تحالف الصفقة الخضراء: يفتح الباب لدور الوسيط الأميركي؟

مدة القراءة 7 د

شهدت الأعوام الأخيرة إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط عبر سياسات أميركيّة مكّنت واشنطن من أن تصبح القوّة المهيمنة، وأن تتدخّل بالصراعات والتحالفات، إلى أن انسحبت من أفغانستان، ملقّنةً درساً لِمَن هم في المنطقة بعدم الاعتماد عليها كلّيّاً. لكنّ الأهمّ هو أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن ليس وحده مَن يعيد تشكيل السياسات، فقد دخلت الطبيعة، أي تغيّر المناخ، في مقدّمة أولويات وتطلّعات قادة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة.

الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان يعتبر أنّ “الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان أخيراً، كان دليلاً واضحاً على إعادة تشكيل السياسات في المنطقة”، معتبراً أنّ “ما تمّ تجميده في رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط لسنوات عاد ليتحرّك”. ونقل عن مسؤول خليجيّ قوله “إنّه الحبّ في الهواء”، في إطار تعليقه على المصالحات التي تمّت بين دول عربية، وبين بعض الدول وإيران.

شهدت الأعوام الأخيرة إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط عبر سياسات أميركيّة مكّنت واشنطن من أن تصبح القوّة المهيمنة، وأن تتدخّل بالصراعات والتحالفات، إلى أن انسحبت من أفغانستان، ملقّنةً درساً لِمَن هم في المنطقة بعدم الاعتماد عليها كلّيّاً

ولفت فريدمان إلى أنّ العامل الثاني، الذي شكّل علامة فارقة في قرار بايدن بالانسحاب من المنطقة، كان الطبيعة أو تغيّر المناخ، الذي ترافق مع موجات الحرّ والجفاف وأسعار النفط وزيادة الإصابات بـ”كوفيد 19″. وخلص الكاتب إلى أنّ “العالم بصدد الانتقال من شرق أوسط شكّلته قوى عظمى إلى شرق أوسط شكّلته الطبيعة، وهذا التغيير سيدفع كلّ قائد إلى إيلاء الاهتمام للبيئة، وإلى المرونة لاكتساب الشرعيّة بدلاً من البحث عنها عبر مواجهة الأعداء”. وعلّق فريدمان قائلاً: “بدأت المنطقة تعاني من الحرارة المرتفعة والاكتظاظ السكّاني، وتحتاج إلى المزيد من المياه من أجل المحافظة على نوعيّة الحياة، ومع ذلك لا تزال المنطقة في مستهلّ رحلة التحوّل من المقاومة إلى المرونة”.

وعاود فريدمان التذكير بالدور الأميركي في المنطقة، والوجود العسكري في أفغانستان، والضمانات الأميركية الأمنيّة التي هدفت إلى تحقيق الاستقرار، ولفت إلى أنّ “واشنطن كان لها دور لافت في دعم حلفائها، ما جعلهم يُقدِمون على الكثير من الخطوات من دون التفكير في التداعيات”.

لكنّ السياسة الأميركية كانت واضحة “حتى أتى بايدن وأضفى الطابع الرسميّ عليها”، بحسب الكاتب الذي أشار إلى “انسحاب الرئيس باراك أوباما من المنطقة، ورفض الرئيس دونالد ترامب الانتقام من إيران، بعدما أرسلت طائرات بدون طيّار لمهاجمة منشأة نفطية سعودية في العام 2019″، موضحاً أنّ تلك كانت “علامات تحذير من أنّ واشنطن قد سئمت من التدخّل في الحروب الطائفية بالشرق الأوسط”.

وبعد مغادرة الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، “استأنفت المملكة العربية السعودية تحسين علاقاتها مع إيران وقطر، وقلّصت مشاركتها في اليمن. وانسحبت الإمارات العربية المتحدة من حروب ليبيا واليمن، وأصلحت علاقاتها مع إيران وقطر وسوريا. أمّا العراق فلعب دور الوسيط بين إيران والسعودية”، وفقاً للكاتب الذي أضاف أنّ “الإمارات والسعودية أدركتا أنّهما ليستا بوارد تحمّل الأعمال العدائية مع إيران بعد الانسحاب الأميركي. أمّا الأجواء في طهران التي تخضع للعقوبات فإنّها توحي بإدراك الحاجة إلى الانفتاح على العالم. وأمّا البحرين فذهبت مع الإمارات إلى علاقة علنيّة مع إسرائيل، فيما تعمل مصر مع إسرائيل في ملفّ غزّة”.

وتابع فريدمان أنّ من نتائج الانسحاب الأميركي كان ما شهدته الفترة الماضية مع الرئيس السوري بشار الأسد الذي تواصل هاتفيّاً مع العاهل الأردني. ولفت إلى أنّ “مصر والأردن تحاولان فصل سوريا والعراق عن إيران. وترغب مصر بتصدير غازها إلى لبنان، ويسعى الأردن إلى إحياء العلاقات التجارية مع سوريا. وأخرجت مصر والسعودية والإمارات علاقاتها مع تركيا من حالة الجمود التي شهدتها، أملاً بإعادتها إلى الحضن الإقليمي كقوّة سنّيّة موازنة لإيران”.

تابع فريدمان مقاله مشيراً إلى تعدّد الطرق لتشكيل منطقة الشرق الأوسط، قائلاً: “مثلما أوضح إنديك أنّ أميركا حلّت مكان الاتحاد السوفياتي، فإنّ الطبيعة تحلّ الآن مكان أميركا باعتبارها القوّة المهيمنة في الشرق الأوسط

من جانبها، تعتقد إيران أنّ “واشنطن، التي تفرض عليها عقوبات، لن تتمكّن من تنفيذ أيّ عمل عسكري من أجل كبح مساعيها لتخصيب اليورانيوم ولأن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية”.

هنا استشهد فريدمان بما قاله مارتن إنديك، الذي كان مبعوثاً أميركياً إلى منطقة الشرق الأوسط، في كتابه الجديد المُعنوَن “سيّد اللعبة: هنري كيسنجر وفنّ دبلوماسيّة الشرق الأوسط”، الذي يكشف فيه كيف استخدمت الولايات المتحدة صناعة السلام في جهودها من أجل أن تحلّ مكان الاتحاد السوفياتي كقوّة مهيمنة في المنطقة. قال إنديك: “الولايات المتحدة لا تنسحب بالكامل، بل تتراجع، وجميع شركائها العرب يعملون الآن لحماية أنفسهم ولتحقيق الاستقرار في وقت لا تهيمن فيه الولايات المتحدة، لكنّها ستبقى بحاجة إلى ردع إيران إذا تطوّرت نوويّاً وإلى نزع فتيل الصراعات الأخرى.”

تابع فريدمان مقاله مشيراً إلى تعدّد الطرق لتشكيل منطقة الشرق الأوسط، قائلاً: “مثلما أوضح إنديك أنّ أميركا حلّت مكان الاتحاد السوفياتي، فإنّ الطبيعة تحلّ الآن مكان أميركا باعتبارها القوّة المهيمنة في الشرق الأوسط، حيثُ لن يتمّ الحكم على القادة من خلال قدرتهم على مواجهة بعضهم بعضاً أو مقاومة القوى العظمى، لكن من خلال المرونة التي يظهرونها لشعوبهم ودولهم، فيما يتخلّص العالم من الوقود الأحفوريّ مع التغيّر المناخي وزيادة الشباب في المنطقة العربيّة”.

من جهتها، أعلنت الأمم المتحدة أخيراً أنّ أفغانستان شهدت موجة جفاف هي الأسوأ منذ أكثر من 30 عاماً، الأمر الذي ألحق أضراراً بالمزارعين، وساهمَ في زيادة أسعار الموادّ الغذائية، ووضع نصف السكّان في حالة من انعدام الأمن الغذائي. إذاً ماذا ستفعل “حركة طالبان”؟

إضافةً إلى ما تقدّم، تكثر التحدّيات في المنطقة. أوّلها جائحة “كوفيد 19”. وقد شهدت إيران احتجاجات في الصيف الماضي تنديداً بشحّ المياه، ومن المتوقّع أن يصبح مناخها أكثر حرارة وجفافاً. من جهتها، تحاول مصر التعامل مع مسألة ارتفاع مستوى البحر المتوسط الذي يدفع بمياه البحر المالحة إلى أنظمة الريّ في دلتا النيل، هذا عدا عن التوتّرات مع إثيوبيا.

وسلّط فريدمان الضوء على الاتّفاقيّة، التي وقّعها أخيراً الأردن وإسرائيل، لشراء 50 مليون متر مكعّب إضافيّة من المياه من تل أبيب، بسبب النقص الحادّ في المياه الذي يعانيه الأردن. ولفت إلى أنّ رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو ادّعى أنّ خلفه نفتالي بينيت “يعطي المياه للأردن، فيما يعطي الملك عبدالله النفط لإيران”. وتوقّف فريدمان عند تركيز نتانياهو على مسألة المياه لأنّها “علامة العصر”.

وتوقّع فريدمان أن يأتي يوم تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى العودة إلى الدبلوماسية في القضية الفلسطينية والمحادثات مع إسرائيل، “ليس على أساس الأرض مقابل السلام، لكن بناءً على الشمس والمياه العذبة من أجل السلام”.

وتطرّق في مقاله إلى منظمة السلام البيئي في الشرق الأوسط(EcoPeace Middle East)، التي تضمّ خبراء بيئيّين إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين، وضعوا أخيراً مثل هذه الاستراتيجية التي أُطلق عليها اسم “الصفقة الخضراء”.

وعن طريقة عملها، أوضح أنّ “الأردن لديه مناطق صحراوية شاسعة تسمح له بإنتاج الكهرباء وتلبية احتياجاته وبيع الكهرباء للشبكات الإسرائيلية والفلسطينية من أجل توليد الكهرباء التي تحتاج إليها محطات تحلية المياه وتوفير المياه العذبة”.

إقرأ أيضاً: فريدمان: هذا الشتاء سيموت الناس من البرد

ولفت الكاتب إلى أنّ “دبلوماسيّة النظام البيئي قد تمهّد الطريق للولايات المتحدة لتنخرط مجدّداً في الطبيعة بالشرق الأوسط، حيثُ يترابط جميع الأطراف بيئيّاً، وهكذا تدخل واشنطن لتُصبح الوسيط الموثوق به الذي يصوغ علاقات جيّدة”، وأوضح أنّ هذا النظام لن يكون “بديلاً عن صفقة الأرض مقابل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن بديلاً أساسيّاً لبناء الثقة”.

واختتم فريدمان مقاله بالقول: “أهلاً بكم في الشرق الأوسط الجديد الحقيقي – الشرق الأوسط للطبيعة”.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…