضاء الإلكتروني الدولي، والسياسة الرقميّة الدوليّة، والحريّة الرقميّة، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خطةً لإنشاء مكتب متخصّص في شؤون الأمن السيبراني، بهدف مواجهة “تحدّيات القرن الحادي والعشرين” وسط تزايد هجمات القرصنة الإلكترونيّة. ومن المقرَّر أن يتمّ تعيين سفير ليرأس هذا المكتب، بعد المصادقة على تسميته من خلال تصويت في مجلس الشيوخ الأميركي.
هذا المكتب كان محور مقال أعدّه الكاتب ديفيد إغناتيوس في صحيفة “واشنطن بوست”، رأى فيه أنّ الخارجيّة الأميركية تتعامل مع سباق التكنولوجيا العالمي بشكلٍ جدّيّ، ولا بدّ من التوقّف عند إعلان بلينكن إنشاءَ المكتب المعنيّ بالسياسة الرقميّة، لأنّه جزء من جهد كبير تبذله الإدارة الأميركية في سباق التكنولوجيا في العالم.
وعن وظيفة المكتب، أوضح إغناتيوس أنّه سيُعنى بتنسيق السياسة الإلكترونية والرقمية، وسيعمل من خلال منظمات الأمم المتحدة والهيئات الأخرى التي تنظِّم التكنولوجيا وتضع المعايير والقواعد لاستخدامها. وأشار إلى أنّ وزير الخارجيّة يعمل من أجل تعيين مبعوث خاصّ جديد للتكنولوجيا يهتمّ بالأجندة الأميركيّة ويطبّقها.
في السياق نفسه، عمل كريس إنغليس، الذي كان نائب المدير السابق لوكالة الأمن القومي بين عاميْ 2006 و2014، وهو الآن أوّل مدير للشؤون السيبرانية على المستوى الوطني في الإدارة وكبير مستشاري الرئيس بايدن، على صياغة استراتيجية تهدف إلى جعل الفضاء الإلكتروني مجالاً أكثر اعتدالاً ويتمتّع بحماية. ورأى إنغليس أنّه يمكن جعل الفضاء الإلكتروني منطقة توفّر الحريّة، بدلاً من المخاطر والسيطرة الاستبداديّة، وذلك من خلال تطوير التكنولوجيا الجديدة وتحسين الأمن.
ولفت إغناتيوس إلى أنّ بايدن يعرض مبادراته الخاصّة بالتكنولوجيا تدريجيّاً، ويُنشئ مجموعة من الشراكات من أجل وضع وفرض معايير عالمية جديدة للتكنولوجيا الرقمية. ويتطلّع المسؤولون الأميركيون إلى أن تتوزّع هذه الشراكات على “المجموعة الرباعيّة”، التي تعمل الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان معاً فيها، ومجلس التجارة والتكنولوجيا الذي اتفق قادة أوروبا والولايات المتحدة على إنشائه، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضمّ 38 دولة متقدِّمة في العالم. أمّا هدف هذه المبادرات فيصبّ في مكانٍ واحدٍ هو الصين.
رصد الصين
في هذا الصدد، أوضح إغناتيوس أنّ واشنطن تريد التحقّق من طموح الرئيس الصيني شي جين بينغ في الشأن التكنولوجيّ، موضحاً أنّ الخطر يكمن في أنّ غياب مثل هذه القيادة الدبلوماسية الأميركيّة سيُمكِّن الصين من السيطرة على البنية التحتية الرقمية من دون إدراك الدول المتقدّمة تقنيّاً.
إذاً فـ”سياسة التكنولوجيا” هي “السياسة التجارية” الجديدة، وفقاً للكاتب، ولا سيّما أنّ إدارة بايدن، كما الحزب الجمهوري، متنبّهة إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ التي ترغب الصين بالانضمام إليها. علماً أنّ الولايات المتحدة أنشأتها قبل أن تتخلّى عنها. ويسعى فريق الرئيس الأميركي إلى استخدام جزئيّ لجدول أعماله التكنولوجيّ العالميّ بديلاً من الشراكات التجارية المتعدّدة الأطراف، مثل “الشراكة عبر المحيط الهادئ”.
وسيكون العمل على الخطّة التكنولوجيّة والتفاوض عليها، في قسم كبير منه، من مسؤوليّة مدير التكنولوجيا والأمن القومي تارون شابرا، الذي عمل على صقل الخطّة أصلاً منذ أشهر. وبعد فترة، سيصبح المكتب الجديد للفضاء الإلكتروني والسياسة الرقميّة هو المكان المناسب لتنسيق العمل التقنيّ. وسينسّق المكتب مع الشركات الخاصّة مثل “مايكروسوفت” الرائدة في تطوير “قواعد الطريق” العالميّة للإنترنت.
وأشار إغناتيوس إلى أنّ وزير الخارجية الأميركي أعلن خطّة إنشاء المكتب الجديد في كلمةٍ تطرّق خلالها إلى جهود الدولة الأوسع، التي تشمل إضافة موارد جديدة للتعامل مع الأمن الصحّيّ العالمي في أعقاب تفشّي جائحة “كوفيد 19″، ومسألة تغيّر المناخ، والدبلوماسيّة المتعدّدة الأطراف. ورأى إغناتيوس أنّ الأفكار جميعها جيدة، لكنّها تحتاج إلى تمويل، وإلّا فستكون خطوة إلى الوراء وليس إلى الأمام.
وذكّر الكاتب بعمله الصحافي ومتابعته جهود التحديث، ولفت إلى أنّ إحدى المشكلات تتمثّل في أنّ الدبلوماسيّة الجيّدة لها توجّهات متطوّرة وخطيرة أحياناً، إلا أنّ الكونغرس ينظر من منطلق “تصفير الأخطاء”. فيسهل الحديث عن إشراك الدول حول العالم، لكنّ حادثة واحدة، مثل هجوم بنغازي الذي وقع في العام 2012، يمكن أن تُغيّر مسار الأمور.
وقد تطرّق بلينكن إلى هذه المشكلة في كلمته الأخيرة، معتبراً أنّ عالم الدبلوماسيّة الأميركية لن يكون خالياً من المخاطر، ولهذا لا بدّ من تقبّل الواقع وإدارة المخاطر بذكاء.
واختتم إغناتيوس مقاله بالإشارة إلى أنّ الدبلوماسيّة الأميركية يجب أن تُحسّن طريقتها، ولا سيّما بعد الفشل الذي مُنيت به إثر الانسحاب من أفغانستان، وقد تكون سياسة التكنولوجيا العالمية نقطة جديدة للانطلاق.